عندما يضرب التوتر، تشعر وكأنك تحاول إخراج نفسك من حفرة عميقة جداً مصنوعة من الرمال. إذ يمكن الشعور بالذعر والضغوط الهائلة سواء كان المصدر هو العمل، أو عائلتك، أو علاقتك، أو ربما حتى مزيج من عدة عوامل. ولا يمكنك التحكم في سبب التوتر، ولكن يمكنك التحكم في الأعراض، وتخفيف بعضها، وعلاج الموقف في أسرع وقت ممكن. في هذا المقال أفضل الطرق المدعومة بالأبحاث العلمية حول كيفية التخلص من التوتر.
اذهب الى الخارج
يعيش أكثر من 50% من الناس في المناطق الحضرية، ووفقاً لبحث من جامعة ستانفورد، من المتوقع أن ترتفع الأرقام إلى 70% بحلول عام 2050. المشكلة هي أن التحضر يرتبط بارتفاع حالات المرض النفسي. ومع ذلك، يمكن أن تساعد الطبيعة في التخفيف من ذلك. إذ أفاد المشاركون الذين ساروا لمدة 90 دقيقة في بيئة طبيعية عن مستويات أقل من تدفق الأفكار السلبية المتكررة مقارنةً بأولئك الذين ساروا في مناطق مدنية، ذلك وفقاً لدراسةٍ نُشرت في دورية «بروسيدينجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينسز».
خصص وقتاً لمغامراتك المفضلة، مثل التنزه أو ركوب الدراجات. إذ يضيف «آري نوفيك»، بروفيسور في الطب النفسي وقائد البحث: «إذا كنت تحب هذا النشاط، فستكون أكثر ميلاً للقيام به بشكل متكرر، مما سيساعد في درء التوتر».
اذهب إلى الصالة الرياضية
لا تقلل التمارين من هرمونات التوتر في الجسم فحسب، بل إنها تحفز أيضاً إنتاج «الإندورفين» الذي يرفع الحالة المزاجية. كما وجدت دراسة من كلية الصحة العامة بجامعة ميريلاند الأميركية أن التمارين الرياضية يمكن أن تساعدك بشكل أفضل في إدارة المواقف العصيبة فوراً بعد التمرين وفي الحياة اليومية. كان لدى الباحثين مجموعتين من الطلاب؛ مجموعةً تجلس في ثلاث جلسات راحة منفصلة مدتها 30 دقيقة، ومجموعة أخرى تشارك في ثلاث نوبات منفصلة من التمارين المعتدلة. وبعد ذلك شاهد كلاهما 90 صورة من «نظام الصور العاطفية الدولي»؛ وهو قاعدة بيانات للصور المستخدمة في أبحاث المشاعر. بما في ذلك الصور المثيرة للغاية وغير السارة، وكذلك الصور المحايدة.
شاهدوا الصور مرة أخرى بعد 20 دقيقة. في البداية، كانت كلتا المجموعتين من الطلاب هادئين ومرتاحين، لكن مجموعة المتمرّنين فقط شعروا بقلقٍ أقل بعد فترة طويلة من مشاهدة الصور غير السارة. يشرح الباحثون ذلك في سيناريو الحياة الواقعية أيضاً، إذ يمكن أن تكون التمارين بمثابة حاجز ضد الآثار السلبية للتجارب العاطفية. لذلك، من خلال ممارسة الرياضة، ستقلل من القلق العام على المدى القصير في صالة الألعاب الرياضية، وستكون قادراً على الحفاظ على هذا القلق المنخفض بشكل أفضل خارج صالة الألعاب الرياضية كذلك عند مواجهة الأحداث العاطفية على المدى الطويل.
من ناحية أخرى، يمكن أن يخفف التمدد من توتر العضلات الناتج عن حمل الإجهاد في أجسامنا. وهذا بدوره يمكن أن يساعدك على النوم بشكل أفضل. تمارين الإطالة بالإضافة إلى التمارين المنتظمة وصفة لعيش حياة أقل توتراً وأكثر سلاماً.
ضع توترك على الورق
يقول عالم النفس «كيفين تشابمان» الحائز على شهادة الدكتوراه في الطب النفسي: «عندما نشعر بالتوتر والعواطف السلبية المرتبطة به، فإننا عادةً ما نبقى عالقين في أذهاننا ولا نفعل الكثير لمعالجة تفكيرنا». لكن عمليةً تسمى بالتسجيل الموضوعي تجبرنا على رؤية ظروفنا وأفكارنا من منظور خارجي».
خذ ورقة وارسم خطاً في المنتصف. في الجزء العلوي من العمود الأيسر، اكتب «الأشياء السلبية التي أقولها لنفسي». وفي العمود الأيمن، اكتب «البدائل». واملأ كلا العمودين. فعندما نعترف ببساطة بما نقوله لأنفسنا بعيداً عن التوتر، فإننا غالباً ما ندرك حجم الأشياء الحقيقي بعيداً عن عواطفنا. وستساعد هذه العملية في وضع توترك ضمن إطارٍ قابل للمعالجة. وتدعم الأبحاث ذلك؛ إذ وجدت دراسة نشرت في دورية «إنكزايتي، ستريس آند كوبينغ» أن طلاب الجامعات المكلفين بمهام الكتابة التعبيرية قد عانوا من أعراض الاكتئاب والقلق والتوتر أقل من الطلاب الذين لم يفعلوا شيئاً.
خذ نفساً عميقاً
دائماً ما يُنصح بمواكبة المضي قدماً و «القتال حتى الرمق الأخير»، وهو أمرٌ لا بد منه بالطبع، لكن التحكم في التنفس يساعد على تهدئة الجسم، وفقاً لدراسة أجراها باحثون من لكلية الطب بجامعة هارفارد. إذ يقول أحد الباحثين: «التنفس العميق والمنضبط والبطيء من الحجاب الحاجز يقاوم العديد من الأعراض الفسيولوجية التي نشعر بها عند التوتر».
عندما تتحكم في تنفسك، وتشعر أنك المتحكم الفعلي في شيء واحد على الأقل، يمكن أن يجعلك ذلك تشعر بتحسن كبير. يوصي الباحثون الجلوس أو الاستلقاء بشكل مريح مع إغلاق عينيك بينما تستنشق بعمق من أنفك، تعدّ «واحد»، ثم قم بالزفير. واستمر في ذلك حتى تصل بالعد إلى «عشرة». يقترح الباحثون القيام بذلك مرتين إلى ثلاث مرات في اليوم، خاصةً خلال الفترات العصيبة.
تحقق من البريد الإلكتروني بشكل أقل
وفقاً لبحثٍ من جامعة كولومبيا البريطانية الأميركية، فإن التحقق من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل والرد عليها فوراً يشكل ضغطاً شديداً على صاحبها. اختبر الباحثون في دراستهم 124 بالغاً وأمروا مجموعةً منهم بتحديد عدد مرات التحقق من بريدهم الإلكتروني إلى ثلاث مرات يومياً على مدار الأسبوع، وطلبوا من مجموعة المشاركين الآخرين التحقق من بريدهم الإلكتروني كلما رغبوا في ذلك.
تم عكس التعليمات خلال الأسبوع التالي. ووجد الباحثون أن الناس شعروا بتوتّر أقل عندما قلّلوا من مرات تفقدهم لبريدهم الإلكتروني. حاول إضافة رئيسك والأشخاص المهمين الآخرين إلى قائمة البريد الإلكتروني «VIP»، ولا تتفقد صندوقك الوارد إلا عند الضرورة. بهذه الطريقة، يمكنك التحقق بشكلٍ أقل تكراراً من بريدك الإلكتروني وأنت مطمئن أن الأشياء المهمة حقاً لن تفوتك.
كن مديراً لوقتك
وجد استطلاع أجرته جامعة هارفارد أن 25% من سعادتنا تعتمد على مدى قدرتنا على إدارة التوتر. إذ قام الباحثون باستطلاع رأي 3000 مشارك في جميع أنحاء الولايات المتحدة و 29 دولة أخرى، أجابوا على استبيان أجرته الجامعة عبر الإنترنت. تم قياس مهارات إدارة التوتر لدى المشاركين من خلال تقييمهم لمستوى اتفاقهم مع 28 عاملاً مختلفاً، مثل «كثيراً ما أستخدم تقنيات التنفس لمساعدتي على الاسترخاء». كما سُئلوا عن مدى سعادتهم ونجاحهم في حياتهم الشخصية والمهنية. تبين أن أسلوب إدارة التوتر الذي نجح بشكل أفضل كان التخطيط؛ عندما حارب الرجال والنساء التوتر قبل حدوثه، قللوا من الإجهاد والإحباط لاحقاً.
تعامل مع عناصر قائمة مهامك الأكثر صعوبة في وقتٍ مبكر من اليوم أو الأسبوع أو الشهر، واحفظ الواجبات أسهل لتقوم بها لاحقاً في اليوم أو الأسبوع أو الشهر. إذ يشرح ذلك أحد الباحثين قائلاً: «لدينا المزيد من الوقت والطاقة في وقت مبكرٍ من اليوم أو الأسبوع أو الشهر أكثر مما لو انتظرنا حتى الموعد النهائي».
الجنس يقلل من التوتر
الجنس يعود بالنفع على العقل والجسم؛ إذ طلب باحثون من جامعة كورنيل الأميركية من طلاب الجامعات توثيق لقاءاتهم الجنسية لمدة 12 أسبوعاً، وراقبوا صحتهم العامة. أبدى الطلاب الذين مارسوا الجنس شعوراً أعلى بالرفاهية وضغطاً أقل بعد ممارسة الجنس؛ مقارنةً بعدم ممارسة الجنس على الإطلاق، ويبدو أن لقاءً أو اثنين في الأسبوع يؤديان الغرض
تحدّث إلى من تثق به
إن التنفيس عما يثير قلقك يمكن أن يكون جيداً حقاً. إذ تظهر الأبحاث أن الشكوى لزملائك في العمل مفيدة لصحتك العقلية وتساعدك على معالجة مشاعرك. كما أنه يساعدك على توثيق الارتباط بزملائك في العمل والتعامل مع التوتر.
يمكن للأصدقاء خارج العمل أن يكونوا أيضاً مصدراً رائعاً للدعم عندما يتعلق الأمر بتقليل التوتر. حاول الاتصال بصديق والتحدث معه حول ما يدور في ذهنك وما يزعجك. من المحتمل أن تشعر وكأن الحمل قد تم رفعه عن كتفيك بعد الانتهاء.
المصدر الثالث المتاح هو التحدث إلى معالج مختص. عندما تتناول الضغوطات التي تعاني في حياتك مع معالج، يمكن أن يساعدك ذلك في الوصول إلى معالجة كل ما يسبب التوتر في عقلك وجسمك. يمكن أن يساعدك المعالج أيضاً في أداء تمارين التنفس الموجّهة. واطلب منه ببساطة القيام بالتمرين معك في المرة القادمة التي تكون فيها في جلسة إذا لم ترغب بالقيام به لوحدك. يمكنك أيضاً تجربة تمارين التنفس العميق الموجّهة عبر الإنترنت.
احصل على تدليك
أظهرت دراسة نُشرت في دورية «ذا جورنال أوف ألتيرناتيف آند كومبليمينتري ميديسين» أن 45-60 دقيقةً فقط من تدليك الاسترخاء خفضت معدل ضربات قلب الأشخاص المشاركين بأكثر من 10 نبضات في الدقيقة، مما خفّض ضغط الدم، وعزّز إفراز هرمون «السيروتونين»؛ هرمون النوم. كما يمكن أن يقلّل التدليك المنتظم من القلق، ويقضي على التوتر الزائد، ويحافظ على مستويات الكورتيزول تحت السيطرة حتى يظل جهازك المناعي في حالة جيدة.
امضغ اللبان
في دراسة أجراها باحثون في جامعة سوينبورن الأسترالية، كانت مجموعة الأشخاص الذين يمضغون اللبان أثناء أدائهم لمهامٍ متعددة في ظل ظروفٍ مجهدة إلى انخفاض التوتر والقلق، وانخفاض مستويات الكورتيزول، وزيادة اليقظة والأداء مقارنةً بالمجموعة التي لم تمضع اللبان.
وجدت دراسة أخرى نشرت في مجلة «سايكولوجي & بيهيفيار» أن مضغ اللبان يمكن أن يخفف من الحالة المزاجية السلبية ويعزز الهدوء والرضا. إذ يقول الباحثون إن الآليات الكامنة وراء هذه التأثيرات غير معروفة، لكنهم يعتقدون أنه عندما نمضغ اللبان، فإننا نحسّن تدفق الدم في الدماغ، مما يؤثر بشكل ملحوظ على هذه المشاعر.
استمع إلى موسيقاك المفضلة
عندما تشعر بالتوتر، قد تشعر أن الجميع ضدك ولا يمكنك التواصل مع الآخرين بسهولة. تُظهر الأبحاث أن الموسيقى تسهّل مشاعر الانتماء، وتُغني المشاعر الإيجابية بالدفء تجاه الآخرين، والتعاطف، والثقة، والمهارات الاجتماعية.
يمكن للموسيقى أيضاً أن تغير مزاجنا ونبض قلبنا. فعندما نستمع إلى الموسيقى، يبدأ قلبنا في المزامنة مع الإيقاع. وهذا يعني أن اللحن اللطيف يمكن أن يبطئ تسارع ضربات القلب. ففي المرة القادمة التي يوشك رد فعلك العنيف على الظهور، حاول التهدئة والتخفيف من بعض التوتر باستماعك لنغمات الموسيقى المفضلة لديك.
تأمّل
لست مضطراً للبحث كثيراً للعثور على بحثٍ يدعم التأمل كوسيلة فعالة للغاية لمكافحة التوتر. فقد كان هناك عدد كبير من الدراسات حول هذا الموضوع على مدار السنوات القليلة الماضية. ووجدت دراسة أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا، سان فرانسيسكو الأميركية أن التأمل يعزّز المواد الكيميائية والهرمونات في الدماغ التي تساعدك على تنظيم التوتر ومحاربة المرض؛ مثل «السيروتونين» أيضاً. وفي نفس الدراسة، ثبت أن التأمل أيضاً أنه يساعد في خفض ضغط الدم وتمكين الأشخاص من الاستجابة للمواقف العصيبة بطرق أكثر صبراً. فما عليك سوى الجلوس في مكانٍ هادئ في الهواء الطلق، والسماح لمشاعرك بالتدفق.
ساعد الآخرين
تشير الأبحاث من جمعية العلوم النفسية الأميركية إلى أن القيام بأشياء بشكلٍ استباقي للآخرين؛ حتى الأشياء الصغيرة مثل فتح الباب، يمكن أن يساعدك في التعامل مع الضغوطات اليومية والأيام الصعبة وحتى تعزيز الرفاهية اليومية. إذ أظهرت التجارب أن تقديم الدعم يمكن أن يساعد الأفراد في التغلب على التوتر، مما يزيد من اختبارهم للمشاعر الإيجابية ويزيد من صحتهم العقلية بشكلٍ عام. للتحقق مما إذا كان هذا صحيحاً في سياق الأداء اليومي في العالم الحقيقي، أجرى الباحثون دراسةً حيث استخدم الأشخاص هواتفهم الذكية للإبلاغ عن مشاعرهم وتجاربهم في الحياة اليومية.
مكافحة التوتر ليست مهمة فقط لرفاهيتك، بل تساعدك أيضاً على الأداء بفعالية أكبر في العمل. لذلك، من المفيد أن تخصص ما يكفي من الوقت لاعتماد هذه الممارسات والاستراتيجيات الخيّرة للحفاظ على مستويات التوتر لديك تحت السيطرة.
تخيّل السلام
أغمض عينيك وتخيل نفسك على الشاطئ. اسمع صوت الأمواج على الشاطئ وشاهد أشجار النخيل تتأرجح في النسيم. هل تشعر بالهدوء؟
التخيل بشكلٍ عام؛ أو التخيل الموجّه، هو تجربة حسية تتضمن تخيل مشهد هادئ أو مسالم. وهي طريقة جيّدة وفعّالة لتقليل التوتر وتخفيف القلق، خاصةً عندما ترى نفسك في الطبيعة؛ على قمة جبل أو بجوار المحيط. وإذا لم تتمكن من الدخول إلى المشهد بمفردك، فاستخدم تسجيلاً صوتياً إرشادياً يمثل المكان أو تطبيقاً مثل «Headspace» -المتاح على أندرويد و iOS- لتحصل على دليلك الخاص ليأخذك في هذه العطلة الذهنية المصغرة.