يتخلص العديد من الثدييات الكثيرة الشعر، وخصوصاً الكلاب، من الماء الزائد بعد البلل من خلال هز الجسم. واقترب العلماء مؤخراً من فهم الآلية العصبية الكامنة وراء هذا السلوك. استخدم فريق من الباحثين من معهد هوارد هيوز الطبي في كلية هارفارد للطب فئران المختبر واكتشف أن هذا السلوك ينشأ عند تنشيط مستقبلات ميكانيكية معينة في الجلد. وصف الباحثون نتائجهم في دراسة نشرتها مجلة ساينس (Science) بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
عصبونات حسية وظيفية
هز الجسم عند البلل لدى الكلاب هو طريقة فعالة لإزالة الماء من الفرو، إضافة إلى أنه قد يساعد على التخلص من المواد المهيّجة والطفيليات وعلى فك تشابك الفرو. هذه الطريقة فعالة بصورة خاصة في المناطق، مثل العنق والظهر، التي يصعب الوصول إليها باللعق أو سلوكيات التنظيف الذاتي الأخرى. تحتوي أجسام الثدييات الكثيرة الشعر على 12 نوعاً مختلفاً من العصبونات الحسية التي يتميّز كل منها بوظيفته الخاصة في تفسير المشاعر المختلفة وتحفيز الاستجابات مثل هز الجسم. على الرغم من أن سلوك هز الجسم رائج للغاية لدى العديد من أنواع الثدييات الكثيرة الشعر، لم يدرس العلماء الآليات العصبية الكامنة وراءه بالقدر الكافي.
اقرأ أيضاً: لماذا لا تدرك الكلاب عادة ما يشير إليه أصحابها؟
ركّز الفريق في الدراسة الجديدة على نوع من المستقبلات المتحسسة للمس والشديدة الحساسية والتي تحمل اسم "مستقبلات ألياف سي الميكانيكية ذات العتبة المنخفضة". تعمل هذه المستقبلات من خلال الالتفاف حول بصيلات الشعر، وهي تتحسس اللمس اللطيف المهيّج للمشاعر.
وضع الفريق أولاً أنواعاً متعددة من المحفزات مثل الزيت والماء على ظهور الفئران وأعناقها، ثم راقبوا استجابة العديد من العصبونات الحسية الميكانيكية.
بعد ذلك، عدّل الباحثون بعض الفئران جينياً من خلال إزالة أغلبية مستقبلات ألياف سي الميكانيكية ذات العتبة المنخفضة من أجسامها. أدت إزالة هذه المستقبلات إلى توقف الفئران عن هز أجسامها، ما يشير إلى أنها ضرورية في التحكم بالإحساس المحفز لسلوك هز الجسم عند البلل.
معالجة الألم واللمس ودرجة الحرارة
نظر الباحثون بعد ذلك في الطريقة التي تنتقل وفقها الإشارات التي ترسلها هذه المستقبلات عبر الأجهزة العصبية للفئران، وتمكنوا من تعقب أثر هذا المسار إلى مجموعة من العصبونات في النخاع الشوكي. يصل هذا المسار إلى النواة شبه العضدية، وهي منطقة من الدماغ تسهم في معالجة الألم واللمس ودرجة الحرارة. عدّل الفريق بعد ذلك العصبونات بطريقة تجعلها تتنشط وتتثبط استجابة للضوء، وأدى ذلك إلى تثبيط نشاط عصبونات النخاع الشوكي، كما مكّن الباحثين من إنشاء خريطة لمسار العصبونات الحسية.
اقرأ أيضاً: هل ترى الكلاب أحلاماً في أثناء نومها مثل البشر؟ وما الفائدة العلمية من معرفة ذلك؟
تراجع سلوك هز الجسم لدى الفئران المعدّلة جينياً بنسبة 58% مقارنة بالفئران في مجموعة الضبط، وأدى تثبيط نشاط مناطق الألم واللمس ودرجة الحرارة في الدماغ إلى نتائج مشابهة. استمرت فئران مجموعة الضبط بحك أجسامها وتنظيفها على نحو طبيعي، ما يشير إلى أن الدارة العصبية التي عدلها الباحثون متخصصة في سلوك هز الجسم عند البلل.
وفقاً لنتائج الدراسة الجديدة، مستقبلات ألياف سي الميكانيكية ذات العتبة المنخفضة هي المستقبلات الحسية التي تؤدي الدور الأهم في سلوك هز الجسم عند البلل. يستطيع العلماء البحث ضمن الدراسات المستقبلية حول هذا السلوك الرائج في دور مستقبلات ألياف سي الميكانيكية ذات العتبة المنخفضة المفرطة النشاط في الحالات مثل متلازمة فرط الإحساس لدى القطط، والتي تمزّق القطط المصابة بها جلدها فجأة وترتعش على نحو مفرط. بالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستفادة من هذه المستقبلات في دراسة فرط تحسس الجلد لدى البشر.