مثل معظم الأشياء الأخرى في حياتنا اليومية؛ تضغط أزمة المناخ على أنظمة تصريف مياه الأمطار وإدارة مياه الصرف؛ خاصةً في المدن الكبيرة، فمع زيادة فرصة هطول الأمطار الغزيرة وتكرار الفيضانات في العديد من المناطق الساحلية، تغمر المياه المتدفقة أنظمة تصريف مياه الأمطار بما يفوق طاقتها الاستيعابية. يمكن أن تحمل مياه الصرف معها العديد من الملوثات؛ مثل القمامة أو الأطعمة والمواد الكيميائية وغيرها من الرواسب، وحتى البكتيريا، ويمكن أن تتسرّب إلى أنظمة المياه المحلية؛ مما يقلل من جودة المياه ويهدد حتى إمدادات مياه الشرب حسب وكالة حماية البيئة الأميركية.
هناك كمياتٌ كبيرة من مياه الصرف التي يجب معالجتها وتنقيتها في أميركا الشمالية وحدها. على سبيل المثال؛ تعالج كندا ستة تريليونات لتر من مياه الصرف وتعيدها إلى إلى البيئة سنوياً، بينما تذهب مليار لترٍ أخرى من مياه الصرف غير المعالجة إلى المياه السطحية النقيّة عندما تطغى مياه الأمطار الغزيرة على أنظمة ومرافق المياه؛ مما يؤدي إلى تلوث المياه، بينما تعالج محطات معالجة المياه في الولايات المتحدة أكثر من 128 مليون لتر من مياه الصرف يومياً؛ وفقاً لتقارير وكالة حماية البيئة.
أشجار الصفصاف
لكن يبقى السؤال: هل الطريقة التي نعالج بها مياه الصرف هي أفضل طريقة؟ ربما وجد فريقٌ من الباحثين من جامعات مختلفة في كندا والمملكة المتحدة حلاً مستداماً لهذه المشكلة؛ وهو زراعة أشجار الصفصاف. أجرى الفريق البحثي تجاربه في مزرعةٍ لأشجار الصفصاف في كيبيك، ووجد أن هذه الأشجار الجميلة ذات الأغصان المتدلية كانت قادرةً على تنقية أكثر من 30 مليون لتر من مياه الصرف الأولية في كلّ هكتار على مدار 3 سنوات. نشر الفريق النتائج التي توصل إليها في دورية «ساينس أوف توتال انفايرومنت» التي تخضع لمراجعة الأقران.
يقول «إيزتر ساس»؛ مؤلف الدراسة الرئيسي وطالب الدكتوراه في جامعة مونتريال: «ما زلنا نبحث في قدرة هذه الأشجار على تحمّل مثل هذه الكميات الكبيرة من مياه الصرف الصحي ومعالجتها؛ ولكن مجموعة الأدوات الكيميائية المعقدة التي يمتلكها نبات الصفصاف تكشف لنا حقائق مثيرةً عن هذه الشجرة. يبدو أننا لم نكتشف إلا القليل حول الطبيعة الكيميائية المعقدة لهذه الأشجار حتى الآن؛ والتي يمكن استغلالها لمعالجة المشاكل البيئية».
من جانبه؛ يقول «فريديريك بيتر»؛ أحد مؤلفي الدراسة الرئيسيين والأستاذ في جامعة مونتريال: «كان الفريق متحمساً لمعرفة مدى كفاءة أشجار الصفصاف في تنقية مياه الصرف الصحي». كان الباحثون قد استخدموا نظام ريّ لجلب مياه الصرف إلى مكان وجود أشجار الصفصاف وقاموا بمراقبتها. يضيف بيتر في هذا الصدد: «قمنا بتركيب مجسات تحت الأشجار لمعرفة ما إذا كان هناك بعض التسرب لمياه الصرف الصحي؛ لكن الأشجار امتصتها كلها بالفعل ... إنه أمرٌ مثير للإعجاب حقاً».
فهل يجب إذاً أن نبدأ في الانتقال من معالجة مياه الصرف بواسطة مرافق المعالجة الحديثة إلى معالجتها من خلال زراعة المزيد من المساحات بأشجار الصفصاف؟ بالرغم من عدم انتهاء هذا البحث بعد؛ إلا أن لزراعة المزيد من أشجار الصفصاف فوائدُ عديدةٌ تتجاوز قدرتها على تنقية مياه الصرف؛ وفقاً لما قاله بيتر.
يقول بيتر: «صحيح أننا نزرع الأشجار عوضاً عن زراعة أي شيءٍ آخر؛ لكن يمكن الاستفادة منها لإنتاج شيء آخر أكثر قيمةً، فهي تخلق بيئةً مناسبةً للطيور والحشرات، وتزيد من التنوّع الحيوي وتلطّف الجو، وتُعتبر بمثابة جزرٍ خضراءَ يمكنها أن تحلّ مكان جزر الحرارة».
تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 80% من مياه الصرف الناتجة عن النشاط البشري يتم تصريفها في النظام البيئي دون معالجة، وتؤدي لخلق العديد من المشاكل المتعلقة بالصحة العامة في جميع أنحاء العالم. وفي هذا الصدد؛ يأمل الباحثون -مثل بيتر- أن تؤدي أبحاثهم لاكتشاف نباتاتٍ أخرى مناسبة لمعالجة مياه الصرف الصحي في العديد من المناخات عبر العالم؛ بما في ذلك المناطق الاستوائية.
مصدر للوقود الحيوي
بالإضافة إلى قدرتها على تنقية المياه واستخلاص الملوثات منها؛ تنتج أشجار الصفصاف موادَ كيميائيةً «خضراء» خلال عملية تنقية المياه ويمكن استخلاصها منها، وقد وجد الباحثون أن هذه المواد الكيميائية ذات خصائص «مضادة للأكسدة والسرطان والالتهابات والميكروبات»،؛ وبالتالي يمكن استخدامها في المواد الصيدلانية، كما يمكن استخدامها في الصناعات الكيميائية القائمة على البترول، وبالإضافة إلى ذلك؛ يمكن حصاد الأشجار في النهاية واستخدامها كمصدرٍ للوقود الحيوي المتجدد.
يجري بيتر وزملاؤه حالياً تجارب لمعرفة مدى قدرة أشجار الصفصاف على تنقية مياه الصرف التي تحتوي نسبةً أعلى من الملوثات.
يقول بيتر: «نحن واثقون تماماً بأن أشجار الصفصاف قادرةٌ على معالجة المياه العادمة بكفاءة. لقد قمنا بتوسيع تجاربنا، ونحاول معرفة ما إذا كانت هذه الأشجار قادرةً على تنقية كمياتٍ أكبر من المياه الملوثة بالمخلفات الصناعية ذات الصلة. على سبيل المثال؛ ننظر حالياً في قدرة الأشجار على تنقية المياه من الملوثات ذات الاهتمام الناشئ».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً