أفاد باحثون بأن انفصال الوالدين عن بعضهما وسط خلافات حادة ومن ثم انقطاع التواصل بينهما قد يزيد من خطر إصابة أطفالهما بالزكام عندما يبلغون سن الرشد.
ففي الدراسة التي أجراها علماء نفس من جامعة كارنيجي ميلون الأميركية، خلُصت النتائج إلى أن الطلاق الصاخب الذي يُخلّف قطيعة دائمةً بين الوالدين يزيد من خطر إصابة الأطفال بالزكام الشائع بمعدل ثلاثة أضعاف بعد بلوغهم سن الرشد، في حين أن الطلاق الهادئ الذي لم تنجم عنه قطيعة كاملة بين الوالدين لا يترك تأثيراً مماثلاً على الأطفال. وعلى الرغم من أن دراسة صغيرة مفردة لا تكفي لإثبات صحة أي شيء أو نفيه، ولكن النتائج تشير بشكل أولي إلى أن الشدة النفسية التي يواجهها الطفل عند طلاق والديه قد تترك تأثيرات طويلة الأمد على صحته.
يقول المُعد المساعد للدراسة مايكل مورفي، اختصاصي علم النفس بجامعة كارنيجي ميلون: "تأتي هذه الدراسة في سياق الأبحاث التي تتناول العلاقة بين الشدة النفسية والصحة الجسدية، وكيف يمكن لجو المنزل المشحون أن يؤثر في صحة الأطفال". ويُضيف مورفي: "يمكن للشدة النفسية، وخاصة المستمرة والمزمنة، أن تترك تغيرات فيزيولوجية تزداد شدتها مع تقدم الشخص بالعمر".
وكانت دراسات سابقة أظهرت بأن طلاق الأبوين يترك عواقب سيئة على الأطفال، وأن تلك العواقب تتراوح بين الضغوط النفسية وحتى المشاكل التعليمية، وقد تستمر إلى ما بعد سن الرشد والبلوغ، فيواجه الشخص مشاكل في علاقاته الاجتماعية وتراجعاً في صحته النفسية مقارنةً مع أقرانه الذين نشؤوا في ظل عائلات متماسكة.
إلا أن التعميم غير جائز بكل حال. فهناك العديد من الحالات التي يتمتع فيها أطفال نشؤوا في ظل عوائل مفككة بصحة نفسية أفضل من نظيرتها لدى أطفال نشؤوا في ظل عوائل متماسكة.
يقول مورفي: "لقد جرى التركيز مؤخراً على العوامل التي ترتبط بطلاق الوالدين وقد تترك عواقب سلبية على أطفالهما. ومن تلك العوامل ما إذا كان الوالدان يحتفظان بشكل من أشكال التواصل فيما بينهما بعد الطلاق بهدف رعاية الطفل والعناية به، ويبدو أن ذلك يؤثر بشكل كبيرا على صحة الطفل النفسية".
بعبارة أخرى، فإن سلوك الوالدين بعد الطلاق أكثر أهمية من الطلاق بحد ذاته فيما يتعلق بسلامة الطفل من الناحية النفسية. ولعل ذلك هو السبب الذي دفع مورفي وزملاءه إلى تقسيم المشاركين في الدراسة (وبلغ عددهم 201 شخصاً) إلى ثلاث مجموعات: تضم المجموعة الأولى الأشخاص الذين استمرت العلاقة الزوجية بين ذويهم طيلة فترة طفولتهم (وبلغ عددهم 109 أشخاص)، وتضم المجموعة الثانية الأشخاص الذين انفصل آباؤهم وأمهاتهم عن بعضهم ولكن التواصل بينهم لم ينقطع بشكل كلي (وبلغ عددهم 41 شخصاً)، وتضم المجموعة الثالثة الأشخاص الذين انفصل آباؤهم وأمهاتهم عن بعضهم وانقطعت الاتصالات بينهم بشكل نهائي بعد ذلك (وبلغ عددهم 51 شخصاً).
كان جميع المشاركين يتمتعون بصحة جيدة، وقام الباحثون بالحجر عليهم ضمن فندق لمدة ستة أيام بعد أن جرى إعطاؤهم قطرات أنفية تحتوي على فيروس الزكام الشائع. راقب الباحثون بعد ذلك ظهور أعراض الزكام على المشاركين، وبناءً على تلك الأعراض جرى تصنيفهم ضمن أربعة فئات، كانت أعراض الزكام في الفئة الرابعة الأكثر وضوحاً، مثل السيلان الأنفي والاحتقان، في حيان كانت أعراض الزكام أقل وضوحاً لدى أفراد الفئة الأولى.
ولكن، وبحسب البروفسور روبرت إيمري، أستاذ الطب النفسي بجامعة فيرجينا الأميركية، قد يكون من الصعب تحديد مدى دقة هذه النتائج، ولا بد من إجراء المزيد من الدراسات لتأكيد صحتها. ويشير إيمري، الذي لم يشارك في إعداد الدراسة، إلى أن النتائج لم تُوضح ما إذا كان نشوء الطفل في عائلة مفككة انقطعت أواصر التواصل بين الأبوين فيها بسبب الطلاق سيؤدي إلى مشاكل صحية عند الطفل، أم إن الأشخاص الذين يزداد احتمال الطلاق بينهم يرتفع لديهم بالأساس خطر الإصابة بالأمراض المختلفة، ويورثون ذلك الخطر لأبنائهم. ولا تبدو في الأفق أية إجابة عن هذا السؤال حالياً.
يقول إيمري: "تبدو هذه الدراسة كمن يقارن بين التفاح والبرتقال. فالتفاح في مثالنا هم الأشخاص الذين يزداد لديهم خطر الإصابة بالمرض ويميلون لطلب الطلاق. في حين أن البرتقال هم الأشخاص الذين يميلون للحفاظ على علاقتهم الزوجية ويبقون بصحة جيدة".
ويشير مورفي إلى بعض جوانب القصور في الدراسة، ويقول بأنه لا يجب أن يُفهم من النتائج بأن الآباء والأمهات الذين يحافظون على التواصل بينهم بعد الطلاق سيكون أبناؤهم أفضلاً حالاً بشكل تلقائي. إذ إن الدراسة لم تثبت علاقة سبب ونتيجة بين طلاق الأبوين وزيادة خطر المشاكل الصحية عند أطفالهما.
يقول مورفي: "قد يكون هناك بعض الحالات التي لا يُجدي فيها إعادة التواصل بين الأب والأم، كما لو كان الأب معتاداً على تعنيف الأم، مما أدى في النهاية إلى الطلاق. من الواضح في هذه الحالة أن قطع الصلة بين الأب والأم بشكل نهائي سيكون الخيار الأفضل لكل من الأم وأبنائها. وبالتالي لا ينبغي لمثل هذه الدراسات أن تؤثر على القرارات المصيرية في حياة الآباء والأمهات".
وعلى الرغم من أن تواصل الزوجين المُطلقين مع بعضهما قد لا يعني بالضرورة وقاية أطفالهما من الإصابة بالزكام مستقبلاً، إلا أن نتائج الدراسة تؤكد على ضرورة تحري أثر تواصل الزوجين المطلّقين مع بعضهما في جوانب أخرى من حياة أطفالهم.