بفضل عالمنا المتسارع وتقدّم تكنولوجيا الاتصالات بشكلٍ هائل، ربما لم يعد بإمكاننا تذكر المرة الأخيرة التي أحببنا البقاء فيها وحدنا والاستمتاع بأفكارنا. حتى لو كانت أحلام اليقظة تروادك كثيراً عندما كنت طفلاً، فقد تفضّل -بعد أن أصبحت شخصاً بالغاً- تجنّب أفكارك؛ من خلال تمضية الوقت باستخدام هاتفك الذكي، وقد تفضّل حتى أن تتعرّض للصدمات الكهربائية بدلاً من البقاء لوحدك مع أفكارك.
نحن لا نمزح؛ ففي عام 2014، اكتشف باحثون من جامعتي فيرجينيا وهارفرد أن 67% من المشاركين الذكور، وربع الإناث المشاركات، فضّلوا أن يتعرضوا لصدماتٍ كهربائية على البقاء وحدهم والتفكير، كما بحثت الدراسات اللاحقة؛ والتي قام بها البعض من نفس الباحثين السابقين، في كيفية جعل تجربة أحلام اليقظة أسهل وأكثر إمتاعاً، وفي الأشياء التي يمكننا القيام بها، وتساعدنا في نفس الوقت على استخدام هذه الأداة المفيدة جداً لصحتنا العقلية، ولكن ما هي فوائد أحلام اليقظة؟
أحلام اليقظة مفيدة لصحتنا بالفعل
قد تُعتبر أحلام اليقظة في بعض الأوقات نشاطاً سلبياً وغير منتج، لكن بعضها -خصوصاً أحلام اليقظة الحيّة والطويلة بشكلٍ غير اعتيادي- تؤثر على حياتنا اليومية والإنتاجية فعلاً؛ فقد ثبت أن القليل منها يزيد الإنتاجية، ويطلق العنان للإبداع، ويوفّر دفعةً عاطفيةً؛ على سبيل المثال، تصف «إيرين ويستجيت»؛ أستاذة علم النفس بجامعة فلوريدا؛ والتي عملت في تلك الدراسة عام 2014، التفكير من أجل المتعة بأنه «جزء من مجموعة أدواتنا المعرفية»، وبأنه «أداة قوية لتشكيل مشاعرنا».
في الواقع؛ السماح لعقولنا بالشرود وفقدان الإحساس بالمكان والزمن، أو التجول بعيداً عن الواقع، يمكن أن يساعدنا في محاربة الملل، ويجنّبنا اللجوء إلى سلوكيات التنّمر أو السلوك السادي. في هذا السياق؛ كشفت دراسة شاركت فيها ويستجيت وباحثون من 3 جامعاتٍ أوروبية عام 2020، أن المشاركين اختاروا تخفيف مللهم عن طريق قتل الديدان بمطحنة القهوة، انطوت التجربة على وضع 3 ديدانٍ في أكواب مستقلة، وأُعطيت أسماءً لطيفةً، ثم تُرك للمشاركين الخيار بإلقاء هذه الديدان في الماكينة وتمزيقها بضغطة رز. في الواقع؛ لم تتأذَ الديدان، كما أن المشاركين لم يعلموا أنّ هناك حاجزاً يحول دون سقوط هذه المخلوقات الصغيرة في الماكينة.
أحلام اليقظة مفيدةٌ في العمل أيضاً؛ وفقاً لدراسةٍ أجراها معهد جورجيا للتكنولوجيا عام 2019؛ فقد أبلغ أحد المشاركين أنه ارتكب أخطاءَ أقل بعد أخذ استراحة قصيرة ليمارس أحلام اليقظة. في الواقع؛ لقد كان يرتكب المزيد من الأخطاء بسبب الضجر من تكرار نفس المهمة كل مرة، إلا أن استراحة أحلام اليقظة وفّرت له الراحة التي يحتاجها لإكمال مهمته بشكلٍ أكثر فعاليةً، بينما قال بعض المشاركين الآخرين للباحثين أن أداءهم وحالتهم العاطفية قد تحسّنا بعد أخذ استراحةٍ قصيرة؛ يتخللها شرود الذهن والخيال، قائلين أنهم شعروا بـ «تجدد الحيوية».
كما أظهرت الدراسات السابقة أيضاً أن التفكير من أجل المتعة يمكن أن يزيد من تحمل الألم (كأن يتحمل الناس الماء المثلج لفترة أطول)، ويساعدك على النوم (يساعد في نوم المصابين بالأرق بشكلٍ أسرع).
أفضل طريقة للقيام بأحلام اليقظة
وجدت ويستجيت وزملاؤها في دراستهم الأخيرة، أن هناك وسيلةً أساسيةً تدعم التفكير، ويمكن أن تجعل أحلام اليقظة أسهل وأكثر إمتاعاً؛ وهي ببساطة وضع قائمة، طلب الباحثون من المشاركين طرح 8 موضوعاتٍ ممتعة يستمتعون بالتفكير بها، ومن ثمّ، وللمساعدة على استحضار هذه الأفكار، عُرضت على المشاركين على شاشةٍ كبيرة أو مكتوبةً بخط اليد على بطاقات ورقية.
في الواقع؛ تميل عقولنا -دون توجيه أو تلقائياً- إلى التفكير في المشاكل المالية، ومشاكل العمل والمناسبات غير السعيدة؛ وهكذا تتلاشى أية متعةٍ من أحلام اليقظة، ولكن حتى مع وجود توجيه لعقولنا، فقد وجد الباحثون أنه من غير المرجّح أن نجني أية فائدة إلا إذا كانت أحلام اليقظة تنطوي على أفكار سعيدة وممتعة؛ على سبيل المثال، يمكن أن تكون فكرة تناول الآيس كريم ممتعةً وذات معنىً؛ إذ يمكننا تخيل أننا في رحلةٍ مع أصدقائنا أو أقاربنا في رحلةٍ إلى مدينة ديزني لاند نتناول الآيس كريم اللذيذ؛ مما يجعل من خيالنا هذا ممتعاً وذا معنىً في نفس الوقت.
نصائح لأحلام يقظةٍ أفضل
بمجرد أن تفهم الإطار الأساسي الذي يجعل أحلام اليقظة رائعةً، يمكنك تعزيز مهاراتك بشكلٍ أكبر من خلال بعض الخدع الذهنية الإضافية؛ إليك بعضاً منها هنا:
1. اصنع قائمتك الخاصة
ضع قائمةً جاهزةً بأفكار سعيدة وهادفة، حاول تضمينها بأشياء مثل ذكرىً سعيدة أو شيء تتطلّع إليه، أو إنجاز ترغب بتحقيقه في المستقبل، أو حتى اللقاء بشخصٍ لطالما أحببت رؤيته، تجنّب الأنشطة اليومية عند إعداد قائمتك؛ مثل المهمات اليومية أو أية تجاربَ سلبية.
2. اختر أداة المساعدة التي تناسبك
عملت بطاقات الفهرسة مع المشاركين في الدراسة، وقد تكون أداةً جيدةً بالنسبة إليك أيضاً، يمكنك تجربة ترك ملصقاتٍ مكتوبة على مكتبك مثلاً، أو حتى على تطبيق المفكرة على هاتفك لإلهامك الأفكار أثناء تنقلك.
3. اختر وقتاً مناسباً لأحلام اليقظة
من الأسهل أن نتخيل أحلام اليقظة عند تنظيف أسناننا، أو أثناء المشي، أو عندما نجلس منتظرين في السيارة، تشرد عقولنا وتسرح بسهولةٍ أكبر عندما تكون في وضعية «الطيار الآلي»، ومع شعورك براحةٍ أكبر في السماح لعقلك بالتفكير والتأمل بحرية، حاول أن تمنح نفسك استراحاتٍ قصيرةً لأحلام اليقظة أثناء العمل.
4. كن صبوراً مع نفسك
قد تبدو ممارسة أحلام اليقظة مجرّد تحدّيقٍ في الفراغ، إلا أن أحلام اليقظة في الواقع عملٌ معرفي مرهق؛ حيث تصف ويستجيت بأن عليك أن تكون الممثل والمخرج وكاتب السيناريو والجمهور الذي يتفرّج ويقيم أدائك خلال حلم اليقظة، بالتالي؛ وبالنظر إلى مدى إرهاقنا بالأصل بسبب أداء المهام المعرفية الأخرى خلال حياتنا اليومية، فمن السهل أن نفهم لماذا يصبح من الصعب علينا ترك عقولنا تسرح بأفكارها، وتجنّب ذلك قدر الإمكان؛ لذلك من المهم أن تكون صبوراً على نفسك أثناء التدريب؛ كما هو الحال عندما تتعلم أية مهارةٍ أخرى. في النهاية؛ سيزودك التدريب بصندوقٍ كاملٍ من الأفكار السعيدة للأوقات العصيبة، وشيئاً فشيئاً؛ ستتوق أكثر فأكثر إلى قضاء المزيد من الوقت مع أحلام يقظتك، وعندما يعيدك صوت إشعار البريد الالكتروني إلى الواقع مرّةً أخرى، ستشعر بحيويةٍ ونشاطٍ أكبر لمتابعة عملك.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً