الاحتفال هو إحدى أعظم الأشياء التي نعبّر فيها عن إنسانيتنا، فالاجتماع مع الأحباء لمشاركة القصص والطعام والضحك معهم كان شيئاً مهماً نقوم به منذ أكثر من 100 ألف عام؛ لكن احتفالاتنا في العصر الحديث باتت مقترنةً بأكياس الطعام المهدور والزهور التالفة والأشياء التي تُستخدم لمرّة واحدة؛ ما جعل حفلاتنا كابوساً بيئياً حقيقياً.
مع ذلك؛ ليس من الضروري أن يكون الأمر على هذا النحو. يمكننا -من خلال استخدام بعض الحيل البسيطة التي يقدمها مخططو الحفلات المستدامة حول العالم- أن نجعل حفلة الشواء أو حفل الزفاف أو اجتماع الأسرة حدثاً يساهم بفاعلية في مستقبلٍ أكثر استدامةً. نعرض هنا بعض الحيل التي يمكن أن تجعل أي احتفالٍ؛ صغيراً كان أم كبيراً، احتفالاً صديقاً للبيئة والأرض أيضاً.
فكّر في قائمة الطعام
يُعد الطعام إحدى أهم عناصر الاستدامة وأكثرها إثارةً للجدل، ويرجع ذلك جزئياً إلى ميل الناس إلى الوقوع في دوامة إهداره. بالرغم من أن رمي الأطعمة غير المُستهلكة أو بقايا الطعام القديمة أمرٌ مؤسفٌ كتصرّفٍ فردي؛ لكن الحفلات تترك وراءها الكثير من المخلفات والمواد المهدورة، وتزيد الطين بلّة.
أفضل طريقةٍ للحرص على استدامة الطعام الذي تقدمه في الحفلات -سواء كان جاهزاً من المطعم أو تحضّره بنفسك في المنزل- هو تقليل مقدار الطعام الذي تقدمه لكلّ ضيف. تقول «إيلين هوكلي هاريسون»؛ كبيرة مسؤولي الفعّاليات في شركة تخطيط المناسبات المُستدامة «غريتر غود إيفينتز» ومقرها نيوجيرسي: «يقوم متعهدو الطعام في بعض الحفلات الرسمية بتحضير عدّة وجباتٍ لكلّ ضيف على افتراض أن كلّ واحدٍ منهم قد يتناول أكثر من وجبة، طبقاً جانبياً، وحلوى».
سواء كنت تقدّم الطعام لكلّ ضيف أو أعددت بوفيهاً مفتوحاً؛ فكّر في تقديم كميةٍ أكثر واقعيةً من الطعام، بحيث يكون كافياً للجميع ويحصل على فردٍ على القليل من المقبّلات، بالإضافة إلى طبقٍ رئيسي لذيذ، فبالرغم من أن جميعنا يحب الطعام؛ لكن لا يمكننا تناول كميةٍ كبيرة منه تجعلنا نمرض وتمنعنا من الاستمتاع بالحفل.
وبالإضافة إلى ذلك؛ من المهم أن تكون الأطعمة التي نختارها مستدامةً أيضاً، وفي هذا الصدد؛ تقترح إيلين تقليل استهلاك اللحوم والاعتماد على الأطعمة الموسمية وشراءها من الباعة المحليين، بدلاً من شراء أطعمةٍ مستوردةٍ من مناطق بعيدة من العالم. تشير إيلين إلى أن اتخاذ مثل هذه الخطوات من شأنه تمكين المجتمع المحيط بك أيضاً.
وبغض النظر عن اهتمامك الشديد بتنظيم قائمة الضيوف واختيار الأطعمة، فمن المحتمل أن يبقى هناك فائضٌ من الطعام بعد الحفلة. أول شيء يجب أن تفكر فيما ستفعله بفائض الطعام هذا هو التبرع به للمجتمع؛ من خلال الشراكة مع الملاجئ المحلية أو بنوك الطعام.
إذا لم تتمكّن من القيام بذلك، فالخيار التالي المفضل هو صنع سمادٍ منها. تقول إيليلن: «رغم أن الكومبوست الذي يُصنع من الأطعمة الفائضة ليس مثالياً؛ إلا أنه يبقى أفضل شكلٍ من أشكال القمامة. على الأقل؛ سيضمن نقل بقايا طعامك إلى منشأة تصنيع سماد الكومبوست (يمكنك البحث عبر الانترنت لمعرفة كيفية القيام بذلك) عدم انبعاث غازات الدفيئة منها في مكبّ النفايات في النهاية».
أزهار أكثر استدامةً
في الواقع؛ من الصعب تخيل حفلات الزفاف والتخرج والاحتفالات الدينية بدون أزهار؛ لكن الحقيقة القاسية أنها مثل الطعام؛ تطلق غاز الميثان عندما تتحلل بعد رميها؛ لكنها على النقيض من الطعام؛ تخدم أغراضاً جماليةً فقط.
ليس بالضرورة أن تقول وداعاً لفكرة الأزهار الملونة ذات الرائحة المميزة التي تزين حفلة عيد ميلادك أو حفل استقبال المولود الجديد؛ ولكن يمكنك استخدامها بذكاء أكثر. تقول إيلين في هذا الصدد: «احرص على أن تخدم الأزهار أغراضاً متعددة. على سبيل المثال؛ يمكن إعادة استخدام أزهار قوس حفل الزفاف كباقاتٍ على الطاولات، أو استخدامها كخلفيةٍ لأخذ الصور أو كهديةٍ لمناسبات أخرى».
تقترح إيلين أيضاً التبرّع بها للمستشفيات ودور رعاية المسنين كي يدوم جمالها لفترةٍ أطول تتجاوز حفلتك. وفي هذا السياق؛ تسمح بعض الشركات مثل «بلومز يو رينت»، للعرسان الجدد بإعادة استخدام الباقات لأكثر من مناسبة سعيدة. وعموماً؛ إذا لم تتمكن بعض الأزهار من تأخذ فرصةً ثانية لإظهار جمالها، فالأفضل تحويلها إلى سمادٍ زراعي.
لا تستخدم الأطباق والأكواب التي تُستخدم لمرة واحدة
تُسهل هذه الأدوات التي يمكن التخلّص منها عملية التنظيف بعد الحفلات؛ ولكنها تؤذي كوكبنا بشدة على المدى الطويل، لذلك قد يكون عليك قضاء المزيد من الوقت في غسل الأطباق؛ إلا أنها بالتأكيد الطريقة الأكثر صداقةً للبيئة للاحتفال، بالإضافة إلى أنها تقلل التكاليف بشكلٍ كبير.
تقول «صوفيا راتكوفيتش»؛ مؤسسة شركة «زيرو ويست» لاستشارات الاستدامة ومقرها لوس أنجلوس: «عليك التفكير بطرقٍ مختلفة. عندما تشتري أشياء يمكن التخلّص منها، فإنك ترمي أموالك فعلاً، فبدلاً من الاستثمار في شراء أكواب الستايروفوم؛ ابحث عن صفقاتٍ جيدة مثل شراء أطباقٍ مستعملة فريدة من متاجر التوفير، أو متاجر -إتسي- للأشياء القديمة والمستعملة ومنزلية الصنع عبر الإنترنت؛ حيث يمكنك الاستفادة منها أيضاً بتقديمها كهدايا رائعة في بعض الأحيان.
وفي حين لا يمكن الاستفادة من الأطباق الورقية إلا في شيءٍ وحيد في حفلتك؛ يمكن للأطباق القابلة لإعادة الاستخدام أن تُصبح ذكرى جميلةً في خزانة صديقك. يمكنك أيضاً أن تطلب من الأصدقاء والعائلة إحضار أكوابهم وأطباقهم الخاصة معهم (بهذه الطريقة؛ لن تشرب من كأس شراب صديقك بالخطأ، وسيكون كلّ فردٍ مسؤولاً عن تنظيف الأدوات الخاصة به).
تقول «ميغان جونز»؛ خبيرة التحضير للمناسبات التي تعمل مع معهد المناسبات المُستدامة في أستراليا: «إذا كان لا بد من استخدام أدوات المائدة التي تُستخدم لمرةٍ واحدة، فمن المهم معرفة ما يمكن إعادة تدويره بالفعل، فحسب المكان الذي تعيش فيه؛ قد لا تكون بعض هذه المنتجات قابلةً لإعادة التدوير، لذا تحقّق من هذا الأمر من خلال زيارة موقع البلدية، أو استخدام بعض التطبيقات مثل «ريسايكل كوتش» قبل شراء كميةٍ كبيرةٍ من معدات المائدة، فقد لا تكون مدرجةً على قائمة المواد القابلة لإعادة التدوير». تضيف قائلةً: «تتطلّب الاستدامة في الوقت الحاضر بذل القليل من الجهد. إن التفكير بما ستصبح عليه أدواتك بعد استخدامها سيجعل من حفلتك مستدامةً وصديقةً للبيئة».
تحدّث مع ضيوفك عن الاستدامة
تقول جونز: «عندما يحضر شخصٌ ما حفلة لأحد أصدقائه أو معارفه، سيشعر غالباً بالحماسة والسعادة للحديث مع أناسٍ آخرين ومشاركتهم قصصهم. بصفتك المضيف؛ من المرجّح أنك بذلت الكثير من الجهد لخلق بيئةٍ ترحيبية بالضيوف، لذلك؛ وبمجرّد أن تتأكد من جميع عناصر التقليل من النفايات تعمل بفعالية أثناء الحفلة، يمكنك تثقيف ضيوفك حولها وكيفية القيام بذلك، والفوائد التي ستعود على المجتمع والبيئة».
على سبيل المثال؛ عندما يتناول أحد الضيوف طعاماً مُستداماً، يمكنك شرح مدى أهمية شراء المنتجات المحلية والابتعاد عن الأطعمة المستوردة من مكانٍ بعيد. أو إذا كان منزلك يعتمد على الطاقة المتجددة في الإنارة، أخبر الضيوف حول كيف أصبحت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أرخص، وكيف بات استخدامها في المنزل أسهل.
تقول راتكوفيتش: «تُعتبر الاحتفالات فرصةً لإلهام الأشخاص لاتخاذ إجراءاتٍ نحو إحداث تغيير إيجابي. لذلك؛ وسواء كان الاحتفال ضخماً مثل مهرجانٍ موسيقي، أو مجرّد تجمّع صغير في المنزل، فمن المرجّح أن يفكّر الضيوف بإيجابيةٍ في الاستدامة عند الحديث عنها في أجواء تسودها البهجة والفرح؛ خصوصاً بعد يومٍ عملٍ شاقّ».
وبجانب التخطيط ليصبح حفلك مستداماً؛ لا بأس بأن تترك انطباعاً قوياً لدى ضيوفك حول الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه الحياة المستدامة بالفعل، ففي نهاية المطاف؛سيتذكر الضيوف حفلك المستدام لفترةٍ طويلة أكثر مما لو كان حفلاً عادياً اعتمدت فيه على عناصر غير مستدامة.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً