يعتبر تصنيع منتجات اللحوم الذي لا يتطلب ذبح الحيوانات، أمراً صعباً. هناك الكثير من الأدلة التي تبين أن تصنيع المنتجات الحيوانية له آثار وخيمة على الكوكب. وبالنسبة للأشخاص الذين يحبون تناول برغر لحم البقر أو قطع الدجاج المقلي والذين لا يمكنهم تحمّل دعم طرق إنتاج اللحم المثيرة للجدل غالباً، هناك العديد من الخيارات البديلة. ولا يبدو أن البدائل المصنوعة من التوفو ترضي عشاق اللحوم تماماً.
أحد الحلول التي بحث فيها قطاع إنتاج اللحوم والعديد من العلماء هو إنتاج اللحوم المصنّعة في المختبرات. أي استخلاص الخلايا من الحيوانات وإنماؤها بشكل معزول في الظروف المخبرية. إذاً، ستحتوي قطع الدجاج المقلية المصنوعة من اللحوم المنتجة مخبرياً على خلايا الدجاج الحقيقية ولا توجد حاجة لقتل الدجاج لتحضيرها. تم إنتاج هذه الأطعمة المُصنّعة مخبرياً بالفعل، إذ تمت الموافقة على بيع لحم الدجاج الاصطناعي الذي تنتجه شركة إيت جَست (Eat Just) الناشئة، ومقرها ولاية كاليفورنيا في سنغافورة في 2020، وطوّرت شركة أفانت ميتس (Avant Meats)، ومقرها مدينة هونغ كونغ حوصلات الأسماك القابلة للأكل مخبرياً.
إنتاج لحوم بقرية مخبرياً
لكن المنتج الأهم الذي يحاول العلماء تصنيعه في المختبر هو لحم البقر. يشتهر إنتاج لحم البقر ببصمته الكربونية الكبيرة، فضلاً عن صعوبة إعادة تصنيعه مخبرياً من الخلايا المستزرعة. ابتكر عالم هولندي في عام 2013 أول برغر لحم بقري يتم إنتاجه في المختبر. لكن المشكلة أن هذه الوجبة تم بيعها مقابل 330 ألف دولار أميركي. على عكس الطيور والأسماك، تعتبر معالجة خلايا الثدييات أكثر صعوبة وتكلفة بكثير.
تقول كاسيا غورا (Kasia Gora)، عالمة الأحياء الاصطناعية والمؤسسة المشاركة لشركة اللحوم المستزرعة ساي فاي فودز (SCiFi Foods): "يمثل إنتاج لحم البقر تحدياً، لأن مزارع خلايا الثدييات مرتفعة التكلفة للغاية". تشرح غورا قائلة إنه حالياً، تعد شركات الأدوية الحيوية المطوّرة الأساسية لخلايا الثدييات المخبرية على نطاق واسع. يعتبر هذا المجال البحثي ضرورياً في المرحلة المبكرة من الإنتاج الصيدلاني، لكن العملية مكلفة. تقول غورا: "تعتبر العملية ناجحة للغاية إذا كان بالإمكان تقاضي مليون دولار لكل غرام واحد من المنتج"، وتضيف: "لكن الطعام يجب أن يكون رخيصاً".
مع ذلك، أحرزت غورا مع فريق شركة ساي فاي فودز (والتي كانت تدعى أرتيميس فودز (Artemys Foods) من قبل) تقدّماً كبيراً في هذا المجال. إذ أنتج الفريق خلايا بقرية يمكن أن تخفض تكلفة لحم البقر المصنّع مخبرياً بألف مرة. وفقاً لغورا، فإن السر هو المزج بين مزارع المعلّقات وحيدة الخلية وتكنولوجيا كريسبر للتعديل الوراثي.
عادةً ما يحتاج العلماء عند إنماء الخلايا المستزرعة إلى تثبيت الخلايا على شيء ما لتبدأ بالنمو. تقول ليز سبيكت (Liz Specht)، نائبة رئيس العلوم والتكنولوجيا في معهد غود فوود (Good Food)، وهي مؤسسة غير ربحية تركّز على دعم إنتاج البروتين البديل: "تفضّل معظم الخلايا الحيوانية النمو ملتصقة بسطح صلب يحاكي الظروف التي تكون فيها في جسم الحيوان"، وتضيف: "لكن عند إنماء الخلايا على نطاق واسع، تصبح الخلايا الملتصقة مشكلة لأنها ستحتاج إلى مساحات كبيرة لتنمو فيها. تخيل كم يجب أن تكون مساحة سطوح أطباق الاستزراع لإنتاج كميات كبيرة من اللحم نظراً لرقة طبقات الخلايا".
تستخدم الشركات لحل هذه المشكلة عادة حبات صغيرة لتلتصق عليها الخلايا. لكن تقول سبيكت إنه مع ازدياد كتلة الخلايا، يمكن أن تصبح هذه الحبوب كبيرة، ما يجعلها تصطدم بكتل الخلايا الأخرى وتتلفها. وجد فريق سبيكت أن إنماء الخلايا في المعلّقات وحيدة الخلية هي الطريقة الأكثر كفاءة. تتضمن هذه الطريقة إنماء الخلايا بجعلها تطفو بنفسها كما تطفو الخميرة في أوعية تصنيع الجعة. دون استخدام الحبوب أو الأسطح الأخرى، تنخفض تكلفة الإنتاج وترتفع الكفاءة.
المعلقات وحيدة الخلية
أحرزت غورا وفريقها تقدماً كبيراً باستخدام طريقة المعلقات وحيدة الخلية، ما مكنّهم من إنتاج لحم بقري مماثل تقريباً للحم الطبيعي. يمكن للعلماء باستخدام تكنولوجيا كريسبر كاس 9 تثبيط وظائف مورثات معينة أو استبدالها بمورثات غير طافرة لجعل ظروف المعلقات وحيدة الخلايا مناسبة لإنماء الخلايا الحيوانية. تضيف غورا قائلة إن الفريق يستطيع بعد ذلك وضع الخلايا في المفاعلات الحيوية (وهي أوعية مصممة لإنماء الأحياء في ظروف يتم التحكّم بها)، ما يجعل زيادة الإنتاج أمراً بسيطاً.
مع ذلك، فإن هناك فرقاً كبيراً بين منتج شركة ساي فاي فودز ولحم برغر المختبر الهولندي مرتفع التكلفة، إذ إنه سيتم استخدام الخلايا التي تستزرعها هذه الشركة كمكونات لتحضير شرائح البرغر النباتية بدلاً من الشرائح الاعتيادية. لذلك تقول غورا إنه بدلاً من تحضير شرائح برغر لحم البقر التي تماثل تلك التقليدية، فاستخدام بنية البرغر النباتي سيحقق أفضل ما في الخيارين بنفس الوقت.
إذ تقول: "بشكل أساسي، تحل هذه الاستراتيجية مشكلة تكلفة اللحوم المستزرعة ومشكلة طعم اللحوم النباتية". تقدّر الشركة أن سعر كل شريحة برغر من الدفعة التجريبية سيبلغ نحو 10 دولارات. لكن سيستغرق وصول هذا المنتج إلى متاجر البقالة عدة سنين، خصوصاً أن إدارة الغذاء والدواء لم توافق بعد على بيع منتجات مثله للمستهلكين.
مخاوف حول اللحوم المستزرعة
كما هو الحال مع عمليات تطوير المنتجات البديلة للحوم، هناك مخاوف محقّة حول مستقبل اللحوم المُصنّعة من الخلايا المستزرعة. نشرت شركة ذا كاونتر (The Counter) تقريراً معمّقاً حول القضايا الأساسية غير المحسومة والمتعلقة بإنتاج اللحوم مخبرياً مثل إمكانية توسيع نطاق هذه المشاريع واحتمالية انتقال بعض الفيروسات التي قد تكون مضرة من الخلايا الحية إلى المزارع أو جدوى استزراع بعض أنواع الخلايا دون جمع الأمصال الجنينية البقرية من الأبقار المذبوحة. يحاجج بعض العلماء بأن الآثار المناخية السلبية لإنتاج اللحوم مخبرياً أكبر من آثار إنتاجه بالطرق التقليدية.
عبّر بعض العلماء أيضاً عن مخاوف من أن اللحوم المستزرعة لا تغيّر طريقة تفكيرنا حول نظام إنتاج الغذاء غير المستدام والسائد حالياً. كتب باحثون من جامعة دوك وجامعة جونز هوبكنز في مقال نشر في صحيفة الغارديان (the Guardian): "إذا كانت الزراعة الخلوية ستمثّل نظاماً أفضل من ذلك الذي ستستبدله، فسيكون النقّاد على حق، إذ إن النظام الجديد يجب أن ينمو بطريقة لا تعكس تبعات الإنتاج على العمال والمستهلكين والبيئة".
على الرغم من أن هناك الكثير من النواحي التي يجب تحسينها في مجال البحث والإنتاج، فإن عصر اللحوم المصنّعة مخبرياً أو المحضرة من الخلايا المستزرعة يقترب بسرعة.