كلاب الهاسكي في خدمة البشر لآلاف السنين

3 دقائق
كلاب الهاسكي
shutterstock.com/ Melinda Nagy

كل منا يرى في الكلب الذي يملكه شيئاً خاصاً. ربما كنت تملك كلب «بيجل» رائع، أو «جولد دودل» مميز جداً، لكن تملك بعض الكلاب سماتٍ تعود لآلاف السنين وتجعلها فريدة جداً ليس فقط في نظر أصحابها، بل في نظر العلم أيضاً. من الأمثلة على تلك الكلاب، كلاب التزلج أو التي باتت تُدعى اليوم كلاب الهاسكي أو «ملموت ألاسكي».

هذه الحيوانات الكبيرة كثيفة الشعر تعتبر حيواناتٍ أليفة رائعة، ولديها تاريخ في خدمة البشر ونقلهم عبر الأراضي الجليدية الشاسعة منذ آلاف السنين اعتماداً على قدرتها الفائقة على تنظيم درجة حرارتها، وهضم الدهون في جسمها.

تقول دراسة حديثة نُشرت الشهر الماضي في دورية «ساينس»؛ أن هذا النوع الفريد من الكلاب قد يكون واحداً من أقدم الأنواع الفريدة على الإطلاق على كوكب الأرض. قد يساعدنا هذا الاكتشاف على فهمٍ أفضل لكلاب التزلج الحديثة، وبالتالي الحيلولة دون انقراضها في ظل التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكوكب.

كلاب الهاسكي والتزلّج

تمتلك كلاب التزلج تاريخ غنيّ مشترك مع بعض المجتمعات؛ مثل شعوب الإسكيمو التي عاشت في أبرد مناطق الأرض منذ آلاف السنين. يقول «ميكيل سيندينج»، مؤلف الدراسة وعالم الوراثة التطوري في كلية «ترينيتي في دبلن»: «حتى وقت قريب، كان الخبراء يعتقدون أن كلاب التزلج تطوّرت بجانب شعوب الإسكيمو قبل ألفين أو ثلاثة آلاف سنة. ولكن كما تظهر الدراسة، لهذه الكلاب تاريخ يعود إلى أبعد مما كان يعتقده الخبراء بكثير».

في حيثيات الدراسة، قام الباحثون بتحليل التسلسل الجيني من عظامٍ كلاب مختلفة لمعرفة المزيد تاريخ كلاب التزلج، كان أقدمها عظامُ كلبٍ يعود إلى 9500 سنة اُكتشفت في أعماق الأراضي السيبيرية، بالإضافة لتحليل التسلسل الجيني لعشرة كلابٍ معاصرة من كلاب تزلّج جرينلاند، ولأحفورية ذئب سيبيري تعود إلى 33 ألف سنة مضت. وجد الباحثون أن هناك عوامل جينية مشتركة بين الكلب الذي يرجع تاريخه إلى 9500 عام والكلاب المعاصرة؛ أكثر من العوامل المشتركة بينها وبين الذئب. يشير ذلك إلى أن كلاب التزلّج الحديثة قد تفرّعت عن الكلاب التي تعود إلى 10 آلاف عام مضت، وتكيّفت لمساعدة البشر في التنقل تحديداً».

ويضيف سيندينج: «اعتاد الناس في الماضي على التنقّل مشياً على الأقدام، إلى أن خطرت على بال أحدهم فكرة الزلاجة الرائعة واخترعها».

سيكون ذلك الوقت الذي حدث فيه ذلك نفس الوقت تقريباً الذي بدأ فيه الماموث يختفي، تقريباً في نهايات العصر الجليدي. لذلك في الوقت الذي كان العالم يتغير، استخدم البشر تلك الكلاب في تنقلاتهم ونقل الأحمال الثقيلة خلفهم على الزلاجات.

كما أجابت الدراسة على سؤالٍ كبير آخر، وهو ما مدى اختلاف كلاب الزلاجات المعاصرة كثيفة الشعر عن كلاب البودل والباوتي؟ تقول «إيلين أوستراندر»، عالمة الوراثة المقارنة التي تجري أبحاثاً حول سلالات الكلاب لصالح المعهد القومي للصحة: «هناك 3 اختلافات جينية جوهرية تجعل من كلاب التزلّج قوية وقادرة على نقل أصحابها».

أولاً: تتمتع كلاب التزلج بقدرةٍ عالية على استهلاك وهضم الدهون للحصول على الطاقة، بينما تتغذى حيواناتنا الأليفة المنزلية غالباً على الكربوهيدرات. تقول أوستراندر: «قد يتسبب ارتفاع مستوى الدهون في جسم الكلب أو الإنسان -خصوصاً في المناطق المعتدلة- بأمراض القلب الخطيرة. بينما لا تشيع الحبوب في البيئة القطبية، لذلك تكيّفت كلاب التزلّج -على غرار الدببة القطبية- على تناول الدهون دون أن تُصاب بأثارٍ جانبية خطيرة على صحّة القلب».

ثانياً: تتميز بقدرتها على التحكم في درجة حرارة أجسامها بطريقة قد لا تستطيع كلابنا الأليفة المعاصرة القيام بها. ربما لاحظت أن كلاب الهاسكي الأليفة يمكن أن تكون كثّة الشعر كثيراً، ومع ذلك ما تزال قادرة على تبريد نفسها، وذلك لأن فرائها مكوّن من طبقتين، مما يسمح لها تجنّب آثار الحرارة العالية (لذلك لا تحاول أبداً أن تحلق فرو كلب الهاسكي مهما كان الجو حاراً).

سيكون تنظيم حرارة جسم كلب التزلّج أمراً بالغ الأهمية لأنه يجري لفتراتٍ طويلة في درجات حرارةٍ متجمدة. وعلاوة على ذلك، تكيفت تلك الكلاب مع نقص الأكسجة في دمها؛ كما تقول أستراندر. وتضيف: «الركض هو وظيفتها، وإذا بذلت جهداً مستمراً بما فيه الكفاية لفترةٍ طويلة، فإنها ستعاني من نقص الأكسجين، ومن هنا يأتي الفرق الثالث».

عندما يركض المرء لمسافة معينة لأي سببٍ كان، ربما سيحتاج للتوقف بضع لحظاتٍ لالتقاط أنفاسه. بالنسبة للكلاب التي تركض وتجرّ أصحابها لفترةٍ طويلة، كان عليها أن تتكيّف، حيث تطوّرت لديها جيناتٌ سمحت لها بمتابعة نشاطها حتّى عند انخفاض مستوى الأكسجين لديها. في الواقع، لقد تكيف الناس والحيوانات الذين يعيشون في المناطق المرتفعة لتحمّل نقص الأكسجين. لكن رغم أنّ هذه الكلاب لن تتسلّق المرتفعات، كالهيمالايا؛ إلا أنها تكيفت بشكلٍ مشابه مع نمط حياةٍ لا تشعر فيه بالتعب أو الإرهاق عند ممارسة نشاطٍ مجهد.

ولكن بالرغم من أن ذلك الكلب السيبيري الغامض من العصور الماضية يشبه بالتأكيد سلالات الكلاب التي نعرفها الآن ونحبها، إلا أننا ما زلنا لا نعرف كيف كانت تبدو بالضبط في ذلك الوقت. سيستغرق ذلك المزيد من البحث والوقت.

يشير سيندينج أيضاً إلى أنه ومع تغير هذا العالم، فإن هذه الكلاب تغيرت أيضاً. ربما لم تكن كلاب المالموت المعاصرة تركض كما كانت تفعل في أوائل عصر الهليوسن مثلاً، وبالتأكيد لن تكون لتعيش في أي جزء من العالم تبلغ درجة الحرارة فيه 38 درجة مئوية في الصيف.

الناس تغيّروا أيضاً. قد يفضّل الأشخاص الذين يعيشون حالياً في أبرد المناطق على الأرض استخدام عربات الثلج الحديثة بدلاً من استخدام زحّافة الثلج القديمة وفريقٍ من الكلاب لجرها. ما يأمل هذا البحث في إنجازه هو تحديد مدى أهمية هذه السلالات من الكلاب، خصوصاً كلاب التزلّج الأقل شهرة كتلك التي تعيش في جرينلاند، والحفاظ على هذه السلالات القديمة القوية من خطر الانقراض في ظل عالمٍ يحتر أكثر كل يوم.

هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً

المحتوى محمي