بينما يظن البعض أن مصطلح الزراعة المائية حديث العهد، ولا يتجاوز عمره بضعة عقود، إلا أن له جذوراً تمتد في عمق التاريخ، إذ قدمها نبوخذ نصر منذ نحو 500 عام قبل الميلاد كهدية لزوجته الملكة أميتيس بهيئة حدائق بابل المعلقة، وذكرها المستكشف ماركو بولو في وصفه الحدائق العائمة في الصين، وحتى إنها ظهرت في الرسوم الهيروغليفية المصرية.
اليوم، قطعت الزراعة المائية شوطاً طويلاً من محاولة لإثارة إعجاب ملكة، إلى نظام مستدام لإنتاج المزيد من الغذاء في ظل تناقص الموارد وتزايد عدد السكان، فكيف يمكن صنع نظام زراعة مائية في المنزل؟
الزراعة المائية
أول استخدام لمصطلح الزراعة المائية كان من قِبل أخصائي تغذية النبات ويليام فريدريك جيريك (William. F. Gericke) في كتابه "الدليل الكامل للبستنة بدون تربة"، إذ وصفها بقوله: "هي علم وفن زراعة المحاصيل بدون تربة وتطبيقاته العملية"، بعبارةٍ أخرى يمكن القول إنها طريقة للزراعة الداخلية للنباتات بحيث تسحب الجذور احتياجاتها من العناصر الغذائية من محلول مغذٍ عوضاً عن التربة. ونظراً لأن جذور النباتات لها وصول مباشر إلى العناصر الغذائية والأوكسجين، فإن أنظمة الزراعة المائية غالباً ما تكون أسرع وأكثر كفاءة في استخدام الماء من نظيراتها القائمة على التربة.
يمكن للنبات أن يُعلَّق مباشرة في المحلول المائي أو بوجود ركائز مثل جوز الهند أو الصوف الصخري أو الفيرميكوليت أو البيرلايت، وبشكل عام تتلقى جذور النباتات المحلول المغذي عبر أحد النظامين:
- النظام النشط: يستخدم مضخة لتهوية المحلول وتوصيل المغذيات إلى الجذور.
- النظام السلبي: تعتمد فيه الزراعة المائية على قوى الجاذبية والشعرية.
يمكن تطبيق هذه الطريقة على مجموعة واسعة من النباتات، بدءاً من أعشاب المنزل الصغيرة وصولاً إلى نباتات المحاصيل التجارية، بحيث يمكن استغلال حتى أصغر المساحات، ولكن كقاعدة عامة يجب تجنب النباتات الطويلة كالذرة، أو ذات الجذور العميقة كالبطاطا.
أنظمة الزراعة المائية
نظام الزراعة المائية هو البنية التحتية للزراعة المائية، ويتوافر بعدة أحجام وأنواع، مع بعض الاختلافات من حيث التصميم والخصائص والمعدات المطلوبة، إلا أن جميع أنواعه تشترك في وجود خزان للمحلول المغذي. فإن كنت تفكر في إنشاء نظام زراعة مائية في المنزل، فإليك بعض الخيارات العملية:
نظام الزراعة المائية العميق
يناسب نظام الزراعة العميق (Deep Water Culture) المبتدئين، لسهولة إنشائه وصيانته، ويمكن استخدامه لزراعة الخس واللفت البقدونس والريحان، وغيرها من النباتات التي لا تحتاج لدعامات، حيث تكتفي بالعناصر التالية لإنشائه:
- ابحث عن وعاء ماء كدلو أو حوض سمك غير شفاف، أي لا يسمح بمرور الضوء؛ لأنه يحفّز نمو الطحالب التي تنافس النبات على الأوكسجين والمغذيات.
- العوامة أو الستايروفوم، بحيث تكون أبعادها أصغر بنحو 6 ملليمترات من أبعاد الحوض، للسماح بضبط نسبة الماء.
- مضخة هواء، مع أنبوب هواء بطول مناسب، وحجر هوائي لإيصال فقاعات الأوكسجين إلى الجذور النباتية.
- أصص شبكية تسمح بتدفق الماء خلالها بسهولة.
