لا بد أن معظمنا قد سمع عن الضجة التي أثارها الخلاف العائلي داخل العائلة المالكة في بريطانيا؛ والذي انتهى بتخلي الأمير هاري وزوجته ميغان عن العائلة المالكة والسفر إلى الولايات المتحدة للإقامة فيها بشكلٍ دائم؛ لكن معظمنا لا يملك رفاهية الإقامة في منزلٍ آخر أو السفر إلى بلدٍ آخر عند حصول خلافٍ مع من نحب أو مع أحد أفراد عائلتنا، ومن المرجح أن قسماً كبيراً منا يضطر للتعامل مع الخلافات، ويتعرّض للخلافات اليومية مع من يحبّ في النهاية.
يلجأ البشر عموماً إلى النقاش مع الآخرين لإنجاز المهام اليومية أو لدعوتهم لتناول القهوة أو الاطمئنان عليهم في الظروف الصعبة. في الواقع؛ لقد تطور نظام التواصل المعقّد والفريد لدينا لمساعدتنا لتلبية حاجاتنا في ظلّ عالمٍ يقوم على التواصل الاجتماعي.
ولا شكّ في أن الخلافات والجدل هي جزءٌ من هذا النظام المعقّد. قد تكون نتيجةً حتمية أو ضرورية أو حتى منتجةً في بعض الأحيان؛ لكن قد تكون لها عواقب سيئة علينا.
قد يصعب علينا التصرّف بشكلٍ صحيح عندما يكون التوتّر مع الآخرين في ذروته والصراخ يملأ المكان؛ خصوصاً إذا كان الخلاف مع شخصٍ قريبٍ منك أو تحبّه. وفي هذا الصدد؛ يقدّم البحث كيفية النقاش بشكلٍ أكثر عموماً خلال التعامل مع الخلافات، ويقدّم بعض الأفكار حول أفضل طريقةٍ للتعامل مع الخلافات في العائلة.
ما هو تعريف الخلاف؟
هناك كلماتٌ عديدة تصف الاختلاف، وهناك أيضاً الكثير من النظريات العلمية التي تصف ماهيّته، ولماذا يحدث؛ لكن الاختلاف ليس نموذجاً مجرداً، إنه متأصّل فينا ويعيش معنا ونتنفسّه ونعبّر عنه بعنفٍ أحياناً.
تظهر الأبحاث التي تركّز على كيفية حدوث الخلافات أنها تتميز بثلاثة أنواعٍ من السمات: السمات الصوتية؛ وتشمل التحدث بنبرة أعلى وبصوت أعلى وأسرع، والسمات الجسدية؛ مثل الإيماءات العدوانية والمواقف التجنبية؛ كالابتعاد عن شخصٍ ما. وأخيراً؛ السمات التفاعلية؛ مثل رفع صوتنا أكثر من الطرف الآخر أثناء النقاش الحاد وعدم الإصغاء والتحدّث بفظاظة أثناء النقاش. ومن الشائع أيضاً التعبير عن مشاعر الاستياء والغضب من الآخرين واتهام أطراف الخلاف بعضهم البعض.
تحدث الخلافات لعدة أسباب، ويمكن أن يختلف تصرّف كل فردٍ عن الآخر خلالها، فالبعض يكتفي بالشكوى والتذمر، بينما يوجه البعض الآخر الاتهامات أو التهديدات للطرف الآخر.
يمكن أن يحدث الخلاف بسبب الالتزامات العائلية أو ما يجب تناوله على العشاء، وحول السياسة أو كيفية قضاء عطلة نهاية الأسبوع مثلاً. لحسن الحظ؛ تشترك الخلافات والنقاشات في العديد من العناصر بشكلٍ عام، لذلك لن تُضطر لابتكار استراتيجياتٍ جديدة للتعامل معها في كل مرةٍ تحدث فيها.
الانتماء والمواءمة
هناك طرقٌ تجعل الشخص الذي تتشاجر معه -سواء كان صديقاً أو أحد أفراد العائلة- يشعر وكأنك لا تزال في صفّه حتى لو كنت لا تتفق معه. إذا استطعت الاستفادة من هذا الأمر واستخدمته في الوقت المناسب، فقد تمنع تطوّر الخلاف إلى درجةٍ يصعبُ عندها إصلاح الأمور.
عليك أن تجعل الطرف الآخر يشعر بانتمائك إليه؛ بمعنى أنك تدعمه أو تدعم وجهة نظره حول نقاط الخلاف، وينطوي ذلك على صياغة ما ستقوله مسبقاً حتى يفهمه الطرف الآخر بطريقةٍ أفضل ويكون رد الفعل عليه أقلّ حدةً. على سبيل المثال؛ عندما تقول للطرف الآخر متسائلاً: «لقد زرت فرنسا سابقاً، أليس كذلك؟»، فإنك تدعوه بشكلٍ ما إلى مشاركة تجربته، ولو جزئياً عندما سيردّ عليك بقول «صحيح» كجوابٍ لسؤالك.
كما يمكن أن يشمل ذلك «التصنيف»، أو الطريقة التي نتحدّث بها عن الآخرين بنعتهم بصورةٍ نمطية معينة. على سبيل المثال؛ إذا قللت من قيمة الشخص المقابل بقول شيءٍ من قبيل «النساء هنّ من يقلن مثل هذا الكلام» أو «حسناً أيها الأحمق»، فإنك تخاطر بإثارة رد فعلٍ على الإهانة، وليس على الفعل المهين المضمّن فيما تقوله.
الشيء الآخر الذي يمكن توقعه في أي نقاشٍ هو المواءمة، أو السير قدماً مع اتجاه النقاش؛ كأن تقبل طلب الطرف الآخر أو ترفضه. قد يحدث العكس -أي عدم المواءمة- عند تجاهل طلب الطرف الآخر.
في الواقع؛ ترتبط المواءمة بشكلٍ أكبر بكيفية تسلسل النقاش وتطوّره إلى خلافٍ بمرور الوقت. إن طلب التوضيح؛ مثل قولنا «ماذا تعني» أو «هل تقصد» أو «أعد ما قلته ثانيةً» أو «اشرح أكثر»...، أو الادّعاء بأنه أسيء فهمك يمكن أن يصوّر المشاكل على أنها أخطاءٌ يمكن إصلاحها بدلاً من تصوير المشكلة على أنها تهجّمٌ أو فشلٌ أخلاقي، كما يمكن للفكاهة تخفيف الاحتقان ونزع فتيل التصعيد أيضاً.
كيف يمكن أن تكون الخلافات صحية؟
عليك التفكير بكيفية استخدام تلك التكتيكاتٍ والتوقيت الأنسب لذلك أثناء سير الخلاف للحيلولة دون تطوّره في وقتٍ مبكّر والمحافظة على الهدوء، فإذا تطوّر الخلاف وزاد التوتر كثيراً، فقد ينظر الطرف الآخر إلى ردودك تلك من خلال منظور الخلاف الناشب بينكما. في مثل هذه الحالات؛ يمكن أن يبدو المزاح على أنه ازدراء للطرف الآخر مثلاً، وسيبدو ادعاء سوء الفهم وكأنه استهزاءٌ وينطوي على سوء النية.
قد يتطوّر الخلاف إلى درجةٍ كبيرة وتصعب السيطرة عليه، كما لو أن الخلاف هو الذي بات يتحكّم بأفعالنا ولسنا نحن من نتحكم به، ويعود السبب في جزءٍ منه إلى أننا قد ننجرف في خضّم الخلاف دون أن نشعر وندرك الأثر الذي قد تتركه حقاً. في الواقع؛ تتدخّل هويتنا في الخلافات لدرجةٍ تبدو أنها تهددنا وتهدد قيمنا الأخلاقية.
قد يظهر ذلك بشكلٍ أوضح في الخلافات مع أفراد العائلة الذين تهمنا آراؤهم غالباً أكثر من آراء الأصدقاء أو الزملاء على سبيل المثال. من المفيد دائماً التوقف والتفكير في سبب الخلاف الحقيقي، وما إذا كان ما تقوله يتوافق مع أهدافك أو إذا كان اتخاذ موقفٍ ما تجاه من تختلف معه يستحق كل ذلك.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.