ليس من المفاجئ أن الأكواب الخفيفة من الستايروفوم والبلاستيك لا تعدُّ أوعية ملائمة للماء المغلي، ولكن الحروق الخطيرة التي تسبَّبت فيها أوعية حساء المعكرونة الفوري للأطفال ربما تعتبر صادمة؛ حيث وجدت دراسة جديدة أن حوالي 9500 طفل تتراوح أعمارهم بين 4 و12 سنة يُراجعون غرفة الطوارئ بسبب حروق ناجمة عن الحساء كل عام، وهذا يمثل خُمس الحروق الحادثة عند الأطفال.
وقد تم عرض النتائج في مؤتمر الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال هذا العام، ولكن قبل أن ندخل في التفاصيل، دعونا نعترف بأن حروق الحساء تبدو سخيفة بعض الشيء؛ إذ يملك الكثير من الأميركيين ذكريات قديمة حول تناول حساء المعكرونة الفوري في غرفهم السكنية أو عندما كانوا يغيبون عن المدرسة بسبب المرض ويمكثون في البيت. كما تبدو أكواب الحساء غير خطرة، ولكن إذا لم تكن قد تعرَّضت أبداً لحرق شديد فعلاً، فأنت على الأرجح تقلِّل من مدى سوء هذه الحروق.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن العدد 9500 لا يمثل كافة الأطفال الذين يسكبون القليل من الحساء على أنفسهم خلال عام، أو حتى كل طفل يبكي ويحتاج إلى الإراحة والإسعافات الأولية؛ حيث إن هؤلاء هم فقط الأطفال الذين تعرَّضوا لحروق سيئة لدرجة أن آباءهم قاموا بأخذهم إلى غرفة الطوارئ. وقد ذكرت الدراسة الجديدة أن واحداً من كل عشرة أطفال من تلك المجموعة قد تعرَّض لحروق شديدة بما يكفي للزوم الحصول على المزيد من الرعاية في المستشفى، وبالتالي فهي ليست مجرد إصابات طفيفة، بل إنها إصابات خطيرة.
ويهتم الباحثون بدراسة هذا الأمر بشكل جزئي حتى يتمكًّنوا من تحذير الآباء والأمهات بعدم السماح للأطفال الصغار بإعداد حساء المعكرونة بمفردهم، ولكنه أيضاً يحدِّد ما إذا كانت شركات الحساء في حاجة إلى تغيير عبوات منتجاتها.
وفي عام 2006، قام باحث (من جامعة كاليفورنيا في ديفيس) بنشر ما يمكن اعتباره أكثرَ التحليلات تفصيلاً على الإطلاق لنقاط الانقلاب لأوعية الحساء الفوري، وبصفته رئيساً لقسم جراحة الحروق، فقد كان يدرك جيداً مدى سوء الأذيَّات التي يمكن للأطفال أن يُلحقوها بأنفسهم بسبب حساء المعكرونة، وقد أراد أن يفهم الأشياء غير الآمنة في هذه العبوات بشكل أفضل. وإن النتائج التي توصَّل إليها قد أظهرت -بوضوح تام- ما كان يمكن لأي خبير فيزيائي أن يقوم بتخمينه؛ حيث إن الأوعية الطويلة والرفيعة -وخاصة تلك التي تكون ضيِّقة من الأسفل وعريضة من الأعلى- تنسكب بسهولة أكبر، أما الأوعية ذات القواعد العريضة فتنسكب بشكل أقل. حتى أنه قام بحساب الزاوية التي تنسكب بها الأصناف التجارية المختلفة للحساء الفوري، وسجَّل الصنف التجاري كَب أو نودلز 21.2 درجة، وهي أقل بكثير من الدرجة المثيرة للإعجاب التي بلغت 63.9، وهي التي يمكن عندها أن تنقلب العبوات القصيرة والأكثر تسطيحاً.
وبالطبع تعتمد كل هذه الحسابات فقط على وعاء الحساء الذي يتوضَّع على سطح بزوايا متزايدة؛ فالطفل البالغ من العمر ست سنوات ويحمل وعاءً مرناً من الستايروفوم هو أقل استقراراً بكثير، وخاصة إذا كان يجب عليه أن يقف على أطراف قدمه حتى يصل إلى المايكروويف.
وفي دراسة أجريت عام 2008 لحروق الأطفال، فإن 51% من الأطفال الذين تلقَّوا العلاج كانوا ممن يستخدمون المايكروويف لتسخين شيء ما عندما تعرَّضوا للحروق، وكانت 65% من كافة الحروق ناجمة عن الحساء الفوري المعبَّأ. وتوصي هذه الدراسة ودراسة جامعة كاليفورنيا في ديفيس التي أجريت في عام 2006 بتغيير العبوات، فالقاعدة العريضة -خاصة عندما تكون العبوة أضيق من الأعلى- من شأنها أن تكون أكثر استقراراً بكثير (ولو كانت أقل جاذبية من الناحية الشكلية)، ويمكن لهذا الاستقرار أن يكون حاسماً، لا سيما بين أيدي الأطفال.
