نفكر في ممارسة التأمل عندما تتجاوز أعباء الحياة قدرتنا على التحمل، فتلك الدقائق القليلة ذات التأثير السحري قادرة على مساعدتنا في تحمل نهار طويل مملوء بالواجبات، والأمر المريح أنها ممارسة بسيطة غير مكلفة ولا تتطلب أي معدات خاصة، ويمكن لأي منّا ممارستها في أي مكان نكون فيه، سواء خارجاً في الحافلة أو أثناء انتظار الدور في عيادة الطبيب وحتّى في منتصف اجتماع عمل. إليكم الطريقة التي يتبعها"سوندار بيشاي"، الرئيس التنفيذي لشركة جوجل، لممارسة نوع خاص من التأمل يسمى "الاسترخاء العميق اليقظ".
ما هو التأمل؟ وما هي فوائده؟
ممارسة التأمل قائمة منذ آلاف السنين، وسبب الممارسة في الأصل كان للمساعدة في تعميق فهم الحياة المقدسة الصوفية، وهو يعتبر نوعاً من الطب التكميلي الذي يقوي روابط العقل والجسد، حيث يمكن للتأمل خلق حالة عميقة من الاسترخاء والشعور بالطمأنينة، وهذه الحالة العقلية ستؤثر على قوانا الفيزيائية فتقلل من توترنا وتجعلنا أكثر استرخاءً.
ينظم التأمل مهام أدمغتنا ويخلص أذهاننا من المعلومات الفائضة التي تتراكم فيها خلال اليوم، وله مجموعة من الفوائد النفسية وهي:
- اكتساب مهارة التعامل مع الضغوط بكل احترافية.
- اكتساب منظور جديد أمام كل موقف مثير للقلق والغضب قد نضطر للتعامل معه.
- زيادة الوعي الذاتي والتركيز على الوقت الراهن وما يحمله من تحديات، والتخلي عن كل الأفكار السلبية التي قد تربطنا بالماضي وتقبلها، إضافةً إلى تجنب القلق حول المستقبل وما يحمله.
- تخليص النفس من كل كره أو حقد ثقيل وتعزيز مفهوم الصبر والتسامح لدينا.
هل لممارسة التأمل دور في معالجة الأمراض الجسدية؟
يلعب التأمل دوراً إيجابياً في معالجة الأمراض، وخاصةً تلك التي تتفاقم بازدياد الضغوط النفسية كالقلق والربو. وفي الوقت الذي تدعم فيه مجموعة متزايدة من البحوث العلمية الفوائد الصحية للتأمل، يعتقد البعض أنه من غير الممكن التوصل إلى استنتاجات ملموسة حول دور التأمل العلاجي. إّلا أنه لا يمكن إنكار دوره المهم في مساعدة الناس على إدارة بعض الحالات المرضية كالألم المزمن والاكتئاب والصداع التوتري ومشكلات النوم ومتلازمة الأمعاء المتهيجة وأمراض القلب والضغط.
ومن المهم الإشارة إلى أن التأمل ليس بديلاً عن طرق العلاج الطبي التقليدية، لكنه قد يكون ذو فائدة كوسيلة مكملة للطرق العلاجية الأخرى.
ما هي أنواع التأمل؟
التأمل هو مصطلح واسع الأفق شامل للعديد من الطرق والأساليب التي تساعد في الوصول إلى حالة من الاسترخاء، إذ تركز جميع أنواع التأمل، مهما تنوعت، على الهدف ذاته المتمثل في تعزيز الوعي الإدراكي والشعور بالذات، تتضمن أنواع التأمل كلاً ما يلي:
- التأمل الموجَّه: ويساعد في بناء صور ذهنية لأماكن أو مواقف شعرنا فيها بالاسترخاء سابقاً، وترتكز هذه الطريقة على توجيه كل الحواس من الشم والسمع والإحساس لذات الموقف أو المكان.
- تأمل مانترا: ويتخصص بتعزيز التركيز ومنع تشتت الأفكار من خلال تكرار ترديد عبارة واحدة تحقق ذلك.
- تأمل الحكمة: ويقوم على الحضور الذهني وقبول العيش في اللحظة الحاضرة، حيث يتسع الوعي الإدراكي في هذا النوع ويتم توجيه التركيز على نشاط حاضر، كالتركيز على حركات التنفس مثلاً. بالإضافة إلى ملاحظة الأفكار والمشاعر الحاضرة وتركها تعبر دون التحكم في أي منها.
- نظام تشي كونغ: هو جزء من العلاج الصيني التقليدي، تجمع هذه الممارسة بين تمارين التأمل والاسترخاء والحركة البدنية والتنفس لاستعادة التوازن والحفاظ عليه.
- اليوغا: حيث يتم أداء مجموعة من الوضعيات وتمارين التحكم في التنفس من أجل الوصول إلى المرونة الجسدية والنفسية.
هل من الممكن أن أمارس التأمل في أكثر أيامي انشغالاً؟
كما ذكرنا، يوجد أنواع مختلفة من التأمل ويتطلب كل منها تركيز الانتباه، والذي يعتبر أهم عنصر من عناصر التأمل، إضافةً إلى التنفس باسترخاء والجلوس في مكان هادئ واتخاذ وضعية مريحة والانفتاح على الذات. ومن المهم ألا تحرص على القيام بالتأمل بطريقة مثالية في كل مرة لأن ذلك سيضيف عبئاً عليك.
يعتبر التأمل جزءاً مهماً جداً في حياة "سوندار بيشاي"، وهو المدير التنفيذي لشركة جوجل، والذي تحدث في مقابلة له مع صحيفة "وول ستريت" الأميركية، عن المصاعب التي واجهها في التنسيق بين احتياجاته النفسية وطبيعة عمله، وذلك إلى أن اتبع ما يسمى "الاسترخاء العميق اليقظ" وهو مصطلح صاغه أستاذ علم الأعصاب في جامعة ستانفورد "أندرو هوبرمان"، حيث يعمل هذا النظام على تحفيز الذات للدخول في حالة من الهدوء وتوجيه التركيز إلى شيء محدد.
وقال بيشاي: "لقد وجدت هذه المدونات الصوتية على موقع يوتيوب، التي تدفعك للدخول في راحة عميقة من غير أن تدخل في النوم، ففي الأيام التي أجد فيها صعوبة في التأمل، يمكنني اللجوء إلى هذه المدونة الصوتية والتي لا تتجاوز مدة حلقتها 30 دقيقة، الأمر الذي ساعدني في المواظبة على القيام بالتأمل بشكل أكثر التزاماً".
كيف تمارس الاسترخاء العميق اليقظ؟
وفقًا لهوبرمان، يمكن لهذا الآلية أن تساعد الأشخاص على الاسترخاء والنوم بسهولة أكبر وتقليل التوتر والقلق وتخفيف الألم وحتّى تسريع التعلم، ويتم تحقيق ذلك عادةً من خلال اليوغا والتنويم المغناطيسي.
اليوغا
ما عليك سوى الاستلقاء على ظهرك على الأرض، ومن ثم إغماض عينيك واتباع إرشادات مدربك، أو المدرب في المدونة الصوتية إن كنت تمارسه عن طريق الإنترنت، حيث سيقودك إلى أداء مجموعة من الأنشطة. يُطلب منك بدايةً البحث عن أماكن التوتر لديك، والتركيز على نسق تنفسك، ومن المهم الوعي بكل أجزاء جسمك، كالإحساس بالهواء البارد الداخل إلى الرئتين والشعور بهواء الزفير الدافئ، والإحساس بشعور ثقل جسدك وهو مستلقٍ على الأرض، وبالطريقة التي تضع فيها يديك على بطنك أو تمدها بعيداً، أي "إعطاء العقل شيئاً للتركيز عليه" كما تقول "ترايسي ستانلي"، وهي إحدى مدربات اليوغا المحترفات.
عندما يبدأ جسمك بالراحة، يتباطأ معدل ضربات قلبك، كما تتغير الذبذبات الدماغية المُسيطرة على تخطيط دماغك، حيث تتفعل موجات بيتا المرتبطة بالدماغ النشط، وموجات ألفا والتي تتوافق مع الحالة الدماغية المُسترخية.
تقول ستانلي إن الأشخاص الذين يمارسون اليوغا قد يجدون أنفسهم "يحومون في مساحة محدودة بين الاستيقاظ والنوم، فقد تنام أجسادهم، إلّا أنهم يحافظون على وعي داخلي، وفي نفس الوقت يدركون محيطهم".
التنويم المغناطيسي
أما بالنسبة للتنويم المغناطيسي، فيصفه هوبرمان بأنه "حالة من الهدوء والتركيز العالي"، يستطيع الشخص أن يدخل في التنويم المغناطيسي بتحريض ذاتي أو بمساعدة منوم مغناطيسي سريري، وأكمل هوبرمان بيانه قائلاً: "إن الأمر يشبه النظر إلى شيء ما من خلال عدسة تلسكوب، أنت تلغي المحيط وتركز بدرجة عالية على المركز، أي يحقق التنويم المغناطيسي حالة فريدة، فهو يرفع من درجة تركيزك ولكنه يبقيك في حالة من الراحة".