مثل الملايين من الناس؛ أعيش في شقة صغيرة وأبحث باستمرار عن طرق لخداع عقلي للاعتقاد بأنها أكبر مما هي عليه في الواقع. في بحثي، وجدت أن إحدى أفضل الطرق للقيام بذلك هي التلاعب بالإضاءة. للأسف؛ معظم الشقق مجهزةٌ بإضاءةٍ مدمجة غير جذابة تسمح لك بالتنقل في الشقة دون الاصطدام بالأشياء؛ ولكن ليس لها أية فائدة جمالية. لحسن الحظ، فإن تحسين الإضاءة لا يتطلب مصابيحَ ذكيةً أو معداتٍ متخصصةً - لا تحتاج سوى فهم بعض المبادئ الأساسية المتعلقة بالإضاءة.
ما هو نوع الإضاءة التي تجعل المساحة الصغيرة تبدو أكبر؟
يزيد التباين بين الضوء والظلام مع المسافة -مهما كانت صغيرةً- الإحساس بالعمق. هذه الظاهرة هي نوعٌ من الخداع البصري، وهذا ما هو مثبت في هذه الدراسة. في التجربة، أدت إضافة مصدر ضوءٍ متباينٍ في منتصف ممرين متشابهين إلى جعل المشاركين يتصورون الأشياء غير المضاءة بشكل متساوٍ في الممر على أنها أبعد مما هي عليه في الواقع.
أي نوعٍ من الإضاءة يقلل إحساسك بالمساحة؟
يمكن للإضاءة متساوية الشدة وذات اللون الواحد أن تجعلك تشعر بضيق المكان. المثال الأكثر شيوعاً للضوء المتساوي في المنازل السكنية هو المصابيح المحدبة (سبوت) القوية التي توضع في منتصف السقف. تُصدر وحدة الإنارة هذه توهجاً متساوي الشدة نسبياً على الأرضية والجدران والسقف؛ ما يقلل التباين بينها. قد يكون هذا النوع من الإضاءة مثالياً للبحث عن البقع على الطلاء وإصلاحها؛ لكنه سيئ للتأكيد على المسافة بين الجدران.
قانون التربيع العكسي
قبل أن تحاول الاستفادة من الضوء في إضفاء مزيدٍ من الإحساس بالمساحة، يجب أن تفهم المبدأ الذي يقوم عليه هذا العمل؛ وهو قانون التربيع العكسي. هناك معادلة لحساب قيمة التربيع العكسي؛ ولكن لن ندخل هنا في الحساب، نحتاج فقط إلى فهم المبدأ: تنخفض شدة الضوء بمقدار النصف كلما تضاعفت المسافة من المصدر. بلغةٍ أبسط؛ عندما تنظر إلى شخص يقف أمام جدار، يظهر الجدار أقرب عندما يضيء مصباح ساطع بعيد، كلاً من الشخص والجدار بنفس الشدة - وهو نفس تأثير ضوء منتصف السقف (السبوت). إذا استبدلت هذا المصباح بمصباح معلّق منخفض أقل سطوعاً وأقرب إليهما، فإن تباين الضوء بين الشخص والجدار سيزيد من المسافة المُتصورة بينهما. ميزة أخرى للمصباح المعلق هي أن السقف لا يتلقى سوى إضاءة خافتة؛ ما يجعل الجدران تبدو أعلى.
بالطبع؛ حتى إذا كنت تحتاج تبايناً معيناً بين هذا الشخص والجدار لزيادة الإحساس بالمسافة، فأنت لا تريد أن يضيء وسط الغرفة فقط. من شأن ذلك أن يغرق جدرانك في ظلام دامس؛ ما يجعل منزلك يبدو وكأنه منزلٌ «مسكون». بدلاً من ذلك؛ يجب أن تضيء أطراف غرفتك. ومع ذلك، فإن الغرف الصغيرة ذات الجدران المضاءة جيداً تلفت الانتباه إلى مدى ضيقها ببساطة، لذلك أنت بحاجة إلى تحديد حدود غرفتك بوضوح؛ ولكن مع تجنّب التأكيد عليها. ستعمل المصابيح منخفضة الشدة والموضوعة بجوار الحائط مباشرةً على تجنب مشكلة المنزل المسكون؛ حيث سيسمح المصباح الأرضي أو مصباح الطاولة عند وضعه في مكانٍ مناسب بإضاءة الجدار، بينما يسمح بانعكاس ضوءٍ عنه يتلاشى شيئاً فشيئاً بشكل كافٍ مع ابتعاده عن الجدار؛ ما يجعل الجدار يبدو أكبر مما هو عليه في الواقع.
الآن؛ ما الذي يجب أن تضيئه في وسط الغرفة لإعطاء تباين كافٍ لإبراز العمق؟ اختر مكاناً مميزاً لتسلّط الضوء عليها في كلّ مساحةٍ في الغرفة تتطلب إضاءةً أكثر سطوعاً لإظهارها بشكلٍ أفضل عادةً. لقد كنت أعيش في شقةٍ متطاولةٍ وضيقة جداً في السابق؛ حيث كان المطبخ وغرفة الطعام والمعيشة عبارةً عن غرفة واحدة. ورغم ذلك؛ حافظت على أسطح العمل في المطبخ لطيفةً ومشرقةً، وكذلك طاولة غرفة الطعام. بالنسبة لي؛ أحب طريقة توزيع الضوء عن طريق تسليطه بشدة على سطحٍ عاكسٍ ليرتد عنه وينتشر في باقي أرجاء المكان، وتُدعى هذه الطريقة «السطح المشع» أو الطاولة الساخنة (hot tabletops)، وهي رائعة لإضاءة أسطح العمل وأي مكانٍ يتجمع فيه الناس، بحيث ينعكس الضوء عن السطح المشع ويصل إلى أي شخصٍ في المكان، وقد قمت بتوصيل اثنين من هذه الأضواء الكاشفة بالسقف لإحداث هذا التأثير في أماكنَ مختلفة.