وفي هذه الدراسة الحديثة كانت 40% من الحروق في جذع الأطفال، مما يشير إلى أن الحساء انقلب على أجسامهم إما من أيديهم أو من الطاولة، وكانت الغالبية العظمى من الإصابات المتبقية في الأطراف، وذلك بالتساوي بين الأطراف العلوية والسفلية، بينما كانت حروق 3.6% من الأطفال في رؤوسهم أو وجوههم. وبعبارة أخرى، فإن الأطفال معرَّضون لسكب الحساء المغلي على أنفسهم عن طريق الخطأ خلال أي مرحلة من مراحل التحضير والأكل.
وإن اللجنة الأميركية لسلامة المنتجات الاستهلاكية (وهي المسؤولة عن إصدار عمليات الاسترداد واتخاذ قرارات السلامة الأخرى بشأن المنتجات المنزلية) لم تتخذ حتى الآن أي إجراء لمحاولة إجبار شركات تصنيع الحساء على تغيير عبواتها، على الرغم من أنها تتبَّع مثل هذه الإصابات بدقة. وقد استخدمت هذه الدراسة الحديثة بيانات اللجنة لمعرفة عدد الأطفال الذين يتعرَّضون للحروق كل عام، وهو أمر لم تتمكَّن منه الدراسات السابقة؛ وذلك لأنهم كانوا في الغالب يستخدمون الاستبيانات في أحد المستشفيات على مدار عدّة أشهر.
وتقوم اللجنة الأميركية لسلامة المنتجات الاستهلاكية بجمع المعلومات حول جميع أنواع الإصابات، بدءاً من الأشخاص الذين يؤذون إبهامهم بالمطرقة إلى حوادث مشايات الأطفال. وبالطبع تعتبر بعض المنتجات خطيرة ببساطة، فالناس يؤذون أنفسهم بالمناشير الكهربائية بغضِّ النظر عن السبب، والسؤال الآن هو عمَّا إذا كانت بعض خصائص السلامة الأساسية يمكنها أن تمنع معظم الإصابات المرتبطة بهذا المنتج؛ فإننا نجد -على سبيل المثال- أن للعديد من المناشير الكهربائية الآن آليات إيقاف أوتوماتيكية إذا لامست اللحم. وربما يجب إجبار شركات الحساء على تصنيع عبوات أكثر استقراراً أو متانةً لمنتجاتها.
ولكن بما أن الحساء الفوري لن يتغير شكله بين عشية وضحاها، فإن الباحثين يحثون الآباء والأمهات على الاطلاع على المخاطر الحقيقية فعلاً عند السماح لأطفالهم بتحضير وجباتهم بأنفسهم، فقد تبدو أجهزة المايكروويف آمنة بشكل خادع؛ وذلك لأنها لا تحتوي على أسطح ساخنة أو ألسنة لهب ليقوم الطفل بإيذاء نفسه أثناء عملية الطهي بحدِّ ذاتها، ولكنها تجعل الطعام والعبوات التي بداخلها ساخنة، مما يفتح المجال للتعرُّض للحروق.
ويوصي الأطباء بتحضير الحساء للأطفال الصغار والإشراف على الأطفال الأكبر سناً، وإذا كنت تريد من أطفالك الصغار أن يقوموا بإطعام أنفسهم بأنفسهم، فقد يكون تناول الحبوب أو اللبن الزبادي أو الشطائر خياراً أكثر أماناً. كما يمكنك حتى أن تزوِّد الأطفال بسكاكين آمنة لمساعدتهم على تقطيع التفاح بأنفسهم وتحضير الأطعمة الأخرى التي لا تحتاج إلى الحرارة.
وإذا تعرَّض طفلك لحرق، فيوصِي مستشفى سانت لويس للأطفال بتبريده مباشرة تحت الماء والبقاء على هذا الوضع لمدة 10 دقائق. ولا تحتاج العديد من الحروق إلى زيارة المستشفى، وإنما إلى مجرد ضماد ومرهم مضاد حيوي إذا كان الجرح مفتوحاً، أما إذا كانت هناك فقاعات (خاصةً إذا كان حجمها أكبر من 5 سنتيمترات) أو إذا بدا الجلد متفحِّماً أو مُبْيَضّاً، فتوجَّه إلى غرفة الطوارئ.
وفي معظم الحالات، فإن الحروق السيئة نفسها تُشفى بسرعة، ولكن من الأفضل لك أن تتأكد من أن الأطفال الذين تقوم على رعايتهم يستمتعون بالحساء تحت إشرافك، وخاصة إذا كان الحساء في كوب خفيف من الستايروفوم.