سمعت منذ بعض الوقت برنامجاً إذاعياً يتحدث عن مشاركة الأطفال في أعمال المنزل، وكيف أن الأطفال في العديد من ثقافات أميركا الجنوبية يشتركون بنشاطٍ وحماسةٍ في القيام بالأعمال المنزلية مع عائلاتهم. طبعاً جعلني ذلك أتذكر كل الأوقات التي حاولت فيها أن أطلب من أطفالي تنظيف غرفتهم أو طاولتهم، أو المساعدة في إزالة الأعشاب الضارة من الحديقة، وما تلا ذلك من صراخٍ وعقابٍ ودموع.
أدرك أن هذا الروتين اليومي لا يحدث في عائلتي فقط من خلال حديثي مع أصدقائي من الآباء ممن لديه أطفال أيضاً، فالكثير منا غارق في أعمال منزلية لا تنتهي، ويحتاجون لاستراتيجياتٍ تجعل الصغار يشاركون فيها دون ضغوط القتال التي تحدث في كلّ مرةٍ نطلب منهم المساعدة. في بعض الأيام؛ يبدو أن القيام بالمهمة بنفسك أسهل من إقناع الأطفال بالمساعدة.
في حين أننا قد لا نتمكن من تعليم أطفالنا حبّ غسيل الأطباق أبداً؛ إلا أن هناك استراتيجيات يوصي بها علماء النفس وخبراء تربية الأطفال لمساعدتهم على فهم أهمية مشاركة الأطفال في أعمال المنزل، وبناء العادات التي ستبقى معهم طوال حياتهم.
أهمية مشاركة الأطفال في أعمال المنزل
القيام بالأعمال المنزلية وتعلّم أن تكون جزءاً نشطاً من الأسرة، يعلم الأطفال عدداً من الدروس الهامة أثناء نموهم. الدرس الأول والأكثر وضوحاً هو أن يكونوا عمليين، فسيكبر الأطفال في النهاية وسيعيشون بمفردهم، وسيحتاجون بالتالي إلى الطهي والتنظيف بأنفسهم.
نحن كآباء تتمثل إحدى مسؤولياتنا الرئيسية في التأكد من أن أطفالنا يمكنهم العيش بمفردهم عندما يغادرون المنزل، وأفضل طريقةٍ لتعليمهم مهارات الحياة الأساسية هي القيام بالأعمال المنزلية منذ طفولتهم. تقول «نيكول بوركينز»؛ أخصائية علم نفس الأطفال المرخصة: «بالطبع لا يمكنك إرسال مدبرة منزل معهم إلى الجامعة».
وتشير «آن ماكيتريك»؛ أخصائية الطفولة المبكرة ومدربة الأبوة والأمومة، إلى أن الأعمال المنزلية أكثر من مجرد مهارات عملية، تقول: «مشاركة الأطفال في أعمال المنزل تعلمهم أيضاً أن يكونوا أفرادَ فاعلين ضمن مجتمع العائلة، فعلى كل فرد أن يكون له دور في تسيير أمور المنزل. سيكون التعاون والمسؤولية المشتركة عاملَين مهمَين في العديد من علاقاتهم أثناء نموهم، وكلما استطاعوا استيعاب هذه الدروس أكثر أثناء طفولتهم؛ كان ذلك أفضل».
وتتفق بوركينز في هذا الصدد وتقول: «تبنِي الأعمال المنزلية شعوراً أكثر بالإيثار لدى الأطفال، وتعلمهم دعم الآخرين والعائلة إجمالاً».
كما أن مشاركة الأطفال في أعمال المنزل تعلّمهم تحمّل الإحباط، كما يقول «مايكل سيلي»؛ المعالج العائلي المرخّص: «في الواقع،؛ هناك الكثير من المسؤوليات في الحياة لا نستمتع بتحملّها. ولا يعتاد الأطفال غير المضطرين إلى القيام بالأعمال المنزلية مطلقاً على تلك الأنشطة المحبطة أو الصعبة أو غير المألوفة. من خلال جعل الأعمال المنزلية جزءاً من الحياة اليومية، فإنك ترسّخ العقلية التي يتعين على الأطفال المضي قدماً بها، حتى عندما لا تكون هذه الأعمال ممتعةً بالنسبة لهم».
متى تعطي المسؤولية لأطفالك؟
أفضل وقت لطلب المساعدة من الأطفال في المنزل هو عندما يكونون صغاراً؛ حيث يحب الصغار مساعدتك في كل ما تفعله؛ إذ يعتقدون أن ما يقومون به مجرد لعبةٍ وتجربة تعليمية. لقد وجدت إحدى الدراسات في مجال علم النفس التنموي أن الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 20 شهراً، لديهم دوافع جوهرية لمساعدة آبائهم دون أن يكون لديهم دافعٌ للحصول على أي نوع من المكافآت. لذلك إذا بدأت مبكراً؛ يمكن لأطفالك تطوير عادة المشاركة في الأعمال المنزلية لبقية حياتهم.
هناك بالطبع بعض التحديات عند تحميل الأطفال المسؤولية والقيام بالمهام. الجزء الأصعب بالنسبة للعديد من الآباء -بمن فيهم أنا- هو أن الأطفال الصغار سيئون في إنجاز الأمور، فهم يستغرقون وقتاً أطول، ويحتاجون إلى الإشراف دائماً، وهناك فرصة كبيرة لارتكابهم بعض الأخطاء التي يجب إصلاحها لاحقاً. في الحقيقة؛ إذا ساعدني أطفالي البالغون من العمر 5 سنوات في الغسيل، فسيستغرق الأمر وقتاً أطول مما لو قمت بذلك بنفسي.
حتى لو كانت مشاركة الأطفال بلا فائدة؛ تقترح بوركينز على الآباء السماح لهم بالمشاركة في الأعمال المنزلية رغم ذلك. يستطيع العديد من الأطفال بعمر 18 شهراً حمل أكوابهم وأطباقهم البلاستيكية إلى غسالة الأطباق، أو مسح المنضدة بخرقةٍ مبللة، أو مناولة الأواني أثناء الطهي، وهذه كلها مهام بسيطة وآمنة يمكن للأطفال القيام بها طالما يستطيعون الوقوف.
علاوةً على ذلك؛ لا يهم حقاً إذا لم ينجزوا المهام الصغيرة على أتم وجه. يمكنك دائماً وضع صحونهم في غسالة الصحون بشكلٍ صحيح أو مسح البقع التي فاتتهم لاحقاً، المهم إشراكهم بأية طريقة. يقول سيلي: «عندما تبدأ مبكراً مع الأطفال، سيصبح العمل مع الأم والأب ممتعاً بالنسبة لهم، وهم يطوّرون هذا الشعور بالوكالة والمساهمة».
نصائح لتشجيع الأطفال على المشاركة في أعمال المنزل
إذا كان أطفالك قد اجتازوا مرحلة الطفولة المبكرة، فلم يفت الأوان بعد. من أهم الطرق لإشراك أطفالك هي الشرح لهم خطوة بخطوة ما هو العمل الذي تريد منهم القيام به. على سبيل المثال؛ قد يكون طلب تنظيف غرفتهم مهمةً شاقة ويبدو أنها مستحيلة. تقول ماكيتريك: «لا تتوقع أكثر مما يستطيعون القيام به. عبّر عن توقعاتك بوضوح، وزد المسؤولية عليهم تدريجياً عندما يعتادون على القيام بالأعمال المنزلية الروتينية. في المرّات الأولى؛ ساعدهم على إنجاز المهمة، واشرح لهم سبب قيامك بهذه الأعمال عندما يعتاد طفلك على ذلك. ابدأ المهمة معهم ثم اتركهم للقيام بشيءٍ آخر أثناء عملهم في المهمة، ثم عد في النهاية لإنجاز العمل معاً. بمجرد أن يفهموا القواعد ويتمّوا المهمة بنجاح؛ يمكنك تجربة تركهم يقومون بذلك بأنفسهم».
يوصي سيلي أيضاً بتخصيص «يوم للأعمال المنزلية»؛ حيث يعمل كل فردٍ في المنزل في مهامٍ تناسب عمره في نفس الوقت. يخلق ذلك إحساساً بالعمل الجماعي، وإدراكاً بأن القيام بالعمل هو مجرد جزء من كونه فرداً من الأسرة، وحتى لو كان أحد أطفالك متردداً، فقد يدفعهم ضغط أقرانه بالمشاركة.
يمكن أن يساعد تحديد توقعاتٍ واضحة حول المدة التي ستستغرقها المهام المختلفة. في الواقع؛ لا يمتلك الأطفال- خصوصاً الصغار منهم- إحساساً جيداً بالوقت لتقدير المدة التي يتطلبها أداء مهمةٍ ما. عندما أطلب من أطفالي تنظيف غرفهم، يعترضون بالقول وهم يبكون «سيستغرق الأمر إلى الأبد»، ولن نتمكن من اللعب مرةً أخرى أبداً، تبدو 20 دقيقةٍ لهم وكأنها أبدية. تقول بوركينز: «التحدث مع الأطفال بصراحة عن الوقت المطلوب، واستخدام أجهزة ضبط الوقت يمكن أن يكون ذا قيمة كبيرة لهم».
الإيجابية ضرورية أيضاً للحفاظ على تحفيز عائلتك. في كثير من الأحيان؛ نركّز كآباء على أخطاء أطفالنا؛ وذلك يعطيهم إشاراتٍ سلبيةً غير مشجعة. بدلاً من لومهم على وضع الأطباق رأساً على عقب في غسالة الأطباق؛ ركّز على كيف أنهم قاموا بنجاحٍ بتجميع أطباقهم في الدرج. عند إنشاء ممارسة منزلية، يكون الجهد أكثر أهميةً من التنفيذ، وسيكون هناك متسع من الوقت لتعديل أساليبهم مع تقدمهم في السن.
مساحة للنمو الشخصي
لدينا جميعاً رؤية عن الطريقة الصحيحة للقيام بأي عمل؛ لكن ذلك لا يعني أن طريقتنا هي الأفضل، أو هي الطريقة التي يحتاجها أطفالنا لإنجاز العمل. عند تعليم أطفالك؛ اضبط توقعاتك لتلائم احتياجاتهم وتفضيلاتهم.
أخيراً؛ لا تنزعج من سلوك أطفالك. ضع حدوداً وقواعد؛ ولكن لا تتوقع أي رد فعل، فمهمتنا ليست جعل الصغار يحبون غسل الأطباق؛ بل بخلق الحافز لديهم للعمل. تقول بوركينز: «دع أطفالك يعبّرون عن مشاعرهم السلبية تجاه الأعمال المنزلية، فربما لا تحب أنت أيضاً هذه الأعمال، لذلك عبّر عن إحباطك أيضاً لتظهر لهم أننا جميعاً قد نقوم بأشياء لا نستمتع بها ولا نحبها أحياناً».
تقول ماكيتريك: «بالنسبة للأعمال المنزلية التي يجب أن تركّز عليها جهودك ليقوم بها أطفالك؛ ضع قائمةً بالأشياء غير القابلة للتفاوض، وحدد أين يمكنك أن تكون أكثر مرونةً. بالنسبة لي؛ تكون غرفة الأطفال نظيفةً عندما تُجمع جميع الألعاب وتُوضع في مكانها المناسب؛ لكن بالنسبة لأطفالي، فإن تفكيك ألعاب الليغو التي ابتكروها أمر غير قابل للنقاش، لذلك يمكن أن نتجادل قليلاً لنصل إلى حلّ وسط. كل بضعة أسابيع، علينا إجراء تنظيفٍ كامل وفقاً لشروطي على سبيل المثال؛ ولكن من المهم بكل الأوقات أن نحرص على وجود مسارٍ آمن إلى أسرّتهم لا يتعثرون فيه بألعابهم».
وتضيف: «إذا فشلت جهودك في النهاية وسئمت من النظر إلى الفوضى في غرفة أطفالك، يمكنك دائماً إغلاق الباب خلفك وتركهم يلعبون».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً