لا يقتصر سحر النحل على صنع العسل، فهو يصنع أيضاً أمشاط العسل (أقراص العسل)، ومشط العسل هيكل مكون من غرف أو خلايا صغيرة بيضاء وسداسية الجوانب تُصنع من شمع العسل، وهي مادة يفرزها النحل من غدد موجودة في بطونه، ثم يمضغه ليبني الخلايا. يستخدم النحل الأمشاط لتخزين العسل وتخزين حبوب اللقاح وتربية الحضنة. لكن، وفي بعض الأحيان، قد يجد النحّال أن نحله يكافح من أجل بناء المشط، فهل من طريقة يمكن من خلالها تشجيع النحل على بناء مشط العسل؟
اقرأ أيضاً: دليلك الشامل لتربية النحل
كيف يصنع النحل مشط العسل؟
حسناً، إذا كان مشط العسل مصنوعاً من الشمع فلماذا سُمي مشط العسل؟ في الواقع، إن الشمع المستخدم في بناء المشط صُنع أساساً من العسل. كيف؟ عندما يعود النحل من الحقل إلى خليته، يمرر الرحيق الذي جمعه إلى النحل العامل لتحويله إلى عسل وتخزينه، فإذا لم يكن هناك مكان يتسع لتخزين العسل، ينبغي على النحلة العاملة أن تحتفظ بهذا العسل في معدتها الخاصة، فإذا بقي العسل داخل معدتها عدة ساعات، فإن معظم محتوى السكر يُمتَص، ما يؤدي إلى إفراز رقائق الشمع بشكل لا إرادي من خلال غدد الشمع الموجودة على الجانب السفلي من بطنها، يتجمع هذا الشمع على شكل رقائق على أجسام النحلات العاملات، ثم يمضغه النحل ويبني به الأمشاط.
كيف يمكن تشجيع النحل على بناء مشط العسل؟
يمكن تشجيع النحل على بناء مشط العسل من خلال عدة نقاط، وهي:
وجود غذاء كافٍ في الخلية
أهم ما يجب التأكد منه هو أن الخلية تحتوي على طعام كافٍ لبناء مشط العسل، فإذا لم يمتلك النحل ما يكفيه من الطعام، فمن المحتمل أنه لن يصنع الأمشاط. وبالطبع، يعد الرحيق الطعام الأساسي الذي يشجّع على إنتاج الشمع، ولكن في بعض الحالات، يمكن أيضاً استخدام المحاليل السكرية في تغذية النحل لتشجيعه على بناء أمشاط العسل والحفاظ على حياته من الموت جوعاً، مثل الحالات التالية:
- سوء الأحوال الجوية في فصليّ الربيع والصيف: مع قدوم الربيع وارتفاع درجات الحرارة، يبدأ النحل ببناء قرص العسل، ما يشجّع الملكة على وضع آلاف من البيوض يومياً لتحقيق أقصى استفادة من موسم الإزهار. لكن وبمجرد أن تبدأ تربية الحضنة، يمكن للمستعمرة أن تستنفد موارد العسل وحبوب اللقاح المخزنة بسرعة كبيرة، وهنا قد تسبب تقلبات الأحوال الجوية مثل موجات البرد أو ارتفاع درجات الحرارة مبكراً مع عدم تفتح الأزهار أو المنخفضات الماطرة حبس النحل في خلاياه دون ما يكفيه من الغذاء لبناء أمشاط العسل، أو قد يموت من الجوع أيضاً.
- تأسيس خلية نحل جديدة في بداية الربيع: عند تثبيت سرب النحل لأول مرة أو عندما تكون المستعمرات صغيرة أو في طور التأسيس، قد يكون من الجيد توفير غذاء تكميلي على شكل أقراص من العسل أو محاليل سكرية، لتشجيع النحل على بناء مشط العسل ووضع المستعمرة على المسار الصحيح، وخصوصاً عند وجود بعض التحديات مثل وجود مشكلات مع الملكة، أو عند وجود نقص في الرحيق نتيجة عدم تفتح ما يكفي من الأزهار.
- وجود كمية قليلة من الرحيق في الربيع والصيف: في حال كانت المنطقة التي وُضِع النحل فيها تعاني ندرة الرحيق أو أن توفر الرحيق محصورٌ خلال فترة زمنية محدودة، فقد يكون من المناسب إمداد الخلايا بالمحاليل السكرية حتى تتمكن من بناء أقراص العسل وإنتاج ما يكفي من العسل اللازم لبقائها على قيد الحياة في فصل الشتاء. لكن، ينبغي الانتباه إلى أن تركيز المحاليل السكرية يختلف باختلاف الفصل وهو أمر بالغ الأهمية، لذلك يمكنك الاطلاع على المعلومات اللازمة حول تركيز المحاليل السكرية في هذا المقال.
وجود أعداد كافية من النحل
الطعام الوفير وحده ليس كافياً، إذ يحتاج الأمر إلى خلية تحتوي على عدد كافٍ من النحل من أجل توفير الإمدادات الكافية، غالباً ما يكون عدد النحل اللازم لتبدأ المستعمرة في بناء المشط هو 10 آلاف نحلة على الأقل. كما يجب أن يكون العديد من النحل العامل صغيراً في السن، بحيث تتراوح أعماره بين 2-3 أسابيع، فهو العمر الأكثر كفاءة في إنتاج الشمع.
بالإضافة إلى ذلك، يحتاج النحل العامل إلى تناول حبوب اللقاح خلال الأيام الخمسة أو الستة الأولى من حياته، لأن البروتين الموجود في حبوب اللقاح يساعد في نمو الخلايا الدهنية في الغدد الشمعية وتطورها. لذلك، ينبغي تقديم حبوب اللقاح أو بدائلها في الفترة الممتدة من أواخر الشتاء إلى أواخر الربيع، وهو ما سيشجّع النحل على بناء المشط ويحفّز إنتاج الحضنة ويساعد المستعمرات في أن تكون جاهزة للانقسام بحلول أواخر الربيع. كما يمكن تقديم حبوب اللقاح أو بدائلها في فترة ندرة الأزهار في الصيف التي قد تحدث في شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول، وذلك قد يعزز تشكيل الأمشاط ونمو المستعمرات حتى تجمع عسلاً أكثر قبل فصل الشتاء. ستجد المزيد عن تغذية النحل بحبوب اللقاح في هذا المقال.
اقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعدك على زيادة عدد النحل في الخلية
وجود الحافز لبناء المشط
الغرض الأساسي من بناء مشط العسل هو تخزين الإمدادات الغذائية وتربية الحضنة، فإذا لم يكن لدى النحل مكان آخر لتخزين ما جمعه من الرحيق، فسوف يقرر صنع الشمع اللازم لقرص العسل، لكن وبما أن النحل يعيد استخدام الأمشاط التي كانت تخزن الحضنة في السابق، كجزء من إعادة التدوير في الخلية، ينبغي لتشجيع النحل على بناء مشط عسل جديد، التأكد أولاً من عدم وجود مساحة فارغة لدى النحل، ثم إضافة إطارات جديدة إلى الخلية، بحيث توضع بين الإطارات الموجودة مسبقاً.
يذكر أن النحل عند درجات الحرارة المنخفضة لن يكون قادراً على صرف الطاقة من أجل بناء مشط العسل، لذلك فإنه في الخريف والشتاء، لن تحصل على الكثير من الأمشاط حتى لو كنت تطعم نحلك كثيراً، لذلك من الأفضل أن تبدأ مبكراً لضمان تحفيز النحل على صنع الشمع وجمع الإمدادات الغذائية.
اقرأ أيضاً: إليك الدليل الشامل لتقسيم خلايا النحل
توفير أساس شمعي كافٍ
يتطلب صنع الشمع كثيراً من الغذاء والطاقة، إذ تحتاج النحلة الواحدة تقريباً إلى 226 غراماً من العسل لإنتاج 28 غراماً من الشمع، لذلك ولتشجيع النحل على بناء مشط العسل، يمكن استخدام إطارات تحتوي مسبقاً على أساس من الشمع مكون من خلايا سداسية مشابهة لخلايا النحل لكن جوانبها ليست مبنية بعد، ليقوم النحل بعملية يسميها النحّالون "مط الشمع"، وهي المرحلة التالية التي تستكمل إفراز الشمع، إذ يقوم النحل بمضغ هذه الرقائق الشمعية (أو الشمع الذي يقدمه المربي) جيداً ويخلطه مع الإنزيمات الموجودة في لعابه، حتى يصبح قوام الشمع أكثر سيولة يشبه قوام الطين، ثم يضيف النحل هذا الشمع الممضوغ إلى المشط مستكملاً الشكل السداسي.
يُذكر أنه وفي بعض الأحيان، وعلى الرغم من وجود الإطارات التي تحتوي على الأساسات الشمعية، قد يلجأ النحل إلى بناء أقراص العسل داخل الخلية ولكن خارج الإطار، وهو ما قد يجعل عملية سحب الإطارات تنطوي على الكثير من الفوضى في المكان، فقد يصعب إزالة الإطارات دون إتلافها أو إتلاف الخلية بالكامل.
تجنب إزعاج النحل باستمرار
يتجمع النحل بالآلاف من أجل تجميع الشمع عن أجساد بعضه بعضاً أو من أساسات الشمع الموجودة على الإطارات ثم مضغه وتشكيله. تتطلب هذه العملية الكثير من المساحة والكثير من العمل والتنظيم والطاقة، وأي اضطراب في هذه العملية الدقيقة قد يسبب ارتباك النحل العامل، وقد يضطر لأن يبدأ العملية من جديد وربما في مكان آخر مختلف عن المكان الذي توقف فيه. لذلك، عندما يقوم مربي النحل بفحص الخلايا باستمرار بحثاً عن مشط جديد، فقد يؤدي هذا إلى إضاعة الوقت والطاقة وربما الموارد.
اقرأ أيضاً: 8 طرق فعّالة يستخدمها النحّالون لتدفئة خلايا النحل خلال الشتاء
ختاماً، على الرغم من أنه يمكن تشجيع النحل على بناء مشط العسل، لكن لا بُدّ من معرفة أن النحل سوف يصنع الأمشاط التي يحتاجها فعلاً، أما وجود الكثير من الأمشاط مع عدد قليل من النحل يمكن أن يجلب الآفات مثل الفاروا، لذلك من المهم أن يكون النحّال واقعياً في توقعاته.