في جميع المواقف الأخرى تقريباً، تعمل المصابيح منخفضة الشدة بشكل أفضل. بالرغم من أن الضوء شديد السطوع يخضع لقانون التربيع العكسي؛ إلا أنه لا يوفر تبايناً كافياً لأنّ شدته لا تنخفض مع المسافة بنفس القدر مقارنةً مع الضوء الأقل شدةً، لأنك بحاجة لتباين بين الضوء والظل، وليس لتباين بين ضوءٍ شديد السطوع وضوءٍ أقل سطوعاً بقليل. يعتقد الكثير أن الأماكن الساطعة أكثر ستبدو أكبر دائماً؛ ولكن أي شخصٍ كان في المسرح عند إعادة تشغيل الإضاءة بعد انتهاء العرض يعلم أنها فكرةٌ خاطئة. سيكون هناك دائماً ضوء ساطع زائد، وعليك تعلّم كيفية التعامل معه.
كيف تتعامل مع ضوء الشمس
تُعتبر الشمس أكثر مصادر الضوء سطوعاً وأبعدها، ويجب على أي منا التعامل مع ضوئها يومياً. لحسن الحظ؛ لدينا ستائر. يمكن اعتبار أي شيءٍ يمكنه نشر ضوءٍ قوي وبعيد مصدراً للضوء بحد ذاته، وينتشر ضوء الشمس المباشر بنفس الشدة في أي مكانٍ يصل إليه؛ ولكن بمجرد أن يسقط على الستائر أو ينعكس عنها، تبدأ شدة الضوء المتناثر عنها أو الذي يخترقها بالتلاشي، ويخفت الضوء مع المسافة - تماماً مثل أي مصدر ضوءٍ آخر. ضوء الشمس شديد لدرجة أنه يمكن أن ينعكس ويتناثر عدة مرات في الغرفة ويظل ساطعاً بما فيه الكفاية للمساهمة في شكل الإضاءة النهائية للغرفة.
باستثناء أسطح العمل؛ يجب أن يكون أي ضوء عالي الكثافة- مثل ضوء الشمس- في الغرفة متناثراً وغير مباشر من خلال الستائر؛ إذ أن الأضواء القوية والمباشرة تخلق ظلالاً حادة الحواف ومزعجةً. عليك توجيه مصادر الضوء القوية إلى الزوايا ونحو الأسقف أو الجدران لتخفيف شدتها مع تناثرها في أرجاء الغرفة.
حدد المساحات بدرجة حرارة اللون
يمكنك أيضاً إنشاء مساحات مميزة داخل الغرفة باستخدام عدة مصادر للضوء بدرجات حرارة لونية مختلفة؛ أي استخدام أضواء دافئة وباردة ومحايدة. يعزز الضوء المُزرّق (به مسحةٌ من الضوء الأزرق) الأكثر برودةً، الانتباه واليقظة لأنه يشبه ضوء الشمس أكثر، ومناسب لمناطق العمل. تعمل وظيفة تقليل الضوء ليلاً أو تطبيقات حماية العين من الأشعة الضارة؛ مثل تطبيق «F.lux»، على الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر بنفس المبدأ؛ حيث تجعل ألوان الشاشة أكثر دفئاً بعد غروب الشمس. عادةً ما تُسوق المصابيح الزرقاء على أن ضوءها «أبيض بارد». الألوان الأكثر دفئاً والأكثر احمراراً أكثر ملاءمةً لمساحات الاسترخاء، فكلما كان الضوء أكثر احمراراً، قل تأثيره على إيقاع ساعتك البيولوجية، وأصبح من الأسهل عليك النوم بعد التعرض له. بالنسبة للأماكن التي تخدم أغراضاً متعددة؛ مثل وجود مكتبٍ للدراسة أو العمل في زاوية غرفة النوم، فيمكنك استخدام شرائط إضاءة «الليد» (LED) التي تغير درجة حرارة اللون لتكييف الضوء حسب الموقف.
بالنسبة لغرفتي الكبيرة التي تضم غرفة المعيشة وتناول الطعام والمطبخ؛ كانت لديّ أضواء باردة على أسطح عمل المطبخ، وإضاءة دافئة على طاولة الطعام، والإضاءة الأكثر دفئاً كانت في منطقة المعيشة. في الواقع؛ من خلال استعمال مصادر الضوء بألوان مختلفة استطعت تحديد المساحات المختلفة في غرفتي الكبيرة؛ ولكن ذلك جعلني أشعر بالنعاس أكثر بمجرد اقترابي من غرفة النوم، لذلك أنصح بعدم خلط ألوانٍ مختلفة الحرارة في منطقةٍ واحدة فذلك يبدو سيئاً من الناحية التقنية.
لحسن الحظ؛ لا تزال الحيل البصرية تخدع العين حتى عندما تعرف مبدأ عملها. باستخدام هذه المبادئ الأساسية؛ يمكنك الآن خداع عقلك لتشعر بأن منزلك أكبر مما هو عليه في الواقع.