طريقة الإنشاء:
- ادهن الحوض بلون غامق إذا كان شفافاً، ثم املأه بالمحلول الغذائي.
- اثقب العوامة بفتحات بحجم الأصص النباتية الشبكية وعددها، بالإضافة إلى ثقب جانبي للسماح بأنبوب التهوية بالمرور، ثم ضعه فوق الوعاء.
- جهز الأصص النباتية بوسط الزراعة والنباتات، ثم ضع كلّاً منها في إحدى فتحات العوامة.
- الآن أصبحت مزرعتك المائية جاهزة للعمل، ولا تحتاج سوى تشغيل مضخة الهواء وإعادة تزويد الحوض بالمحلول الغذائي كلما قلّ مستواه في الحوض.
نظام الزراعة المائية بالفتيل
يعد نظام الزراعة المائية بالفتيل من أنظمة الزراعة السلبية التي لا تستخدم فيها مضخات هوائية، وتناسب الزراعات الفردية للنباتات، لكنها لا تدعم النباتات الكبيرة. ولتحضيره يمكن اتباع الخطوات التالية:
- استخدم عبوة بلاستيكية فارغة، وقص الثلث العلوي منها بالكامل.
- اثقب غطاء العبوة بمفك البراغي، أو بسيخ معدني ساخن.
- مرر فتيلاً أو قطعة حبل بطول لا يقل عن 30 سنتيمتراً عبر الثقب في غطاء العبوة، بحيث تبقى 15 سنتيمتراً على كل جانب، ويزداد الحجم كلما كان حجم العبوة أكبر.
- املأ الجزء السفلي من العبوة بالماء وأضف له مزيج العناصر الغذائية.
- اقلب الجزء العلوي من العبوة رأساً على عقب، بحيث يوضع طرف الخيط ضمن العبوة، بحيث تفصل مسافة 2.5 سنتيمتر بين غطاء الزجاجة وأعلى المحلول.
- املأ الجزء العلوي من العبوة بعد قلبه بوسيط النمو الداعم للنبات، كالبيرلايت أو جوز الهند أو الفيرميكوليت.
- أضف البذور ضمن وسط النمو، حيث يعمل الفتيل على إيصال المحلول المغذي إلى البذور.
اقرأ أيضاً: تعلم البستنة المستدامة من خلال الزراعة المائية المنزلية
نظام الزراعة المائية بالمد والجزر
نظام المد والجزر أو الدفق والصرف، هو نظام زراعة مائي منخفض التكلفة ومتوسط المهارات، بالإضافة إلى إمكانية إضافة وإزالة النباتات دون التأثير على الأنواع الأخرى، ويتكون من العناصر التالية:
- أصص مثقبة للنباتات.
- وعاء الدفق، أو صينية الغمر.
- الوعاء أو خزان الماء.
- المضخة الغاطسة.
- المؤقت.
ابدأ بتحضير أصص النباتات المثقبة بوسيط النمو ضمن صينية الغمر أو وعاء الدفق، حيث يتم ضخها بالماء من خزان المحلول المغذي الذي يقع مباشرة أسفل صينية الغمر، بواسطة مضخة غاطسة ضمن الخزان. يتدفق الماء عبر الصينية إلى جذور النباتات، ثم يتم تصريفه للخزان مرة أخرى، ما يسمح للجذور بأن تجف وتتأكسد قبل أن يُعاد غمرها مرة أخرى بالمحلول المغذي. يتم التحكم في تدفق الماء إلى صينية الغمر، وبسحبه مرة أخرى عبر أنبوب تصريف جانبي إلى الخزان بواسطة المؤقت الزمني، ووفقاً لاحتياجات النبات. يمكن للماء في هذه الطريقة أن يبقى صالحاً للاستخدام لمدة أسبوع، ثم يجب تجديد محتواه من العناصر الغذائية.
إذاً، إن كنت من سكان المدن وأصحاب الشقق الداخلية الذين لا يمتلكون ما يكفي من المساحة، أو من هواة زراعة النباتات الذين يسعون للحصول على محصول أكثر كفاءة، فإن نظام الزراعة المائية في المنزل هو الحل الأنسب.