يرغب معظم الناس في أن يكونوا أكثر سعادةً؛ لكن ليس من السهل دائماً معرفة كيفية تحقيق هذا الهدف. ما هو سر السعادة؟ هل هناك معادلة للسعادة؟ في الواقع؛ اقتُرحت العديد من الطرق لذلك؛ مثل الحصول على قسط كافٍ من النوم وممارسة الرياضة والتأمل ومساعدة الآخرين وقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء. بشكلٍ عام؛ كل تلك الأشياء مرتبطة بالسعادة؛ ولكنها ليست الحل المناسب بالنسبة للجميع.
السعادة مفهومٌ معقّد حقاً؛ إذ يمكن أن تتغير بسرعة وتختلف من شخصٍ لآخر بطرقٍ لا يفهمها العلماء. نحاول في بحثنا المستمر فهم هذه الخصوصية والوصول إلى رؤيةٍ أكثر اكتمالاً لماهيّة وسر السعادة.
يمكن أن تخبرنا الاستطلاعات القليل فقط عن السعادة؛ وذلك عن طريق طرح بعض الأسئلة حول ما يشعر به الناس بشكلٍ عام؛ لكننا لا نعلم ما كانوا يفعلونه قبل بضع دقائق من ملء الاستبيان رغم أننا نعلم أن ذلك قد يكون مهماً لفهم ردودهم.
لذلك لجأنا إلى الهواتف الذكية التي يستخدمها المليارات من الناس طوال الوقت تقريباً. غالباً ما يعتقد الناس أن الهواتف الذكية لا تجلب السعادة؛ لكن الكثير منا يستمتع بالألعاب الشهيرة مثل «كاندي كراش» و«فورتنايت» على أجهزتنا. إن فهم كيفية تغيّر مشاعرنا أثناء اللعب يمكن أن يوفّر لنا فرصةً أفضل لجمع معلومات مفصلة عن تعقيدات مفهوم السعادة.
أطلقنا مؤخراً تطبيقاً للهواتف الذكية يمكن تحميله مجاناً يُدعى «ذي هابينس بروجكت». يتيح لك التطبيق -في أقل من 5 دقائق- لعب واحدة من 4 ألعاب للتعرّف على أبحاث السعادة والمساهمة فيها. لعب آلاف الأشخاص حتى الآن عبر التطبيق، وأجابوا على سؤال «ما مدى سعادتك الآن؟» أكثر من مليون مرة.
التوقعات
حتى الآن؛ تمكّنا من اكتشاف أن التوقعات مهمة كثيراً. من خلال لعب أكثر من 18 ألف شخصٍ لإحدى ألعاب القرار البسيطة المتعددة الاحتمالات على هواتفهم، أظهرنا أن السعادة لا تعتمد على مدى الأداء الجيد؛ بل على ما إذا كان أداؤهم أفضل مما يتوقعونه.
يُظهر بحثنا كيف يمكن أن يكون رفع سقف توقعاتنا مشكلةً حقيقية. على سبيل المثال؛ من الواضح أنه ليس بالأمر الجيد أن تخبر صديقك أنه سيحبّ الهدية التي توشك على تقديمها له، فربما يخيب أمله ويصاب بالإحباط. في الواقع؛ يؤدي خفض التوقعات في اللحظة الأخيرة إلى زيادة احتمال إحداث أثرٍ إيجابي للمفاجأة.
المشكلة في استخدام هذه الحيلة لاختبار مدى سعادتك هي أن التوقعات بشأن الأحداث المستقبلية تؤثر أيضاً على السعادة، فمثلاً إذا كنت تخطط للتواصل مع صديق بعد العمل، فقد لا تكون سعيداً إذا ما ألغى موعده معك فجأة؛ لكن توقعك أن يقوم صديقك بإلغاء موعدك لن يجعلك سعيداً، وقد تكون أكثر سعادةً قليلاً طوال اليوم إذا كنت تتطلع إلى رؤيته، حتى لو كان هناك احتمال بأن لا تلتقيه.
سبب آخر يجعل من الصعب اكتشاف مدى سعادتك هو أن التوقعات مهمة حقاً لاتخاذ القرار، فإذا كنت تتوقع الأسوأ دائماً، فمن الصعب أن تتخذ قراراتٍ جيدة. عندما تسير الأمور بشكلٍ أفضل من المتوقع، فتلك معلومات يمكن لعقلك استخدامها لمراجعة توقعاتك كي تتمكن من اتخاذ قراراتٍ أفضل في المستقبل. التوقعات المنطقية هي الأفضل بشكلٍ عام، وفي الواقع؛ لقد اكتشفنا أن السعادة مرتبطةٌ ارتباطاً وثيقاً بمعرفة محيطنا.
هناك أوقات؛ مثل وقت العطلة، قد يكون فيها خفض توقعاتك فيها فكرة جيدة، ففي النهاية قد تكون توقعاتك غير واقعية بعض الشيء إذا اخترت المكان الذي ستقضي فيه عطلتك بناءً على نصيحة صديقٍ متحمس، وربما تقضي وقتاً ممتعاً أكثر إذا كنت لا تتوقع أن يسير كل شيء على أكمل وجه.
الأداة مقابل الهدف
تعلمنا درساً آخر من ألعاب الهواتف الذكية؛ وهو أن معظم الأحداث لا تؤثر على السعادة لفترةٍ طويلة. يُعرف ذلك بـ « تكيُّف المتعة»؛ والذي يحدث عندما يسعى الإنسان لتحقيق ھدفٍ معین؛ ولكن مستوى السعادة يعود إلى مستوياته العادية بعد ارتفاعه مع تحقيق الهدف. ربما تعتقد أن لديك مشكلةً ما إذا لم تشعر بالسعادة بشكلٍ دائم؛ لكن السعادة المحدودة بوقتٍ معين هو تكيّف يساعد عقلك على التكيّف مع ظروفك حتى تكون مستعداً لاتخاذ الخطوة التالية. في البيئات غير المؤكدة؛ سواء بيئة الألعاب أو بيئة الحياة الواقعية، غالباً لا يكون هناك علاقةٌ بين ما حدث قبل دقائق وبين المهمة التي تقوم بها حالياً.
طبيعة السعادة المؤقتة تعني أنه من الأفضل أن نفكّر في السعادة بطريقة مختلفة. السعادة هي أداة وليست هدفاً في حد ذاتها، ويمكن أن يساعدنا هذا الفهم على إدراك ما نهتم به ونقدره، ويمكن أن يخبرنا هذا ما إذا كانت الأمور تسير جيداً أم لا؛ الأمر الذي يحفّزنا على الاستمرار في اللحظات الحاسمة. عندما تنخفض سعادتنا، فقد تكون تلك علامةً على أنه يجب علينا تجربة شيء جديد.
كان لجائحة كورونا تأثير كبير على الصحة العقلية. لم يكن فهم السعادة والرفاهية بهذه الأهمية الكبيرة في السابق، ولا نعلم لماذا يظل بعض الناس مستائين لفترة أطول من غيرهم، بينما يبقى بعض الناس سعداء أكثر، ولا نعلم سبب كون عدم اليقين مجهداً حقاً للبعض دون غيرهم.
ألعابنا تهدف إلى معرفة سر السعادة والرفاهية. ترّكز كل لعبة من الألعاب الأربع على أشياء يشير العلماء إليها على أنها مهمة لتحقيق السعادة: عدم اليقين، التفكير في المستقبل، التعلّم والجهد. في إحدى الألعاب على سبيل المثال؛ يمكنك استخدام معلوماتٍ حول المستقبل لاتخاذ قرارات مختلفة اعتماداً على ما إذا ترى الأمور تسير نحو الأفضل أو الأسوأ، وفي لعبة أخرى، تكون أنت فيها الصياد، وتقرر كمّ الجهد الذي تحتاجه كي تتقن عملية الصيد. من خلال السؤال عن مدى سعادتك أثناء اللعب بهذه الألعاب؛ يمكننا معرفة العوامل التي تؤثّر في سعادة كلّ شخص.
آلاف الأشخاص الذين يلعبون الألعاب الموجودة في تطبيقنا سيساعدون العلماء على كتابة معادلات لفهم سر السعادة. لن تكون هناك أبداً وصفةٌ واحدة للسعادة؛ ولكن يمكن للعلم أن يساعد في تفسير العوامل المختلفة التي تؤثّر في سعادة كلّ منا.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً