إنها الساعة السابعة والنصف صباحاً من أول يومٍ في الأسبوع؛ تحاولين جاهدة تجهيز أطفالك الصغار للذهاب إلى المدرسة. إنها بداية أسبوعٍ جديد، ولكنكِ تشعرين بإرهاق أعصابك. فأطفالك غير قادرين على ارتداء ملابسهم بأنفسهم. تصطنعين ابتسامةً لطيفة وتطلبين منهم بحزمٍ ارتداء ملابسهم بسرعة والآن. مهما حاولتي إخفاء مشاعرك الحقيقية، إلا أنها تظهر بطريقةٍ ما. وهكذا، يكتشف الأطفال ذلك ويبدأون بالبكاء.
لا شك في أن هذا الموقف مألوف للعديد من الآباء، بمن فيهم أنا. لقد حاولت مراتٍ عدة إخفاء مشاعري الحقيقية عند التحدّث مع ابنتي؛ من خلال تصنّع ابتسامةٍ على وجهي على أمل أن تخفي مشاعري. لكن البحث الجديد الذي أجريته مع فريقي يُظهر أن كل جهودنا تذهب سُدى.
لقد وجدنا أن الأطفال يستجيبون للمؤثراتِ السمعية بشكلٍ أكبر من المؤثرات البصرية عند تحديد مشاعرهم. بمعنى آخر؛ ستؤثر نبرة صوتك ومستواه ودرجته على أطفالك أكثر من الابتسامة اللطيفة التي تصطنعها على وجهك لإظهار أنك سعيد بالاعتناء بهم. لذلك في الأوقات الصعبة؛ ينبغي على الآباء محاولة «اصطناع نبرة صوت» مناسبة بدلاً من اصطناع ابتسامةٍ مزيفة.
تأثير «كولافيتا» العكسي
استلهمنا بحثنا من التجربة المثيرة للفضول التي أجراها عالم النفس «فرانسيس كولافيتا» في السبعينيات من القرن الماضي. انطوت التجرية على تعريض البالغين لومضاتٍ من الضوء (منبّهاتٍ بصرية) وأصواتٍ مختلفة (منبهاتٍ سمعية) في نفس الوقت. وجد أن البالغين يميلون إلى الإبلاغ عن المنبهات أو المؤثرات البصرية، بينما يفشلون في الإبلاغ المنبهات السمعية.
سُمي هذا التأثير بـ «تأثير كولافيتا»، وأصبح دليلاً على الهيمنة البصرية لدى البالغين. لكن بينت الأبحاث في الآونة الأخيرة أن هذا التأثير يختلف لدى الأطفال. ففي نفس الظروف، يميل الأطفال -حتى سنّ الثامنة- إلى الإبلاغ عن المنبهات السمعية وتجاهل المنبهات البصرية. وقد دُعي هذا التأثير «تأثير كولافيتا العكسي»، والذي يعبّر عن هيمنة المؤثرات السمعية على الطفل عموماً.
منذ نشر هذا البحث؛ تم اختبار «تأثير كولافيتا» على الأطفال خلال دراساتٍ متعددة. فقد تم تعريض الأطفال لمحفزاتٍ أكثر تعقيداً -مثل صور الحيوانات والأصوات التي تصدرها- بدلاً من الومضات السريعة والأصوات البسيطة. وجد الباحثون خلال هذه الدراسات؛ عند عرض صورة لكلب مصحوبة بصوت بقرة؛ فإن الأطفال يبلغون فقط بما سمعوه، وليس ما رأوه. أي يبلغون عن سماعهم صوت البقرة.
أظهر ذلك أن تأثير كولافيتا العكسي لم يكن ببساطة بسبب تفضيل النغمات على الومضات كما بدا عليه الأمر في الدراسة الأصلية، بل بدا أن السبب هو تفضيل أي منبهاتٍ سمعية مهما كانت، حتى الأصوات المعقدة وذات المغزى. كانت هذه الأصوات مهيمنةً لدرجة أن الطفل يبلغ عنها كلها.
مزيد من البحث
أردنا اختبار هذا التأثير بعمقٍ أكبر ومحاولة اكتشاف ما إذا كان الأطفال يظهرون هيمنة سمعية للمنبهات ذات المعنى العاطفي. قمنا بإنشاء تجربةٍ تنطوي على استخدام مؤثراتٍ بصرية عاطفية (صور أشخاص تبدو على وجوههم ملامح الخوف، الحزن، السعادة، أو الغضب)، ومؤثراتٍ سمعية عاطفية (أصوات أشخاصٍ يبدو أنهم يشعرون بالخوف، الحزن، السعادة، أو الغضب).
عرضنا على البالغين والأطفال -ممن تتراوح أعمارهم بين 6-11 عاماً- هذه الصور والأصوات في مجموعاتٍ ثنائية مختلفة، متطابقة وغير متطابقة. على سبيل المثال؛ تضم المجموعة الثنائية المتطابقة من المؤثرات وجهاً سعيداً مع صوتٍ سعيد، بينما تضم المجموعة غير المتطابقة وجهاً حزيناً وصوتاً غاضباً مثلاً.
طلبنا من المشاركين في البداية تجاهل ما يرونه، وإخبارنا بدلاً من ذلك بمشاعرهم تجاه الصوت الذي يسمعوه. حيث أظهر الأطفال والبالغين القدرة على القيام بذلك دون مشاكل. ثم عرضنا عليهم نفس المحفّزات تماماً ولكن طلبنا هذه المرة منهم تجاهل ما سمعوه، وإخبارنا بما شعروا به بناءً على الصورة التي رأوها فقط. يمكن للبالغين القيام بذلك دون صعوبةٍ تذكر، لكن الأطفال وجدوا ذلك صعباً للغاية.
أخبرنا الأطفال عند مشاهدة صورة شخصٍ يرتعد خوفاً، على سبيل المثال، أن هذا الشخص كان سعيداً إذا ما سمعوا صوت ضحكٍ في نفس الوقت. لذلك استنتجنا أن الأطفال لا يمكنهم تجاهل المنبهات السمعية عند الحكم على المشاعر، ودراستنا هي أول دليلٍ على الهيمنة السمعية عند اكتشاف المشاعر والتعرّف عليها عند الأطفال.
انتبه في إظهار مشاعرك الحقيقية
إذا كان لدى الأطفال هيمنةٌ سمعية تجاه المعلومات العاطفية؛ فإن العاطفة التي ستبدو في صوت الوالد هي التي «تُهيمن» على أي معلومات عاطفية بصرية قد تصدر عن جسد الوالد. وبالتالي، من المرجّح أن يكتشف الطفل غضب والده أو والدته إذا كان صوتهما فيه نبرة غضب، حتى لو كان مخفياً وراء ابتسامةٍ مصطنعة.
تتجاوز الآثار المترتبة على هذه النتائج التي توصلنا إليها إمكانية تجنّب نوبات الغضب لدى الأطفال. في الوقت الحالي، يبذل المعلمون جهوداً جبارة لجعل التعليم عبر الإنترنت أكثر تحفيزاً للأطفال. وبأخذ نتائجنا بعين الاعتبار؛ بإمكان المعلمين تصميم الدروس بحيث يركزون أكثر على العناصر السمعية، وتقليل التركيز على العناصر المرئية.
إذا كان تفكير الطفل يمكن أن يتأثر بما يسمعه؛ فإن بيئته الحسية المحيطة به تكتسب أهميةً كبيرة في عملية التعليم والتربية. بالنسبة للدروس عبر الإنترنت؛ تشير النتائج التي توصلنا إليها أن الطفل قد يستفيد فعلياً من ارتداء سماعات الرأس لتجنّب المؤثرات الصوتية المربكة في بيئته المحيطة.
على أية حال؛ تذكر في المرة القادمة التي تريد فيها إخفاء مشاعرك الحقيقية عن طفلك أنه قد يكون من المفيد حقاً أن تنتبه وتركّز على نبرة صوتك أكثر من تعابير وجهك، أو لغة جسدك.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً