كيف تحارب الفيروسات في المنزل دون أن تزيد مقاومة البكتيريا؟

4 دقائق

من المفهوم أن فيروس كورونا (سارس-كوف-2) -المسؤول عن الجائحة الحالية- ما يزال يشغل بالنا إلى حدٍ كبير. ولكن حتى في الظروف الصحية العالمية الطارئة حالياً، علينا ألا ننسى وجود عددٍ لا يُحصى من الميكروبات التي تحيط بنا في كل مكان.

لا تُعد جميع أنواع الميكروبات سيئة، فأجسامنا تحمل داخلها الكثير منها، ولا يمكننا العيش بدونها. لكن العديد من الميكروبات الممرضة طوّرت قدرتها على مقاومة الأدوية المُستخدمة لعلاجها. ففي الولايات المتحدة لوحدها، تظهر كل عام حوالي 2.8 مليون حالة مرضية مقاومة للمضادات الحيوية، وتنتهي أكثر من 35 ألف حالة منها بالوفاة. في الواقع، يمكن أن يصبح خطر هذه الميكروبات أكبر إذا لم نكن حذرين بشأن مواد التنظيف والتعقيم التي نستخدمها حالياً لمكافحة فيروس كورونا.

تقول «إريكا هارتمان»، عالمة الأحياء الدقيقة البيئية في جامعة «نورث وسترن»: «تُعد الميكروبات الممرضة المقاومة للمضادات الحيوية أحد أكبر التحديات الصحية العالمية حالياً. من المهم أن ننتهز هذه المناسبة لإجراء تقييمٍ نقدي لطرق التنظيف والتعقيم التي نقوم بها».

كيف تطوّر الميكروبات مقاومتها للمضادات الحيوية؟

للقضاء على فيروس كورونا، لست بحاجة لاستعمال أكثر من الماء والصابون، أو استخدام بعض المحاليل الكحولية أو المنظفات المطهرة. تقتل هذه المواد العديد من أنواع الميكروبات من خلال تحطيم جدار الخلية البكتيري.

لكن العديد من المنظفات والمطهرات المنزلية الشائعة تحوي بعض المكونات الإضافية، مثل المضادات الحيوية ومضادات الميكروبات. حيث تقوم بعض الشركات بإضافة هذه المكونات إلى منتجاتها المنظفة لزيادة فعالية المنتج، لكنها فعالة ضد بعض أنواع البكتيريا والفطريات فقط. وذلك يعني أن هذه المواد الكيماوية ليست عديمة الفائدة ضد فيروس كورونا فقط (وجميع الفيروسات الأخرى أيضاً)، بل يمكنها أن تتسبب في زيادة مقاومة أنواع أخرى من الجراثيم أو مسببات الأمراض.

يمكن أن تقوم المضادات الحيوية بعملها إذا استخدمت في السياق الصحيح (على سبيل المثال، من قِبل الطبيب الذي يعالج الإصابة بالعدوى البكتيرية)، وذلك عن طريق إيقاف عمل الميكروبات عبر تعطيل إحدى آلياتها الخلوية الحيوية. في الواقع، أدى استخدام المضادات الحيوية -منذ اكتشافها قبل قرنٍ من الزمن- إلى انخفاضٍ غير مسبوق في الأمراض المعدية في جميع أنحاء العالم.

لكن البكتريا والفطريات مجموعات متكيّفة إلى حدٍ كبير. قد تقضي موجة من المضادات الحيوية على معظمها، لكن ستبقى الميكروبات ذات الطفرات الجينية التي تجعلها مقاومة لها وستتكاثر من جديد، ما يخلق جيلاً جديداً منها يصعب معالجته بالمضادات الحيوية. كلما زاد عدد مستخدمي المضادات الحيوية -وكلما زاد استخدامها بشكلٍ غير صحيح-؛ زادت مقاومة البكتيريا، وأصبح من الصعب أكثر معالجتها.

يقول هارتمان: «عندما تجد مضادات الميكروبات غير الضرورية طريقها إلى منتجات التنظيف والمطهرات، تحصل هذه الميكروبات على فرصة أخرى للتكيّف. تُرش هذه السوائل القوية بشكل حر على كافة الأسطح في المنزل وتستمر لفترة طويلة، لكنها وبعد أن تفقد فعاليتها، تعود البكتيريا لتجد موطئ قدمٍ وتتكاثر مجدداً وتصبح أكثر شراسة».

وهنا تزداد المخاطر. يقول هارتمان: «القلق الأكبر هو أن تلك الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية مُعدية، فإذا وصلت هذه العوامل الممرضة المقاومة للأدوية إلى جسم الانسان، فإنها ستتسبب بمرضٍ يصعب علاجه». (يُعد مرضى كوفيد-19 أكثر عرضة للاصابة بالعدوى البكتيرية، مما قد يجعل المرض أشد وقعاً).

حتى البكتيريا الحميدة المقاومة للأدوية يمكن أن تسبب مشاكل في المستقبل. يقول هارتمان: «إذا اختلطت هذه الميكروبات مع سلالات أو أنواع أخرى تسبب المرض، فقد ينتهي بها الأمر إلى تبادل المواد الوراثية التي تحمل مقاومتها لأنواعٍ أخرى من البكتيريا غير الحميدة».

لا تُعتبر منتجات التنظيف المزودة بمضادات الميكروبات الجاني الوحيد الذي يمكن أن يزيد من مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية. فقد عُثر على هذه المركبات في مجموعةٍ كبيرة من المنتجات الشائعة. وبشكلٍ عام، ليس لها هذا الأثر الكبير في تعزيز خصائص التعقيم في المنتجات الموجودة فيها. الصابون مثلاً، مادة جيدة بالفعل في محاربة الميكروبات، وهو ببساطة لا يحتاج إلى مواد كيميائية إضافية للقيام بعمله.

تقول «أريانجيلا كوزيك»، عالمة الأحياء الدقيقة في جامعة ميشيغان: «قد يكون هناك تصور بأنه إذا كانت المواد الكيميائية قوية حقاً، فذلك لابد وأن يعني أن فعاليتها أفضل، وهذا ليس هو الحال بالضرورة، فاستخدام المواد الكيميائية في تنظيف كل شيء لن يحل المشكلة».

يوصي هارتمان بالانتباه أكثر للملصقات التي تقول إن هذا المنتج «مضاد للجراثيم» أو «مضاد للميكروبات». قد لا تظهر المواد الداخلة في تركيب المنتجات بوضوح في قائمة المكونات. تقدم بعض مواقع الإنترنت، مثل موقع «جرين ساينس بوليسي انستيتيوت»، بعض الإرشادات حول كيفية اكتشافها.

تمسّك بالمواد الأساسية

تقول كوزيك: «هناك الكثير من المنتجات التي تحمل علامات تجارية تستغل مخاوف الناس بشأن الجائحة الحالية. بدلاً من الاندفاع وشراء مثل هذه المنتجات، علينا أن نثق في المركبات المألوفة والآمنة التي اعتدنا على استعمالها طويلاً. أي أن علينا التمسك بالمنتجات العادية والأساسية مثل الصابون والكحول، وفي بعض الحالات، منتجات الكلور فقط».

على سبيل المثال، للقضاء على فيروس كورونا، استعمل الماء والصابون، وهو كاف لقتله وإزالته من على الأسطح. يمكنك رشّ أو مسح الأسطح بمحلولٍ مطهر يحتوي على 70% من الكحول على الأقل. كما يمكن استخدام محاليل الكلور المُخففة أيضاً، رغم أن هارتمان وكوزيك لا يشجعان على استعمالها نظراً لأنها تسبب تهيّج الجلد، وتضر المجاري التنفسية (إذا كنت تستعملها بالفعل، حافظ على وجود تهوية جيدة في الغرف، واحرص على عدم مزجها مع منتجات التنظيف الأخرى).

يقول هارتمان: «في حين أن الميكروبات يمكن أن تطور مقاومة للعقاقير التي تستهدف آليةٍ خلوية معينة لديها للقضاء عليها، لكن لا ينطبق هذا الأمر على الصابون والكحول والكلور التي تقضي على الفيروسات والبكتيريا بطرقٍ فيزيائية وكيميائية. قد يتطلّب تطوير الميكروب مقاومة ضد المضاد الحيوي تعديلاً بسيطاً فقط على شكل البروتين لديه بحيث لا يعود للدواء أي فعالية. بينما لا يمكن للميكروب مقاومة أثر الصابون لأنّ الأمر يحتاج إلى منعه من الوصول إليه، وهو شيء مستحيل تقريباً».

يوصي هارتمان بتركيز عمليات التنظيف والتعقيم على الأسطح التي كثيراً ما نلمسها، مثل مقابض الأبواب وصنابير المياه، ومكابس المرحاض لوقف انتشار العوامل الممرضة. يصبح هذا الأمر أكثر أهمية إذا كان أحد أفراد الأسرة مصاباً بفيروس كورونا، حيث من المحتمل أن ينقل الفيروس لباقي أفراد العائلة عبر تلك الأسطح. ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فلا يوجد «سبب يدعو إلى الهوس بالتنظيف والتعقيم إلى حدٍّ كبير»؛ كما يقول هارتمان.

لقد أدرك العلماء في السنوات الأخيرة أنّ الجراثيم والأوساخ البسيطة المتراكمة على الأسطح مهمة جداً لاكتساب أجسامنا المناعة أثناء طفولتنا. يمكن أن تتعرّض البكتيريا المفيدة -التي تساعد أجسامنا على العمل بشكل يومي- بشكلٍ مفرط لمركبات التنظيف. وكما يقول هارتمان: «بغض النظر عن مرض كوفيد-19، يجب اتباع الإرشادات السابقة حتى ولو لم يكن هناك جائحة».

المحتوى محمي