علاقتي مع هاتفي معقدة إلى درجةٍ لا أستخدم فيها وظيفة وقت الشاشة مطلقاً، واخترت العيش في حالة إنكار بدلاً عن معالجة مشاكل علاقتنا التي أعاني منها. لا يمكنك تخيل الهلع الذي أُصبت به عندما قام ابني البالغ من العمر 14 عاماً بتشغيل هاتفي خلسةً وبدأ في قراءة إحصائيات وقت الشاشة الخاصة بي للأسبوع الماضي. صرخت به: «كيف يمكنك فعل هذا بي؟». رجوته محرجةً بالتوقف عندما بدأ بقراءة وقتي الذي قضيته في كلٍّ من المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي.
الوقت هو أثمن مواردنا
ندرك جميعاً أن الوقت هو أثمن مواردنا؛ إنه الشيء الوحيد الذي لا يمكن للمال شراؤه. ونظراً لأن كل شخص لديه هاتفه الذكي في جيبه هذه الأيام، أصبح بإمكاننا تتبع كيفية استخدامنا لكل دقيقة من وقتنا بشكل أفضل من أي وقت مضى. فمن خلال ضغطة زر واحدة أو عبر تحميل تطبيق معين، يمكننا تتبع الوقت الذي نقضيه في التمرين والنوم وحتى الوقت الذي نقضيه على وسائط التواصل الاجتماعية.
يرغب الكثيرون بهذا النوع من تتبع الوقت. حيث تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن 21% من الأميركيين (31% من هؤلاء يكسبون أكثر من 75,000 دولار سنوياً) يستخدمون ساعة ذكية أو متتبع لياقة. وأكثر من 80% منهم يمتلكون هاتفاً ذكياً، والذي يحتوي غالباً على وظائف مضمنة تتعقب وقت الاستخدام للتطبيقات المختلفة. وعلى الرغم من أن العديد من الأشخاص يقتنون أجهزة التتبع القابلة للارتداء، إلا أن قلة منهم يواظبون على استخدامها، بينما تتخلى عنها الأكثرية. بالنسبة لتتبع وقت الشاشة، تظهر الأبحاث أن الناس منفتحون جداً على استخدام التكنولوجيا، لكنهم نادراً ما يغيرون سلوكهم بناءً على البيانات التي تزودهم بها.
في الواقع، من الواضح أن البيانات المتعلقة بالطريقة التي نقضي بها وقتنا لا تهمنا، وعندما نحصل عليها، فإنها لا تدفعنا دائماً إلى تغيير سلوكنا.
نحن نتجاهل البيانات
لنأخذ على سبيل المثال البيانات التي جمعها المسح الأمريكي لاستخدام الوقت (ATUS). كان مكتب إحصاءات العمل يقوم بجمع البيانات حول مقدار الوقت الذي يقضيه الأشخاص في القيام بأنشطة مختلفة منذ ما يقرب من 20 عاماً، وكانت نتائجهم مذهلة حقاً. وفقاً لنتائج عام 2020، يتمتع المواطن الأميركي العادي بوقت فراغ كافٍ للانخراط في العديد من الأنشطة الصحية والمعززة للحياة؛ 5.5 ساعة في اليوم تحديداً. مقارنة بإحصائيات عام 2019، يعكس هذا الرقم زيادة قدرها 37 دقيقة في اليوم، ويرجع ذلك غالباً إلى انخفاض عدد العاملين والسفر في فترة الجائحة.
لكن الاستطلاع أظهر أيضاً أننا غالباً ما نتجنب الأنشطة الصحية والمنتجة للسعادة لصالح الأنشطة السلبية القائمة على الشاشة. حيث يقضي الأميركي العادي 22 دقيقة يومياً في ممارسة الرياضة والتمارين الرياضية والاستجمام، و32 دقيقة يومياً في التواصل الاجتماعي أو الاتصالات، و26 دقيقة في اليوم للاسترخاء أو التأمل. بينما يقضي 211 دقيقة يومياً في مشاهدة التلفزيون، وهذا الوقت أكثر بـ 2.6 مرة من الوقت الذي يقضيه الأميركي في ممارسة الرياضة والاسترخاء والتواصل الاجتماعي معاً.
هذه الأرقام محبطة. لقد أظهرت الدراسات أن المشاهدة المكثفة للتلفاز مرتبطة بانخفاض الرضا عن الحياة، وأن الأشخاص الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من غيرهم هم أيضاً الأكثر عزلة اجتماعياً. في المقابل، فإن أولئك الذين يشاهدون التلفزيون لمدة تقل عن 30 دقيقة في اليوم هم الأكثر رضا عن حياتهم، وأولئك الذين يقصرون استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي على 30 دقيقة في اليوم أو أقل، هم أقل عرضة للإصابة بالوحدة والاكتئاب.
عندما نفضل نحن البشر التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي على الأنشطة الأخرى، فإننا نصنع «تسوية اجتماعية» إلى حد ما. لنكون واضحين: لسنا مسؤولين بالكامل عن اختياراتنا هذه. في الحقيقة، لقد صُممت التكنولوجيا والشاشات لتأسرنا. تقترح إحدى الدراسات الحديثة أننا يمكن أن ندمن وسائل التواصل الاجتماعي بسبب سمةٍ تشريحية معقدة فينا؛ وهي حلقة ردود فعل الدوبامين التي تجعلنا نشعر بالسعادة، والتي تغذيها طريقة عمل هذه المنصات وكيفية مكافأتنا على انخراطنا ومشاركتنا فيها. يبدو الأمر كما لو أننا جميعاً نجلس أمام ماكينة قمار ندفع فيها بشكل عشوائي، ولا يمكننا أبداً توقع متى سنحقق ضربة حظ كبيرة.
ما هي الخطوات التي يمكن أن تكسبنا عادات صحية متعلقة بوقت الشاشة؟
لكن البحث يظهر أيضاً أنه إذا اتخذنا خطوات للتأكد من أن خياراتنا الاجتماعية هي بمحض إرادتنا، وليست مبنية على كيفية تأثير التكنولوجيا على مشاعرنا، يمكننا الاستفادة من أفضل خدعةٍ للوقت على الإطلاق. وتدعى «الادخار الاجتماعي» (social economizing)، والتي تنطوي على اتخاذ قرارات نشطة حول كيفية قضاء وقتنا، ومن ثم توفير وقتنا واستثماره حيث نريد.
حتى أحد أصعب القرارات في حياتنا، فإننا نتخذه بسرعة نسبياً، إذ يستغرق الأمر 173 يوماً فقط، في المتوسط، لنقرر أن الشخص الذي نواعده هو الشخص الذي نريد الزواج منه.
الخبر السار هو أننا كبشر بارعون جداً في اكتشاف ما نريده بسرعة. وفقاً لإحدى الدراسات، يتطلب الأمر ما معدله 3.38 لوحة لمعرفة ما إذا كنت تحب أسلوباً فنياً، و1.5 كوب صغير من مشروب جديد لمعرفة ما إذا كان طعمه جيداً، ومقالان لطالب الوظيفة لمعرفة ما إذا كان يستحق أن توظفه. حتى أحد أصعب القرارات في حياتنا، فإننا نتخذه بسرعة نسبياً، إذ يستغرق الأمر 173 يوماً فقط، في المتوسط، لنقرر أن الشخص الذي نواعده هو الشخص الذي نريد الزواج منه.
عند تطبيقه على فكرة الادخار الاجتماعي، فهذا يعني شيئين؛ أولاً، يمكنك بالفعل اتخاذ خيارات اجتماعية طوال الوقت، وثانياً، تدرك تماماً ما تريده. كما تكتشف دوروثي في نهاية رواية «ساحر أوز»، فإن مفتاح خدعة الوقت هو شيء نمتلكه في داخلنا دائماً؛ الاختيار. لدينا الخيار بشأن كيفية قضاء 5.5 ساعة من أوقات الفراغ كل يوم. لا تخدع نفسك بالاعتقاد بأنه لا يمكنك فعل شيء حيال التقنيات التي تستخدمها. بدلاً عن ذلك، انظر إلى استخدامك للتكنولوجيا على حقيقته؛ أنت تعرف ما تريد، وتختار الانخراط فيه (ولو على حساب الخيارات الأخرى).
الآن، ولكي نكون منصفين، قلة منا فقط يمكنه تخيل الحياة بدون الهواتف. تمنحنا الهواتف الأمان والتواصل، وهي بمثابة شريان الحياة بالنسبة لآخرين. لذلك لن أقوم بالاستغناء عن هاتفي لبعض الوقت ولا أنصح أي شخص بالقيام بذلك، فلا مشكلة في الاعتماد على هاتفك. ولكن عندما يبدأ في التأثير سلباً على حياتك بدلاً من أن يساعدك على عيش حياة أفضل، يجب عليك التغيير. خصوصاً إذا لاحظ الآخرون (مثل ابني) وجود مشكلة لديك في هذا الصدد.
وفقاً لمراحل نموذج نظرية التغيير، يتكون هذا التحول من أربع مراحل: ما قبل التأمل والتأمل والتحضير والعمل. إذا كنت قد بدأت بالفعل في التفكير في هذا الأمر بعمق (أول مرحلتين)، فإن الخطوة التالية هي إعداد خطة ومن ثم تنفيذها.
هناك نوعان من الإجراءات في مرحلة العمل: التجاهل، وينطوي على تخصيص بعض الأوقات الحميمة (مثل وقت العشاء) والخلوات الحميمية بدون هاتفك. والاستبدال، وينطوي على استبدال الوقت السلبي الذي تقضيه على هاتفك دون فائدة بشيء آخر ذو فائدة صحية مثبتة، مثل الاتصال بصديق أو المشي. إذاً، في كل مرة تتفاعل فيها مع هاتفك، سيكون لديك ثلاث خيارات: الاستخدام أو التجاهل أو الاستبدال. تذكر فقط أن التغييرات الصغيرة يمكن أن تؤدي إلى تغييرات كبيرة في حساباتنا اليومية للوقت.
هذا لا يعني أن الادخار الاجتماعي- إن لم تقم به في السابق- سيكون سهلاً في البداية. إذ يستغرق ترسيخ عادةٍ ما نحو 66 يوماً، ولكن تخيل حياتك بعد شهرين من الآن قد يمنحك الحافز الذي تحتاجه لإجراء التغيير. قد تتمرن أكثر، وتتواصل اجتماعياً أكثر، وتستمتع بمزيد من الوقت مع الأشخاص الذين تحبهم كثيراً.