تتوجّه «ليسا بلوم»؛ وهي محامية مقيمة في مدينة لوس أنجلوس، لمرة واحدة أسبوعياً على الأقل إلى مطبخها مع زوجها لتحضير وجبة كبيرة من الطعام لكلبيّ الإنقاذ خاصتها. تخلط بلوم وزوجها عدداً من المكوّنات؛ والتي تتضمّن الأرز أو حبوب الكينوا، والفاصوليا الشائعة، أو أنواع فاصوليا أخرى، وزيت جوز الهند وزبدة الفول السوداني وبقايا الطعام (مع أن بلوم تعترف أنه قد يكون من الصعب جعل الكلاب تحب أي نوع من الخضار ما عدا البطاطا الحلوة). ما يهم هنا هو أن هذه الحمية مبنية على النباتات؛ مثل حمية بلوم نفسها. تقول: «لا أعتقد أنه من الأخلاقيّ أن تموت مجموعة من الحيوانات لتعيش مجموعة إذا أمكن تجنّب ذلك».
لا يقتصر موقف بلوم على المنزل؛ إذ أنّها تنتمي لمجموعة صغيرة تطالب مدينة لوس أنجلوس بتوفير الحميات الخُضرية (أي المبنية على النباتات بشكل حصري، وهي تختلف عن النباتية؛ إذ أن هذه الأخيرة يمكن أن تتضمّن البيض والمنتجات الحيوانية الأخرى) لجميع الكلاب في نظام المآوي التابع للمدينة. تقول بلوم: «صديقي روجر وولفسن هو مُفوّض الحيوانات في لوس أنجلوس، وقد بدأ يسأل نفسه لما تنقذ المدينة الدجاج والأرانب وتُطعم الكلاب الطعام الذي يحتوي على الدجاج والأرانب بنفس الوقت». تقدّر بلوم أن إحداث هذا التغيير قد يوفّر ما يصل إلى 13608 كيلوغرام من اللحم شهرياً.
قد يبدو رأي بلوم متطرفاً؛ ولكن مجموعتها الصغيرة من ناشطي قضايا الحيوان هي جزء من حركة متنامية ضمن سوق أطعمة الحيوانات الأليفة الأميركي؛ الذي تصل قيمته إلى حوالي 30 مليار دولار، وهي تهدف لإيجاد بدائل خُضرية لطعام الكلاب والقطط.
ما وراء إطعام الكلاب
في مواجهة المخاوف المتزايدة حول العواقب البيئية والأخلاقية لإطعام الكلاب، يتّجه مستقبل أغذية الحيوانات نحو تطبيق التكنولوجيا المتقدّمة لإرضاء وعي المستهلك، وحسّه بالمسؤولية الشخصية المتزايدين. بالإضافة إلى المخاوف حول إساءة معاملة الحيوانات وأهوال التربية الصناعية التي أصبحت معروفة جيداً الآن؛ أصبح المستهلكون أكثر وعياً بالعواقب العالمية لتناول اللحوم. وجدت دراسة أجريت في 2017، أن الحيوانات الأليفة مسؤولة عن 25-30% من الآثار البيئية لاستهلاك اللحوم في الولايات المتّحدة.
لهذا السبب؛ تُطبّق الآن نفس طرق صنع اللحوم الخالية من الحيوانات أو المحضّرة مختبرياً الخاصة بالبشر، لتحضير طعام الحيوانات الأليفة؛ ولكن بوجود أفضلية واضحة للغاية. يقول «ريتش كيليمان»؛ المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «بوند بت فودز» في مدينة بولدر: «الشركات التي تصنّع لحوماً للاستهلاك البشري، تحاول أن تحاكي شكل ونكهة ورائحة والخصائص اللمسية للّحوم بشكلٍ مثالي، وذلك لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي تجعل عوام البشر تقبلها»، ويضيف: «نحتاج لخلق منتج آمن وفعّال له نفس المزايا الغذائية للحم؛ لكن الكلاب لا يهمّها هذا الأمر، لسنا مضطرين لأن نجعل طعام الكلاب مماثلاً في الشكل والرائحة والنكهة لشرائح اللحم؛ مما يعطينا الكثير من المرونة التقنية ويقلل تكلفة عملنا».
يقول كيليمان -الذي كان يعمل كمدير إعلانات سابقاً- أنه استمد الإلهام من أمرين بشكلٍ رئيسي: المخاوف المتزايدة حول استهلاكه الشخصي للحوم، وكلب الإنقاذ خاصته المسمى «رومبلز». يقول كيليمان: «مدينة بولدر تقدّمية للغاية عندما يتعلّق الأمر بثقافة الطعام، وعندما اقتنيت مع زوجتي كلبنا، أردنا أن نشتري له الطعام بنفس الطريقة»، ويضيف: «ولكن الأمر كان صعباً، لأن الشركات المصنّعة لأطعمة الحيوانات الأليفة لم تكن واضحةً كثيراً حول مصادر مكوّنات الطعام؛ وخصوصاً بما يتعلّق بمصادر البروتينات الحيوانية؛ وهي من المكوّنات الغذائية الرئيسيّة».
تحضير طعام الكلاب
تصف شركة «بوند بت فوودز» عملية التخمير التي تتّبعها بأنها تشبه عمليّات تخمير الجعة اليدويّة. يخلق الخبراء في هذه الشركة البروتينات الحيوانية داخل ميكروب؛ عن طريق جعل هذه البروتينات تحتوي على نفس الحموض الأمينية التي يبحثون عنها، ثم يستخرجوها بعد أن تصل إلى كثافة معينة. داخل خزّان التخمير، يخضع المزيج -والذي لم تفصح الشركة عن تفصيلات عنه؛ ولكنها توصفه بأنه يشبه الطحالب الدقيقة و الخميرة أو الفطريات- للمعالجة بالأكسجين أثناء تزويده بسائل غني بالمغذّيات يحتوي على السكريات والفيتامينات، ثم يُمزج مع مكوّنات أخرى؛ مثل دقيق الأرز وزيت جوز الهند وبذور الكتّان والجزر، لتكوين وجبة كاملة (ما زالت الشركة تطوّر نموذجاً أوليّاً). يقول كيليمان: «لسنا بحاجة لذبح الحيوانات، ولسنا بحاجة لاستخدام تلك المساحات والموارد المائية والطاقة لإنتاج أطعمة بديلة».
وجّهت شركات ناشئة أخرى مخاوف مشابهةً تجاه البدائل الخُضرية أو المكمّلات الغذائية. أنتجت شركة «وايلد إيرث» الناشئة -ومقّرها مدينة بيركلي في ولاية كاليفورنيا- أطعمة للكلاب من الـ «كوجي»؛ وهو فطر غنيّ بالبروتينات، يوجد في الأطعمة اليابانية؛ مثل صلصة الصويا والساكي، وتبيع شركة ناشئة أخرى من فيلادلفيا اسمها «بيكوز أنيمالز»، مكمّلات من الـ «أطعمة الفائقة» الخالية من الحيوانات مخصصة للقطط والكلاب، كما أنّها تعمل على تطوير وجبات كاملة بديلة. تحتوي المكّملات على الأعشاب البحرية، والتوت الأزرق العضوي، ودقيق جوز الهند العضوي، والكركم. تقول «شانون فالكونر»؛ الرئيسة التنفيذية للشركة: «كل المكونات التي نستخدمها تناسب الاستهلاك البشري»، وجدير بالذكر أن فالكونر تضيف أحياناً ملعقةً من المكمّلات الخاصة بكلبها إلى العصائر التي تحضّرها.
حتى بالنسبة لمحبّي الحيوانات، فليس من الصعب فهم السبب الذي يجعل أحداً ما غير مقتنع بفكرة إطعام عشبة القمح مثلاً للكلاب؛ إذ أنّها من المكوّنات الرئيسية القديمة في ثقافة العصائر البشرية البرجوازية؛ لكن فالكونر تقول أن هذه الصرعات الجديدة ترتبط بحركة قوية تهدف إلى أنْسَنة حيواناتنا الأليفة. تقول فالكونر: «يريد الناس إطعام حيواناتهم مكوّنات معروفةً؛ وهي المأكولات التي يستطيع [البشر] تناولها»، وتضيف: «وكما هو الحال بالنسبة للبشر، فالمغذّيات في هذه المكونات لا تحتاجها الحيوانات الأليفة للبقاء على قيد الحياة؛ بل إنها مغذّيات تساعد الحيوانات في النمو». تقول فالكونر أن شركتها تهدف لإصدار بسكويت سنّي مصنوع من عشب البحر والخميرة المغذيّة في الأسواق بحلول العام القادم.
مجدداً على شاكلة صرعات الأطعمة البشرية؛ سيتم تسعير معظم أطعمة الحيوانات الأليفة الخالية من الحيوانات لتكون باهظة الثمن -على الأقل كبداية-؛ ولكن مع زيادة الإنتاج وزيادة فعالية المصانع وازدياد وعي المستهلكين، فمن المحتمل أن تصبح هذه الأطعمة أكثر من مجرّد صرعات.
قد يجادل بعض النقاد أن هذه الأنظمة الغذائية الحديثة ليست ضروريةً، أو قد تكون مضرةً بالحيوانات التي تتناول اللحوم بشكلٍ طبيعي؛ لكن المؤيدين لديهم حُجج مضادة مدعومة بالأدلة. تقول فالكونر: «الحيوانات المدجّنة تتناول أطعمة مختلفة كثيراً عن تلك التي كان من الممكن أن تتناولها في البرية»، وتضيف: «تحتاج هذه الحيوانات مغذيّات محددةً؛ وليس مكوّنات محددة». الإجماع العام بين المؤيدين -والذي تدعمه هاتان الدراستان من عامي 2014 و 2016- ينصّ على أن الكلاب يمكن أن تنمو بشكلٍ جيد باتّباع حمية خُضرية، بشرط أن تكون هذه الحمية مولّفةً بشكلٍ دقيق لتناسب متطلباتها الغذائية الخاصة.
دُجّنت الكلاب منذ آلاف السنين، واختلفت أنظمتها الغذائية -إلى جانب الأنظمة الغذائية للحيوانات الأليفة الأخرى- بشكلٍ كبير منذ ذلك الحين، ناهيك عن كل التغييرات الأخرى التي أحدثناها نحن البشر في الكلاب؛ من إجبارها على ارتداء سترات ضيقة إلى حملها على عربات كعربات الرضّع. لقد اعترفنا منذ فترة طويلة بوجود علاقة خاصة مع حيواناتنا الأليفة لا تشبه كثيراً علاقتنا مع الحيوانات الأخرى، ولا يجب أن يُستثنى طعام الحيوانات الأليفة من هذا الأمر.
اقرأ أيضاً: قصة صداقتنا الأبدية مع الكلاب
يأمل المؤيدون -مثل بلوم- بإلغاء التمييز بين الحيوانات ورفقاء الحياة، بهدف تغيير الطريقة التي نُطعم بها حيواناتنا الأليفة. تقول بلوم: «الكلاب هم سفراء عالم الحيوانات الذي أُرسلوا لنا لجعلنا نفكّر بخياراتنا. أود أن أحث أي شخص يحب كلباً بأن يوسّع هذا التعاطف ليشمل الحيوانات الأخرى».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً