في أربعينيات القرن الماضي، عاد الآلاف من جنود الحرب العالمية الثانية مصابين إلى منازلهم. ونتيجة الإحباط الناتج عن الصعوبات التي اضطروا إلى مواجهتها يومياً، قدّم جاك فيشير من كالامازو، ميشيغان، طلباً إلى لجنة مدينته لتجربة إدخال منحدر الرصيف؛ وهو منحدر صغير يصل بين الرصيف والشارع، إذ تخفض حافة الرصيف لتصل إلى مستوى الشارع في بعض زوايا المربعات السكنيّة في المدينة.
بلّغ فيشير بعد عدة شهور من تجربة المشروع عن استمتاع الجميع بالمنحدرات الصغيرة، حتى الذين لا يحتاجون الكرسي المتحرك: فقد استفاد المسنّون الذين يستخدمون العكاز، والآباء الذين يدفعون أبناءهم بالعربات، والأطفال الذين يلعبون أيضاً من الهضبات الاصطناعية. وأصبحت هذه المنحدرات الصغيرة الآن جزءاً لا يتجزأ من الطرق المخصصة للمشاة في الولايات المتحدة. كما نتج عنها مفهوم جديد في التصميم: "تأثير المنحدر"؛ والذي يشير إلى حقيقة أن دعم المجموعات المهمشة من الناس، غالباً ما يخدم شرائح أكبر من المجتمع. وتظهر الدراسات واحدة تلو الأخرى، أن تطبيق هذا المعيار، سواء في تصميم المرافق أو الاستثمار في سلامة المجتمع أو سنّ القوانين الجديدة، من شأنه أن يدفعنا نحو الارتقاء.
الصور الإيضاحية: لغة العين
يحلل الدماغ الصور أسرع من الحروف، وذلك على الأرجح لأن ظهور الأبجديات لم يكن سوى قبل بضعة آلاف من السنين. ولهذا السبب فإن الرسوم الإيضاحية؛ وهي الرسوم المعبرة عن كلمة أو جملة، هي أداة شائعة الاستخدام لتساعد المصابين بمشاكل عقلية. ولكنها تسهل الطريق بالنسبة لأي مسافر مبصر. يستطيع الإنسان تمييز الصور خلال 13 جزءاً من الثانية، أما بالنسبة للكلمات، فإنها تتطلب نحو 300 جزءاً من الثانية. ولا يقدّر معظمنا السرعة التي نميّز خلالها أقرب مخرج طوارئ في متجر ما، أو قدرتنا على تحديد الوقت المناسب لعبور أي شارع مزدحم، حتى وإن لم نكن نتكلم اللغة المحليّة.
جهاز القراءة: تلقّي الرسالة
في عام 1976، كشف عالم التكنولوجيا راي كورزويل عن جهاز لمساعدة ذوي الإعاقات البصرية والمصابين بالعمى، وذلك من خلال تحويل الصور إلى نصوص ثم تلاوتها بصوت عالٍ، وأسماه بكل بساطة: "جهاز القراءة". جمع الجهاز العديد من الأدوات الجديدة التي طوّرتها شركته، ومن بينها أولى أجهزة تحويل النصوص إلى كلام محكي، والتي تطوّرت لتصبح جزءاً أساسياً في أدوات المساعدة الافتراضية، مثل أليكسا من أمازون ومساعد جوجل؛ وهي أجهزة النطق الذكية التي أصبح صوتها مسموعاً في 25% من المنازل في الولايات المتحدة الأميركية. كما شمل الجهاز عنصراً يساهم في الرؤية الحاسوبية، وهو ما يسمى بـ "التعرف الضوئي على الحروف"؛ إذ يساهم من خلال تحديد إشارات الطرق وأرقام المنازل في بناء الخرائط التي تعتمد عليها السيارات ذاتية القيادة في تجوالها.
مقابض بشكل الذراع: فتح أبواب جديدة
تشكل قبضات الأبواب العادية عائقاً بالنسبة لمعظم الناس. فعلى سبيل المثال، إن القبضات الكروية صعبة الفتح بالنسبة لمن يعانون من التهاب المفاصل، وبعضنا لا يملك أيدي في الأصل لتمسك قبضة. في عام 1990، عندما تم تشريع قانون الأميركيين ذوي الإعاقة، صار ممنوعاً أن تتطلب الأبواب في الأماكن العامة أكثر من اثنان كيلو من العزم لتفتح، وينبغي أن تكون قابلة للفتح بيد واحدة. وذلك يعني غالباً أن تتم إضافة الخيارات الآلية للفتح، أو أنواعاً أعرض من المقابض يمكن للناس فتحها دون الحاجة إلى تحريك يدهم (أو حتى رفع أحد أصابعهم، إذ يمكن فتح هذه الأبواب باستخدام الورك أو الكوع).
زادت قواعد التنظيم هذه سهولة الحركة لدعم المصابين بإعاقة حركية، وهم يشكلون نسبة واحد من بين كل سبعة أميركيين. ولكنها ساعدت أيضاً الكبار في السن والصغار، ومن يحمل أغراضاً بكلتا يديه. كما تساعد طرق الدخول والخروج التي لا تتطلب اللمس، على منع انتشار الجراثيم.
النص المكتوب: فهم الحديث
في عام 1980، أطلقت سلسلة متاجر (سيرز) أول تلفاز مزوّد بجهاز فك شيفرات، يسمح للمشاهدين ذوي الإعاقات السمعية أو ضعاف السمع بقراءة حوارات برامجهم المفضلة خلال المشاهدة. إذ لم تكن متاحة قبل ذلك سوى الترجمة التي يدخلها المنتجون ضمن الصورة، وتظهر بشكل تلقائي. وفي تسعينيات القرن الماضي، أصبحت النصوص واسعة الانتشار عندما أتاحت الأقراص المدمجة وخدمات المشاهدة عبر النت إمكانية تشغيل النصوص المكتوبة أو إيقافها. وجدت إحصائية أجريت عام 2006، أن نسبة 20% فقط من مستخدمي خدمة الترجمة، كانوا يعانون من مشاكل سمعية. ومعظم مستخدمي خدمة الترجمة حاليّاً هم ممن يشاهدون المباريات الرياضية في الحانات المزدحمة، ومن لا يرغبون بإيقاظ أطفالهم، أو بهدف تعلم لغة جديدة، أو لفهم لكنة للغة محلية.
اقرأ أيضاً: مثنى سرطاوي: هكذا تطورت عمليات الركبة لتصل إلى الطباعة ثلاثية الأبعاد
العمل عن بعد: الموازنة ما بين العمل والحياة
في عام 1979، زوّدت شركة (آي بي إم) منازل خمسة من موظفيها بأجهزة حاسوب، بهدف الحد من الازدحام على الحاسوب الرئيسي للشركة، ما دعم مجال العمل عن بعد. كما أن تطوير الحواسيب الشخصية الصغيرة قليلة التكلفة جعل من نهاية عصر المكاتب أمراً قابلاً للتحقيق. وفي عام 1983، كان عدد موظفي شركة (آي بي إم) الذين يعملون من المنزل 2000 موظفاً، أي ما يعادل نسبة 40% من العدد الإجمالي لموظفي الشركة، والذي يبلغ 386,000 موظفاً، كانوا يعملون عن بعد.
تسمح ظروف العمل المرنة هذه بإعادة الأطفال من المدرسة، أو اصطحاب الأقارب المسنين إلى زيارات الطبيب. كما أن المكتب المنزلي يخفف الأعباء ويجعل التنقل سهلاً ويزيد من إنتاجية العمل، بالنسبة لذوي الإعاقات أو الإصابات. أظهرت جائحة كوفيد-19 أن العديد من الأشخاص قادرين على إنجاز عملهم دون حتى أن يخلعوا قمصان النوم: في ربيع عام 2020، كان 33% من الموظفين الأميريكيين على الأقل يعملون من منازلهم، مع مراقبة بعض الشركات للاتفاقيات طويلة الأمد، وذلك بهدف التخفيف من عدد الموظفين في المكاتب ومن خطر انتقال الأمراض.
تصميم المساحة الصماء: الحفاظ على الهدوء
هنالك ما يزيد عن 150 عنصراً تصميمياً يجعل المكاتب والمؤسسات العامة أكثر ملائمة لمن يعانون من الصعوبات السمعية. ويعود الفضل بوجود هذه التعديلات إلى المساحة الصماء؛ وهو مشروع تصميم عالميّ من المهندس "هانسيل باومان" وجامعة "غالاوديت"؛ مؤسسة التعليم العالي الوحيدة في العالم المخصصة لمن يعانون من مشاكل في السمع أو فقدان له. أحد الأهداف المرجوّة من هذه التعديلات هو تقليل الضوضاء المحيطة المشتتة للانتباه، والتي قد تؤثر سلباً على استخدام البعض لقدراتهم السمعية المحدودة أو إدراك الاهتزازات، كما قد تشوه الأصوات المسموعة عبر أدوات المساعدة السمعية. ويستطيع المصممون، لتحقيق ذلك، أن يضيفوا المواد العازلة مثل المطاط أو النباتات الطحلبية في أساس البناء لتخفيف الصدى. تساعد هذه الأساليب الطلاب والعاملين على التركيز، من خلال منع الضوضاء والأحاديث من الانتقال في أجواء الغرفة.
اقرأ أيضاً: التقنيات المساعدة ودورها في كسر حاجز الإعاقة الجسدية
طرق الدراجات: مشاركة الشارع
تمتد الطرق في الولايات المتحدة على 6.43 مليون كيلومتر، وفي عام 2018، تضمن 550 منها فقط مساراً محمياً للدراجات مفصولاً عن المسارات المزدحمة بحواجز مادية، مثل المصدّات البلاستيكية أو الحواجز الثانوية. ويسعى الناشطون لتكون كل الطرق كذلك. يقل احتمال تعرض راكبي الدراجات للأذى خلال رحلاتهم، بنسبة 28% عند حمايتهم من السيارات. وتشير العديد من الإحصائيات المحليّة، ومنها واحدة عن المتنقلين في منطقة خليج سان فرانسيسكو، إلى أن سائقي السيارات يفضلون ذلك أيضاً: فهم يشعرون بأمان أكبر عندما يكون لسائقي الدراجات مكانهم المخصص، كما يقل عدد العجلات التي يواجهها المشاة على الأرصفة. وافترض العلماء أن المسارات المحميّة قد تساهم في تقليل عدد حوادث السير، لأن المساحات الضيقة تدفع السائقين إلى الحذر، وذلك وفقاً لدراسة في صحيفة "النقل والصحة".