ما رأيك في علامات الفلفل الحار التي تظهر بجوار الأطباق في قائمة الطعام؟ هل تختار الأطباق التي بجانبها ثلاث أم أربع علامات؟ أم أنك تتجنب الأطباق التي تحتوي التوابل الحارة ببساطة؟
ما سبب الإحساس الحارق الذي تمنحنا إياه التوابل الحارة؟
يشير عدد علامات الفلفل بجوار الطبق في القائمة إلى مدى حرارته. على العكس من المذاقات الخمسة الأساسية؛ الحلو والحامض والمر والمالح والأومامي، طعم الحرارة مختلفٌ بعض الشيء. تثير التوابل ردّ فعلٍ فوري، وغالباً ما تسبب الألم والخدر. في الواقع، استخدم الناس مكونات التوابل لعلاج الألم لعدة قرون. ومع ذلك، ما يزال العلماء يكتشفون ماهية حرارة الطعام وما يميزها عن المذاق. مع فهمٍ أفضل، يمكن للباحثين إيجاد طرق أفضل لاستخدامها في علاج الألم والأمراض الأخرى.
غالباً ما يُنظر إلى حرارة الطعام على أنها طعم. في الواقع، يأتي المذاق من براعم التذوق الموجودة على اللسان، حيث تحتوي على مستقبلاتٍ حسية لا تعد ولا تحصى. على سبيل المثال، عندما تلامس مركباتٌ مثل السكر اللسان، تتنشّط مستقبلات الطعم الحلو وترسل إشاراتٍ عبر النواقل العصبية إلى الدماغ لتحديد مذاق الطعام الذي نتناوله حالياً.
تكتشف أجسامنا حرارة التوابل باستخدام نظامٍ مختلفٍ كلياً عن نظام التذوق. حيث يقوم بهذه المهمة العصب ثلاثي التوائم، وهو جزء من الجهاز العصبي يقوم بإرسال أحاسيس اللمس والألم والحرارة من الوجه إلى الدماغ. وبالتالي فإن الحرارة ليست طعماً بقدر ما هي ردّ فعل. في الحقيقة، تهيج التوابل اللسان، فيرسل إشاراتٍ إلى الدماغ تفيد بأن الفم يتفاعل مع شيءٍ من المحتمل أن يكون ضاراً أو ساماً. ثم يستجيب الدماغ عن طريق تخدير اللسان مؤقتاً، وذلك هو الإحساس الذي نشعر به عندما نأكل طعاماً حاراً، أي أن ما نشعر به ناجم عن آلية دفاعية محتملة للجسم.
الجزيء المسؤول عن حدوث هذا التهيج هو الكابسيسين، وهو المكون النشط في الفلفل الحار. بالرغم من أنه مادة مهيجة، لكنه لا يسبب ضرراً للجسم مثل الأحماض أو السموم. لذلك فإن ردة فعل دماغك هذه وتفاعله مع الكابسيسين وكأنه تهديد لا يعني بالضرورة أنه ضارّ حقاً.
يقول بول روزين، عالم النفس بجامعة بنسلفانيا: «الكابسيسين مادة مخادعة بطريقةٍ ما. إنها تخدع الجسم بإيهامه بأنه يتعرّض لهجوم». ويعتقد روزين أنه من الممكن أن يكون الكابسيسين قد تطور في النباتات كآليةٍ دفاعية لإبعاد الثدييات عنها. الفلفل الحار، الوسابي، الزنجبيل، وغيرها من النباتات التي تُستخرج منها التوابل تستخدم الكابسيسين لجعل طعمها منفراً للحيوانات، وبالتالي تبعدها عنها.
استخدامات أخرى للتوابل الحارة
لقد استُخدم الكابسيسين بالفعل كمسكن للألم لعدة قرون. فقد عالجت الشعوب القديمة، مثل الأزتيك، الآفات بالفلفل الحار. ومن المفارقات أن الكابسيسين كان يخفف الإحساس بالألم، ولكن بعد إزالته. وبالمثل، طالما أن هناك بقايا من الصلصة الحارة على لسانك، ستبقى تشعر بالحرقة، ولكن بمجرد إزالتها يبدأ لسانك بالتخدّر. مع تكرار هذه العملية، يمكنك تحمل حروق أقوى وأقوى لأن النهايات العصبية على لسانك، والتي تتواصل مع العصب الثلاثي التوائم، تصبح غير حساسة، مما يمنع انتقال إشارات الألم. وهكذا تصبح شيئاً فشيئاً أكثر تحملاً لحرارة التوابل. من ناحية أخرى، إذا وجدت أن الأطباق الحارة التي أحببتها لم تعد تتمتع بالطعم الذي تحبه، فامتنع عنها لبضعة أسابيع لاستعادة قدرة النهايات الحسية على الشعور بحرارة الكابسيسين اللاذعة.
تابعت الأبحاث الحديثة البحث في الكابسيسين كمادةٍ مسكنة للألم، ويُستخدم حالياً في علاجات الألم، مثل الكريمات أو اللصاقات الموضعية (طبعاً لا يمكنك خلط طعامك بهذه الكريمات). وهناك اتجاه حالي لاستخدام الكابسيسين عن طريق الحقن لمعالجة التهاب المفاصل وآلام العضلات والعظام، ويمتد الاهتمام بهذه المادة إلى علاجات السرطان نظراً لاحتمال امتلاكها خصائص مضادة للسرطان، إذ أن هناك أدلةٌ تشير إلى أن الكابسيسين يحفّز مسارات الإشارات المثبطة للورم، ويمكن أن يعمل بالتآزر مع العلاجات الكيماوية الأخرى.
بالرغم من أنه يحمل خصائص طبية، إلا أن الناس ما يزالون يحبون الكابسيسين بسبب الشعور اللاذع والحارق الذي يضفيه على الأطعمة. في الواقع، ما تزال كيفية تطوير البشر ميلاً إلى الطعم الحار رغم كونه إشارة خطر لغزاً من الألغاز التي ما تزال تحير العلماء إلى الآن. يقول روزين: «لا نعرف سبب حدوث ذلك بالضبط». ويذكر روزين أن إحدى النظريات تقترح أن ثقافات السكان الأصليين التي كانت تزرع الفلفل الحار تعلّمت إضافتها إلى غذائها، ولذلك كانوا يربّون أطفالهم على تناول الطعام الحار منذ صغرهم. الاحتمال الآخر هو ما يدعوه روزين «الماسوشية الحميدة»، أو المتعة في فعل شيءٍ يخبرنا دماغنا بأنه خطير علينا، ولكننا نعلم أنه آمن.
إذا كنت تبحث عن إثارةٍ رخيصة الثمن، فإن تناول بعض الأطعمة الحارة طريقة رائعةٌ للبدء حقاً.