اجتاح فيروس كوفيد-19 العالم، وكان السبب في ملازمتنا المنزل، لنلحظ زواراً صغاراً من الطيور التي تنقر على النوافذ، وربما ارتأى البعض شراء غذاء لها، وتخصيصها بمغذيات الطيور في ساحة المنزل الخلفية لمتعة جذب الطيور. ولكن، قد تُفاجأ بأن مبادرتك غير مرحب بها؛ فوفقاً لدراسة أجرتها مجموعة من العلماء في قسم العلوم الطبيعية في جامعة مانشستر متروبوليتان في المملكة المتحدة، وعلماء مختبر كورنيل لعلم الطيور في الولايات المتحدة الأميركية، ونُشرت في دورية الحفظ البيولوجي (Biological Conservation)، قد يكون لمثل هذه الممارسات عواقب متنوعة على صحة الطيور أو بيئتها أو سلوكها.
لقرون طويلة عمد البشر إلى رمي بقايا مائدتهم ومخلفات حقولهم للطيور والحيوانات الأخرى. بحلول ثمانينات القرن الماضي، ظهرت صناعة المواد الغذائية للطيور، فتغيرت ممارسات البشر.
تحول الناس تدريجياً نحو شراء المواد الغذائية الخاصة بالطيور، بتشجيع من المنظمات البيئية غير الحكومية، ونتيجة تزايد الهجرة إلى المناطق الحضرية.
اليوم، ينفق الأميركيون قرابة 5 مليار دولار سنوياً لشراء الغذاء وإطعام الطيور، لتتصدر الولايات المتحدة الأميركية سوق صناعة مغذيات الطيور، تليها المملكة المتحدة وأستراليا.
قال جاك شوت، كبير مؤلفي الدراسة وعالم بيئة الحفظ في جامعة مانشستر متروبوليتان في إنجلترا: "إذا ألقيت ملايين الأطنان من الموارد غير الطبيعية الإضافية في بيئة ما، سيكون لذلك تداعيات هائلة".
اقرأ أيضاً: هل تغذّت بعض أنواع الطيور القديمة على الصخور؟
مخاطر إطعام الطيور المغذيات
تسببت تغذية الطيور بالمغذيات في مخاطر مباشرة وأخرى غير مباشرة، وهي:
انتقال الأمراض: من التأثيرات المباشرة لتغذية الطيور
أثبتت دراسة أجراها فريق علماء في المملكة المتحدة عام 2005، انتقال داء المشعرات الذي يصيب الحمام إلى الحسون الأوروبي الأخضر بسبب إطعام الطيور، حتى تسبب في مقتل نصف مليون طائر. يقول ألكسندر ليس، المؤلف المشارك في الدراسة الحديثة وعالم الطيور في جامعة مانشستر متروبوليتان: "تنقر أنواع مختلفة على نفس القطعة من البلاستيك، والمغطاة بمختلف سوائل جسم الطيور، إنها وصفة كارثية".
وفي بحث أُجري بالشراكة بين الأمانة البريطانية لعلم الطيور ومعهد فيرا لأمراض النبات البريطاني، قالت المؤلفة الرئيسية الدكتورة بيكي لوسون: "تُظهر دراستنا كيف أن ثلاثة من أكثر الأمراض شيوعاً والتي تصيب طيور الحدائق البريطانية قد تغيرت بشكل كبير وغير متوقع خلال العقد الماضي، سواء من حيث الأنواع، أو من حيث أنماط حدوثها. لقد ظهر مؤخراً داء المشعرات والجدري في العصافير، ما تسبب في أوبئة مرضية أصابت أعداداً كبيرة منها، بينما يبدو أن داء السالمونيلات العابر، وهو حالة شائعة سابقاً، قد انخفض إلى مستوى منخفض جداً".
حدد المركز الوطني لصحة الحياة البرية في المملكة المتحدة خمسة أمراض تصيب الطيور خلال تناولها المغذيات التي وضعناها نحن البشر لهم، وهي السالمونيلا وداء الرشاشيات وجدري الطيور وداء المشعرات ومرض فينش، وهو شكل من أشكال التهاب الملتحمة. يمكن أن تنتقل هذه الأمراض من طائر إلى آخر عن طريق التغذية أو البذور المتعفنة، حيث ينمو العفن القاتل على البذور الرطبة والقشور، أو من خلال الاتصال المباشر بين الطيور من منقار لمنقار، أو من خلال تناول الطعام أو شرب الماء الملوث بفضلات الطيور المريضة.
على سبيل المثال، عزا العلماء انتشار مرض التهاب الملتحمة بين العصافير المنزلية الأميركية والحسون، لحدوث نوع من أنواع التواصل مع الطيور الداجنة المضيفة للبكتيريا المسببة للمرض.
تغييرات سلوكية: من التأثيرات غير المباشرة لتغذية الطيور
وفقاً لسونيا هيرنانديز، أستاذة أمراض الحياة البرية بجامعة جورجيا المشاركة في الدراسة، قد ينعكس إطعام الطيور وتغذيتها على هيكل مجتمعات الطيور والنظام البيئي الأوسع؛ فتحمل تأثيرات غير مباشرة على سلوكيات الطيور وتنوعها، على سبيل المثال؛ أشارت هيرنانديز، إلى وجود تناقص في أعداد طائر أبو منجل ذو المنقار الطويل في الطبيعة البرية، بسبب تتبع الطير للناس في المناطق الحضرية، وتزامن حركة هذه الطيور ونشاطها مع نشاط الحركة المرورية للبشر.
كذلك الأمر بالنسبة لطائر القرقف الأزرق وهو طائر يميل إلى القتال أو الشجار من أجل الطعام أو موقع العش، في حين أن أنواعاً أخرى لنفس الجنس مثل قرقف الصفصاف والنقشارة تعتبر أقلّ عدوانيةً من القرقف الأزرق، فيسبب الإمداد المستمر بالفول السوداني والبذور إلى زيادة عدد القرقف الأزرق، وبالتالي حدوث تفاوتات موسمية في أعداد الأنواع.
اليوم، يوفر الإنسان للطيور ما يصل إلى 75% من مدخولها اليومي، بمتوسط عدد 100 مغذ منزلي للطيور لكل كيلو متر مربع في المملكة المتحدة، إذاً لا حاجة للطيور التي تتغذى عليها للسفر والهجرة بحثاً عن الغذاء، ما أدى لزيادة كبيرة في أعداد القرقف الأزرق بنسبة 40%، وخازن البندق الأوراسي بنسبة 83 %، والباراكيت الحلقي العنق بنسبة 1.480%، في حين انخفضت أعداد نقشارة الخشب وقرقف الصفصاف التي لا تتغذى على مغذيات الباحة الخلفية.
لم تقتصر التأثيرات على الطيور، فوفرت مغذيات الطيور التي أضافها البشر مستلزمات القوارض والثعالب من الغذاء؛ ما أدى إلى زيادة نسبة افتراسها لأعشاش الطيور، بالإضافة إلى تأثيرات أخرى غير مدروسة حتى الآن، ولكنها قد تكون سبباً في دمار نظم بيئية محلية.
يقول شوت: "العمليات متشابهة بغض النظر عن الأنواع الفردية المعنية، وبمجرد أن تقدم كميات هائلة من الموارد لمجموعة محددة وليس لمنافسيها، فإنك ستقضي على منافسيها".
تقديم الغذاء للطيور: أنطعم الطيور أم لا؟
قد يراود البعض السؤال التالي: إذن، وفي ظل فقدان بعض الموارد الطبيعية، وتهديد بعض أنواع الطيور بالانقراض، أنطعم الطيور أم لا؟ تتوقف الإجابة عن هذا السؤال، وفقاً للدراسة، على المكان الذي نقدم فيه الطعام، ونوع الغذاء.
يقول ليس: "أعتقد أنه في المستقبل يجب أن تكون المغذيات شيئاً مُستهدِفاً ويعتمد على العلم بشكل أكبر، لأنه لا يمكنك ببساطة ضخ الموارد في نظام ولا تتوقع حدوث تأثيرات متسلسلة، أنا لا أقول إننا في حاجة إلى إلغاء كل هذا على الفور، لكنني أعتقد أننا في حاجة لفهم ما يحدث".
ومن النصائح التي حملتها الدراسة لمن يرغب بإطعام الطيور بالمغذيات، هي تنظيفها وتعقيمها بمحلول تعقيم مخفف كل أسبوعين. أما لأولئك الذين يمتلكون مساحة أرض كافية فيمكنهم مساعدة الطيور البرية عبر ترك الأوراق وبقايا العشب، أو زراعة الزهور والشجيرات المحلية لتعزيز وجود الحشرات المحلية، ما يشكل بدوره عامل جذب للطيور. من وجهة نظر شوت، نحن بذلك ندخل موارد طبيعية، وبكميات مقبولة، عوضاً عن استيراد غذاء غير طبيعي وبكميات كبيرة إلى وجبات الطيور في المغذيات.
إذن، في حين أن هناك فوائد عديدة لإضافة المواد الغذائية للطيور، خاصة في أشهر الشتاء، إلا أنك تعرضها لمخاطر صحية وبيئية عديدة. لذا تجنباً لتعريض الطيور لأمراض قاتلة أثناء تناول الطعام في فنائك الخلفي، ازرع حديقتك لتصبح مشابهة للحياة البرية، بحيث تجتذب الطيور بالأزهار والثمار والحشرات الطبيعية، عوضاً عن تزويدها المباشر بالمغذيات.