عندما يتعرّض شخصٌ ما للسرقة أو لمضايقاتٍ عنصريةٍ أمام أناسٍ آخرين في الشارع، فإن معظمهم يتابع سيره غير مبالين به وكأن شيئاً لم يحدث أمامهم، وفي بعض الأحيان؛ لا يتوقف أحد مطلقاً لتقديم المساعدة، وفي الواقع؛ كلما زاد عدد الأشخاص المتواجدين في مكان الحدث، قل احتمال تدخّل أحدهم؛ وهي ظاهرةٌ تُعرف باسم «تأثير المتفرج». في الحقيقة؛ تجاهل شخصٍ ما يتعرّض للخطر هو غريزة نفسية؛ ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن إنسانيتك ماتت، وأنه مقدَّر عليك الوقوف متفرجاً أثناء حدوث جريمةٍ أمامك. إليك الطريقة التي يمكن أن تصبح من خلالها متفرجاً أفضل، وتقوم بمساعدة شخص في ورطة.
لماذا يُضعف تأثير المتفرّج شجاعتك؟
هناك عدة أسبابٍ تدفع الناس لتجاهل الجريمة التي تحدث أمامهم؛ أهمها شعور المرء بمسؤوليةٍ أقلّ عن التدخّل عندما يكون الآخرين حولهم، لأنهم يفترضون أن شخصاً ما سيتدخل ويحاول معالجة ما يحدث؛ ولكن نظراً لأن معظم المتفرجين ينتابهم هذا الشعور، فقد لا يتدخّل أحدٌ، ولا تحظى الضحية بأية مساعدة، وبالمثل؛ إذا لم يَرى أحد المتفرجين أحداً يتدخّل لمساعدة الضحية، فقد يفترض أن السبب في ذلك هو أن هذه الضحية لا تحتاج بالفعل إلى مساعدة؛ وفقاً لما يقوله «إرفين ستوب»؛ الأستاذ الفخري في علم النفس بجامعة ماساتشوستس، ومؤلّف كتاب «جذور الخير ومقاومة الشر».
قد يكون الخوف في بعض الأحيان هو السبب في وقوف الناس متفرجين. يقول ستوب: «يشعر الناس بعدم الارتياح إذا ما تدخلوا بوجود أشخاصٍ آخرين، ولشعورهم بأنهم قد يرتكبون أي خطأ غير مقصود»، فقد يشعرون بالحرج إذا ما أخطأوا في تقدير الموقف، أو إذا لم يقدم تدخلهم أية فائدة.
وبالمثل؛ قد لا يتدخل الناس لأنهم يخشون أن يحمّلهم شخصٌ ما المسؤولية عن الموقف برمّته. تقول «ستيفاني بريستون»؛ أستاذة علم النفس في جامعة ميشيغان في هذا الصدد أيضاً: «قد يخشون أن يستدير الجاني إليهم ويهاجمهم؛ سواء كان ما يشاهدونه جريمةً عنيفةً، أو مجرّد تحرّش لفظي».
كما يؤثر السياق المحيط بالمشهد كثيراً على قرار المتفرجين بالتدخل، وتقديم المساعدة من عدمها. تقول بريستون: «يصبح المتفرجون -سواء النساء أو الرجال- أكثر عرضةً للتدخل ومساعدة الضحية إذا كانت الأغلبية من الناس من النساء، ومن المرجّح أيضاً أن يستجيب الشخص المتفرّج إذا كان محاطاً بأصدقائه بدلاً من الغرباء؛ حيث تقلّ مخاوف المارّة في مثل هذه الحالات».
وبالرغم من أن العوامل الاجتماعية تشكّل جزءاً كبيراً من تأثير المتفرّج؛ إلا أن شخصيات المتفرجين تلعب دوراً مهماً أيضاً. يقول ستوب في هذا الصدد: «يُعتبر المارّة الذين يهتمون أكثر بالآخرين أكثر عرضةً للتدخل»، ويقول «فرانك فارلي»؛ أستاذ الدراسات النفسية في التعليم بجامعة تمبل والرئيس السابق لجمعية علم النفس الأميركية، بدوره: «نظراً لأن مواجهة المجرمين تنطوي على المخاطرة، فمن المرجّح أن يتدخّل الأشخاص الذين يحبون المجازفة والباحثون عن الإثارة. مهما كانت شدّة تأثير المتفرّج على الناس، فهناك عوامل عديدة تؤثّر في موقف الأشخاص في النهاية».
استعد مسبقاً لمساعدة شخص في ورطة
لا يمكنك توقع رد فعلك عندما يسرق شخص ما حقيبة يد شخصٍ آخر أمام عينيك؛ ولكن يمكنك التدريب لتكون متفرجاً إيجابياً ونشطاً. يقول ستوب: «إن مجرّد فهم تأثير المتفرّج عليك يزيد من احتمال تدخلّك، والمساعدة في الحالات الطارئة».
إن التدرّب على أن تكون متفرجاً نشطاً من خلال القيام بفعلٍ ما في السيناريوهات منخفضة المخاطر، يمكن أن جعلك جاهزاً للتدخل عندما تشاهد جريمةً أمامك. يقول ستوب: «يتعلّم الناس من خلال أفعالهم، ويتغيرون نتيجةٍ لها». على سبيل المثال؛ إذا انتقدت أفعال أصدقائك أو زملاء العمل عندما يتصرفون بوقاحةٍ مع الآخرين، فقد يصبح من الأسهل عليك التدخل عندما ترى شخصاً غريباً يتعرّض للمضايقة.
توصي بريستون بالتدرّب على قول عباراتٍ معينة تٌشعر بالراحة عند استخدامها عندما ترى شخصاً يتعرّض للهجوم، وتقول: «من المفيد حقاً التدرب مسبقاً على صياغة عبارةٍ تعتقد أنها ستنقل الرسالة إلى المهاجم؛ ولكن بطريقةٍ تَشعر بأنها ستكون أكثر فائدةً من احتمال أن تتسبب بالأذى». على سبيل المثال: تفضّل بريستون تجنّب أن تبدو غاضباً، وتخاطب المهاجم بعباراتٍ هادئة وودّية؛ حيث يمكن أن ينزع ذلك فتيل التوتر ويهدّئ الموقف.
عندما تشاهد هجوماً عنصرياً أو أي نوعٍ من المضايقات اللفظية، فإن تهدئة الموقف وخفض التصعيد هو الحل. تنصح الشبكة الأيرلندية لمناهضة العنصرية بالتحدّث مع الضحية وتجاهل المهاجم، أو انتقاده بطريقةٍ مهذبة إذا كنت تعتقد أن ذلك لن يصعّد الموقف، استمر في التحدث مع الضحية حتى يتوقف المعتدي، ثم ساعدها للوصول إلى مكانٍ آمن.
إذا كنت ترغب في التدرب على يد الخبراء، يمكنك العثور على الكثير من الدورات التدريبية حول ذلك على الإنترنت، على سبيل المثال؛ تقدم «هولاباك»؛ وهي منظمةٌ غير ربحية تهدف لإنهاء جميع أشكال التحرّش، تدريباً مجانياً على تدخّل المتفرج في مجموعةٍ متنوعة من السيناريوهات، كما تقدّم شركة تدريب الموظفين "تراليانت" أيضاً دورةً مستقلة لمدة 25 دقيقة، تهدف لتدريب الموظفين على مكافحة التحرّش والتمييز في أماكن العمل، وئقد تعثر أيضاً على فصولٍ تدريبية تستضيفها المنظمات المجتمعية المحلية.
التدخل في الموقف الآن
قد تعرّض نفسك لخطر الإصابة الجسدية والعاطفية إذا تدخلت لإيقاف جريمة تحدث أمامك. في الواقع؛ لا توجد طريقةٌ للحد من هذه المخاطر؛ ولكن من خلال تقييمك للموقف والقيام بالفعل الصحيح؛ فإنك تقلل خطر إلحاق الأذى بالجميع بما فيهم أنت والضحية والجاني.
عندما تشاهد جريمة، توقف قليلاً للتفكير، يقول ستوب: «قبل أن تسرع في المساعدة؛ تحقّق من أن هناك حاجةً حقيقيةً للتدخل، وبعد ذلك، حدد ما يحدث. إذا كان ذلك ممكناً؛ اشرح الموقف للمارة الآخرين، بمجرد القيام بذلك؛ سيكونون هم أيضاً أكثر عرضةً للتدخل، ويمكن أن تحدث هذه العملية في ثوانٍ قليلة».
يجب عليك مقاومة تأثير المتفرّج والتصرف، قد لا تكون متأكداً من أنك الشخص المناسب لتقديم المساعدة، وربما يكون هناك شخصٌ آخر أكثر تأهيلاً؛ لكن لا تدع هذه المخاوف توقفك. تقول بريستون: «التدخل بسرعةٍ بأية طريقة قد يكون أهم من الحصول على استجابةٍ مثالية».
ومع ذلك؛ لا تندفع بسرعة، ابدأ بتدخلٍ بسيط؛ مثل أن تطلب من الجاني التوقف، وإذا لم يفلح ذلك، فيمكنك التدخل جسدياً؛ حتى لو لم تكن قوياً وسريعاً كفاية لحماية الضحية، فإن أفعالك قد تشجّع أشخاصاً قد يكونون أكثر قدرةً منك على التدخل إلى جانبك، وحتى إذا لم تتمكن من إيقاف الجاني، فلن يضيع ما فعلته سُدىً، لأن الضحايا يشعرون براحةٍ أكبر إذا شعروا أن لديهم حليف أثناء الهجوم؛ كما يقول ستوب.
إذا لم تكن مرتاحاً للتدخل بشكلٍ مباشر، فلا يزال بإمكانك المساعدة، على سبيل المثال؛ يمكنك تسجيل الحادث على هاتفك لحفظ المعلومات الهامة لمساعدة الضحية لاحقاً إذا ما تقدّمت بشكوى على الجاني إلى الشرطة، يمكنك أيضاً الاتصال بالشرطة بنفسك؛ لكن احذر من أن يخطئوا تقدير الموقف والتسبب بالمزيد من الأذى، لذلك اسأل الضحية إذا ما كان يريد منك الاتصال بالشرطة قبل القيام بذلك إذا كان ذلك ممكناً، كما يمكنك بدلاً من ذلك جذب انتباه المارّة وطلب مساعدة الضحية. تقول برستون: «هناك الكثير من الأشياء التي يمكنك القيام بها قبل أن تقرر تجاهل الموقف والهروب، والتركيز على نفسك».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً