طرأت الكثير من التغيرات خلال السنة الماضية، لذلك فإنه من الطبيعي ألا تكون ذكرياتك واضحةً عن أهم المخاوف في بداية الجائحة. مع ذلك؛ ففي فترة بداية الجائحة، كانت إحدى المخاوف الأساسية هي الدور الذي تساهم به الأسطح في انتقال الفيروس.
بصفتي عالم أوبئة؛ فإنني أذكر قضاء ساعات في الإجابة على طلبات وسائل التواصل الاجتماعي، والأسئلة حول ما إذا كان علينا غسل الطعام المعلّب وتعقيم المشتريات أم لا. كما أذكر رؤية مجموعات من الناس في الشارع ينظفون المقاعد العامة، ويمسحون الأعمدة في جميع الأوقات.
ولكن، وبعد مضي أكثر من 12 شهراً منذ انتشار الجائحة، إلى ماذا تشير الأدلة فعلياً حول قابلية الأسطح لنقل الفيروس؟
قبل التوغل في هذا الموضوع، علينا تحديد السؤال الذي نرغب في معرفة إجابته. السؤال الرئيسي ليس ما إذا كان النقل السطحي ممكناً، أو ما إذا كان يمكن أن يحدث في العالم الحقيقي؛ فمن المؤكد أنه يمكن ذلك، ولكن السؤال الأساسي هو: إلى أي مدىً تساعد الأسطح على انتقال الفيروس؟ وما هو احتمال الإصابة بكوفيد-19 عن طريق الأسطح مقارنةً بالطرق الأخرى لانتقال العدوى؟
الأدلة قليلة
لا توجد الكثير من الأدلة على أن انتشار العدوى على الأسطح هي طريقة شائعة لانتقال فيروس كورونا، ينتشر فيروس كورونا بالشكل الأساسيّ عن طريق الهواء؛ إما عبر القطرات الصغيرة المسمّاة «الرذاذ»، أو قطرات المياه الأكبر حجماً، ونلاحظ أن توضيح الدور الذي تلعبه هاتان الطريقتان في انتقال العدوى، هو على الأغلب أمر أكثر تشويقاً وأهميةً من منظور الصحة العامة.
نُشرت إحدى أفضل المقالات المتعلقة بانتقال العدوى عن طريق الأسطح، في صحيفة «لانسيت للأمراض المعدية»، في شهر يوليو/ تموز عام 2020، وكان كاتبها هو بروفيسور علم الأحياء الدقيقة الأميركي «إيمانويل غولدمان».
وكما شرح الأمر؛ كان أحد أكثر المحفزات للإدراك المبالغ فيه لمخاطر انتقال العدوى عبر الأسطح، هو نشر عدد من الدراسات التي تثبت بقاء الجزيئات الفيروسية على أسطح مختلفة لمدة طويلة من الزمن، وعلى الأرجح أن تكون قد قرأت إحدى هذه الدراسات بسبب الترويج العالمي الهائل الموجه لها. أذكر إجراء عدد كبير من المقابلات التي اضطررت أن أشرح خلالها المعنى الحقيقي لهذه الاستنتاجات، وكما شرحت الأمر عندئذ؛ فإن هذه الدراسات قد لا تنطبق على العالم الحقيقي عموماً، وكانت التصريحات الإعلامية المصاحبة لهذه الأخبار تميل إلى التضخيم من أهمية هذه الاكتشافات في بعض الأحيان.
تكمن المشكلة الأساسية في القاعدة العامة؛ إذ تنص على أن الوقت اللازم لموت مجموعة من الأحياء الدقيقة، يتناسب طردياً مع حجم هذه المجموعة؛ مما يعني أنه بازدياد عدد الفيروسات الموجودة على سطح ما، يزداد الوقت الذي يمكن أن تجد خلاله الجزيئات الفيروسية على ذلك السطح؛ لذلك فإن عدد الفيروسات الموجودة على سطح ما، هي أحد الاعتبارات بالغة الأهمية عند تصميم التجارب المتعلقة بالصحة العامة، وتؤثر على مدى تمثيلها لما قد يحدث في الحقيقة.
إذا تمكنت من فهم ذلك، فإنه يصبح من الواضح أن عدداً كبيراً من هذه التجارب زادت من احتمالية إيجاد فيروسات حيّة؛ من خلال وضع كمية ضخمة من الفيروسات على الأسطح بشكلٍ يفوق ما نتوقع إيجاده في الواقع بشكلٍ منطقي، كما أنه تم تصميم بعض الدراسات لتطيل من حياة الجزيئات الفيروسية؛ مثلاً عن طريق تعديل مستوى الرطوبة والعزل عن الضوء الطبيعي، وعلى الرغم من عدم وجود أخطاء علمية فيها، إلا أن تفسيراتها وإسقاطاتها على أرض الواقع هي التي كانت مغلوطةً في بعض الأحيان، ونلاحظ أن نتائج الدراسات الأكثر تطابقاً مع الواقع، لم تكن مدة بقاء الفيروسات فيها مثيرةً للإعجاب؛ وذلك بالنسبة لثلاثة أنواع من فيروسات كورونا (ومن ضمنها سارس).
يجدر بنا التنويه إلى أن الدلائل التي نستند عليها لتقييم دور الأسطح في انتشار فيروس كورونا غير مباشرة؛ وذلك لأنه من غير الممكن إجراء دراسة علمية أخلاقية تثبت دور الأسطح في انتقال العدوى دون التسبب في إصابة بعض الناس عمداً، وعلى الرغم من أن السؤال واضح إلى حدٍ ما، إلا أنه من الصعب جداً تحديد الأهمية النسبية لكلٍّ من الطرق العديدة لانتقال الفيروس.
ما يجدر بنا فعله بدلاً من ذلك هو النظر إلى كل ما تشير له الدلائل التي نمتلكها؛ بما يشمل الدراسات الوصفية لحالات الانتقال؛ وعند فعل ذلك، سنجد أنه لا توجد الكثير من الأدلة التي تدعم أن للأسطح دوراً مهماً في انتقال وانتشار كوفيد-19.
يمكننا توفير الكثير من الوقت والمال
علينا أخذ مخاطر التعرّض لفيروس كورونا من خلال كل الطرق المختلفة لانتقال الفيروس بعين الاعتبار؛ ولهذا السبب يجدر بنا توجيه طاقتنا ومواردنا المحدودة بالاتجاه الصحيح.
نحن لا ننفي خطورة الانتقال عن طريق الأسطح في كل الأحيان، أو ندعو إلى تجاهلها، ولكن علينا الاعتراف بأن الخطر الذي تشكله هذه الطريقة صغير نسبياً، وبإمكاننا تقليص هذا الخطر الصغير نسبياً من خلال الاستمرار بالتركيز على نظافة اليدين، والتأكد من توافق آلية التنظيف مع خطر الانتقال عبر الأسطح.
وقد نتمكن عند ذلك من توفير ملايين الدولارات التي يتم إنفاقها على إجراءات التنظيف المبالغ فيه؛ لأنها لا تقدّم أيّ منفعة تقريباً، ويتم تطبيقها بشكلٍ منفرد؛ بسبب سهولة تنفيذها، ولأنها تقدم نوعاً من الاطمئنان لكوننا نفعل شيء ما؛ أي أنها تخلصنا من الشعور بالقلق لا أكثر.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً