منذ حوالي 4.5 مليار سنة، تجمعت كمية هائلة من الغبار الناتج عن النجوم لتشكل كرةً منصهرة أصبحت فيما بعد الأرض. ومنذ ذلك الوقت، برد سطح الكوكب وتعرّض للكثير من التغيرات، فتشكّلت الجبال والوديان. نشأت الحياة وتطورت، وعاشت أجيال عديدة وماتت وعادت إلى الأرض. لقد شكّل تاريخ سطح الأرض الغني هذا تربة الحديقة في منزلك ومزرعتك.
يكمن سر مستقبل تربة حديقتك في ماضي هذه الأرض. فالصخور البركانية، مثل البيرلايت والخفّاف تمنع التربة من التكتّل، وتضيف بقايا النباتات والحيوانات المتحللة العناصر الغذائية لها، بينما تشكّل السيليكا الجزء الأكبر من التربة، وتكون على شكل رملٍ وطين. وبالطبع، غيّر الإنسان الأرض التي نقف عليها بشكل لا رجعة فيه، وأحياناً كانت النتائج كارثية.
الحاضر مهم أيضاً، لكن من غير المرجّح أن تغيّر المسار الجيولوجي للكوكب من خلال ما تفعله في حديقتك الخلفية. ومع ذلك، هناك بعض الطرق التي يمكن من خلالها حتى لصغار المزارعين التأكد من أنهم لا يتسببون بأي ضرر حقيقي للتربة.
حلل تربة الحديقة
يجب أن تحلل التربة قبل إضافة الأسمدة أو الأسبرين أو اليوريا أو أي شيءٍ آخر تشتريه، لمعرفة ما تحتويه من عناصر غذائية ولتساعدك في تحديد ما تحتاج إليه تربتك بالفعل. على سبيل المثال، يمكن أن يكون روث الحيوانات قلوياً بعض الشيء، لذلك قد تختار شيئاً مختلفة إذا كانت تربتك قلوية بالفعل وكانت نباتاتك غير قادرةٍ على العيش في بيئةٍ شديدة القلوية.
في الولايات المتحدة، يمكنك تحليل التربة لدى خدمات الإرشاد الزراعي (وفي العالم العربي أيضاً). لدى معظم جامعات الأرض الممنوحة العامة مكتبٌ لتقديم هذه الخدمات، حيث يضم مجموعة من الخبراء المتخصصين في مجال تطبيق العلوم على أرض الواقع، خصوصاً في مجال الزراعة، ولكن تقدم خدماتها أيضاً للأنشطة الزراعية المنزلية، مثل اختبار التربة. لذلك ابحث عن خدمة الإرشاد المحلية لمعرفة ما إذا كان لديهم مُختبر لتحليل التربة لمعرفة درجة حموضتها وما تحويه من عناصر غذائية ودرجة ملوحتها ومحتوى المادة العضوية فيها وحتى ما إذا كانت ملوثةً بالرصاص.
إضافة الأسمدة
يستهلك إنتاج الأسمدة الصناعية طاقةً كبيرة وينتج عنها غاز أكسيد النيتروس أو أكسيد النيتروجين الثنائي، وهو أحد غازات الدفيئة، وتفوق قدرته على حبس الحرارة قدرة غاز ثاني أكسيد الكربون بـ 300 مرة. عندما تمطر، يمكن للعناصر الغذائية التي يضيفها السماد الصناعي أن تتسرب من التربة إلى المسطحات المائية، مما يشجّع على نمو الطحالب التي تكون سامةً في بعض الأحيان. وتستهلك هذه الطحالب والأشنيات معظم الأكسجين من الماء، مما يتسبب بخلق مناطق ميتة لا تستطيع الكائنات البحرية الأخرى العيش فيها. في الواقع، لقد ساهمت الأسمدة الزراعية بتوفير الغذاء لمليارات الأشخاص، ولكن قد لا تحتاج إلى أيٍّ منها لتزدهر حديقتك، خصوصاً إذا كنت تستخدم الأسمدة الطبيعية مثل روث الحيوانات.
تقترح ميغان بالكس، عالمة التربة والبيئة التي تشارك في إدارة شركة مسح نيوزيلندية جديدة تُدعى «إيرث برووك فيوز» (Earthbrooke Views) وتعمل كزميل باحث في جامعة وايكاتو، تقترح استخدام مخلفّات محاصيل النباتات البقولية، نظراً لأن النباتات البقولية تمتّص النيتروجين وتخزنه بشكلٍ طبيعي في أجزائها. إذا وجدت حاجةً لإضافة الأسمدة الكيماوية، فحدد الكمية التي تحتاجها التربة بناءً على تحليل التربة كي لا تبالغ بإضافتها.
على سبيل المثال، إذا كانت التربة حمضية جداً، يمكنك إضافة الكلس (الحجر الجيري) لجعلها أكثر قلوية. وعموماً، تتكيف النباتات المحلية بشكلٍ أفضل في حديقتك، لذلك من غير المرجح أن تحتاج إلى الأسمدة.
اقرأ أيضاً: الطحالب الاصطناعية قد تساهم في إنقاذ المحيطات
شراء تربة الحديقة الزراعية
بالرغم من أن استعمال تربة حديقتك في الأصص قد يبدو الخيار الأسهل والأفضل بالنسبة للبيئة، إلا أنه قد لا يكون صالحاً عملياً للزراعة. إذ غالباً ما ستكون تربة الحديقة ثقيلة وكتيمة لا توفّر تصريفاً جيداً للماء بالنظر إلى أنها محصورة داخل أصيص. الحل الأسهل في هذه الحالة هو شراء أكياس التربة المخصصة للزراعة في الأصص، حيث تحتوي على عناصر غذائية مفصلةٍ بوضوح على الكيس. من المرجّح أن تحتوي هذه التربة على مواد عضوية- كائناتٍ حية في الطور الأخير من التحلل.
تقول «ستيفاني مورفي»، والتي تدير مختبر أبحاث التربة في محطة التجارب الزراعية في نيوجيرسي بجامعة روتجرز: «هذه التربة صالحةٌ جداً لزراعة الأصص». ستحتاج لاستبدال التربة مرة على الأقل كل عدة سنوات، ولكن معظم مزارعي النباتات المنزلية يقومون بذلك فعلاً.
إذا كنت تفضّل تجنّب التلوّث التي تتسبب به الشاحنة التي تقوم بنقل التربة من أماكن بعيدة، يمكنك التحقق إذا ما كان هناك مرافق محلية لصنع التربة العضوية (الكومبوست)، كما يمكنك صنعها بنفسك. يمكنك إضافة الصخور البركانية خفيفة الوزن مثل البيرلايت أو الخفّاف لتحسين تصريف الماء في التربة، خصوصاً عند زراعة النباتات العصارية التي تفضل التربة الجافة أكثر. ولكن، ووفقاً لمورفي، إذا أسرفت في تخفيف التربة، فقد تتجمع المياه حول قاعدة نباتاتك المنزلية بدلاً من استقرارها حول الجذور.
بالرغم من أن معظم المكونات الموجودة في تربة الأصص أو الحديقة لها تأثير ضئيل على النظم البيئية للكوكب، إلا أن الخث يمثل مشكلة. يتكون الخث من تحلّل الطحالب ونباتات المستنقعات وغيرها من المواد العضوية التي تنمو في المناطق الرطبة، ويُعتبر بيئةٍ مثالية لنمو العديد من النباتات نظراً لأنها تحافظ على الرطوبة والأوكسجين دون أن تكون مشبعةً بالماء. لكن أثره على البيئة كبيرٌ جداً إلى درجةٍ دفعت منظماتٍ مثل جمعية لندن للبستنة لعدم استخدامه. ووفقاً للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، فإنه بالرغم من أن المستنقعات التي يُستخرج منها الخث لا تشكّل سوى 4% من سطح الأرض، إلا أنها تخزّن 42% من كربون التربة في العالم. لذلك فإن استخراج الخثّ يزيل أفضل حوضٍ للكربون على كوكب الأرض، واستخدامه ليس طريقةً مستدامة لتنمية حديقتك أو نباتاتك المنزلية.
على المدى القصير، قد يحتاج تحليل تربتك ومعرفة العناصر الغذائية التي تحتاجها بذل المزيد من الجهد، ولكن هذا الجهد سيساهم بمستقبلٍ أفضل لهذا الجزء الصغير من الكوكب الذي تعتني به.