قد لا يكون النهوض من السرير في الصباح سهلاً حتى لو كنت من الأشخاص الذين يحبون الاستيقاظ في الصباح الباكر. وهذا لا يقتصر عليك؛ إذ هناك ظاهرة تحمل اسم "خمول النوم" تصف التشوش الذهني والخمول الذي يشعر به البشر بعد الاستيقاظ من النوم حتى عندما يتمكنوا من الاستيقاظ بنشاط، وهي تنطوي على أن بقايا النعاس لها تأثير ينعكس في اليوم بأكمله.
لحسن الحظ، هناك بعض الطرق البسيطة نسبياً لتعزيز مشاعر اليقظة والانتباه في الصباح الباكر. من البديهي أنه يجب أن تستبعد المشكلات الصحية التي قد تكون أخطر مثل انقطاع النّفس النومي إذا كان الاستيقاظ من النوم يمثّل تحدياً كبيراً بالنسبة لك. ويجب أن تستشير طبيبك إذا كنت تعاني النعاس المزمن. بخلاف ذلك، ستساعدك النصائح التي سنستعرضها في هذا المقال على الاستيقاظ بنشاط كافٍ لممارسة نشاطات اليوم.
اقرأ أيضاً: 5 أعراض لانقطاع التنفس في أثناء النوم وعلاجه
الحصول على قدر كافٍ من النوم
الحصول على قدر كافٍ من النوم عامل بالغ الأهمية يساعدك على الاستيقاظ في حالة من التنبّه، على الرغم من أن هذه النصيحة قد تكون مزعجة بالنسبة للكثيرين. تحدّثت مع الأستاذ المشارك في جامعة ألاسكا، الدكتور كريس يونغ، الذي يدرس النوم والساعة البيولوجية، وأوضح أن البشر يمرون بدورات من النوم مدتها 90 دقيقة وتتألف من 4 مراحل، وهي المرحلتين الأولى والثانية ومرحلة النوم العميق ومرحلة نوم حركة العين السريعة. إذا استيقظت خلال مرحلة النوم العميق، سيكون خمول النوم في أعلى مستوى له ويمكن أن يفسد صباحك حقاً.
يشير يونغ إلى أن بعض الأبحاث بيّن أن الاستيقاظ من النوم العميق يتسبب بتراجع في الوظيفة الإدراكية أكبر من ذلك الذي يتسبب به الحرمان من النوم مدة 40 ساعة. الحرمان من النوم مدة 24 ساعة يقابل بلوغ نسبة الكحول في الدم 0.1%، ما يعني أن الاستيقاظ خلال مرحلة النوم العميق ضار للغاية ويمكن أن يؤثّر على نحو بليغ في الوظائف الإدراكية. يمكن أن يستمر خمول النوم في هذه الحالة مدة تصل إلى ساعتين، ولن يكون التخلّص منه سهلاً عند الاستيقاظ في مرحلة النوم العميق. لحسن الحظ، ينخفض تأثير حالة خمول النوم كلما زادت الفترة الزمنية بين وقت الاستيقاظ ونهاية مرحلة النوم العميق.
والسؤال المهم هو كيف يمكن تجنّب الاستيقاظ خلال هذه المرحلة؟ يقترح يونغ النوم مدة 5 ساعات على الأقل خلال الليل، ولكنه أشار أيضاً إلى أن النوم مدة تقل عن 6 ساعات سيؤدي إلى تأثيرات سلبية للغاية في الجسم. يعود ذلك إلى أن المرحلة السائدة خلال النوم في النصف الأول من الليل هي مرحلة النوم العميق، بينما يسود كل من النوم الخفيف ونوم حركة العين السريعة النصف الثاني من الليل. لذلك، إذا عوّدت جسمك على المرور ببضع دورات كاملة من النوم، سيقل احتمال استيقاظك خلال مرحلة النوم العميق. هذا من الأسباب التي تجعل الخبراء يوصون بالنوم مدة 7-8 ساعات كل ليلة؛ إذ إنه يضمن أن يمر الجسم بالمزيد من دورات النوم الكاملة.
اقرأ أيضاً: 9 أمراض وحالات صحية ناتجة عن قلة النوم
الانتباه للإضاءة
بعد الاستيقاظ في الفترة المناسبة من دورة النوم، الوسيلة الأهم للاستيقاظ في حالة من التنبّه هي التعرّض للضوء. يؤدي التعرض للضوء إلى تثبيط هرمون النوم الميلاتونين، ما ينبّه الجسم للاستيقاظ بفعالية. يعزز ضوء الشمس أيضاً نسب هرمون الكورتيزول، ما ينبّه الجسم أكثر. تقول عالمة النوم في مستشفى بريغام آند ويمنز والأستاذة المساعدة في جامعة هارفارد، الدكتورة ريبيكا روبينز: "التعرّض المباشر للهواء الطلق وضوء الشمس الطبيعي من أفضل الطرق للاستيقاظ في الصباح لأنه يوقف تدفق الميلاتونين ويفعّل الساعة البيولوجية". يعني ذلك أنه عليك فتح الستائر والسماح لأشعة الشمس بالدخول إلى الغرفة. والأفضل من ذلك هو الخروج من المنزل والتنزه في الصباح سريعاً لتعريض نفسك لضوء الشمس.
الضوء الطبيعي المباشر هو الأفضل، ولكن التعرّض له ليس ممكناً دائماً؛ إذ يمكن أن يكون الجو غائماً وشتوياً أو أن غرفتك لا تحتوي على الكثير من النوافذ، ما يجعل التعرض للضوء الساطع صعباً أحياناً. عليك في هذه الحالة تشغيل الأضواء. يقترح يونغ استخدام مصباح العلاج بالضوء بديلاً للضوء الطبيعي. كما يمكن أن يساعدك هذا النوع من الإضاءة أيضاً على الاعتياد مجدداً على جدولك الزمني بعد السفر إلى مناطق زمنية مختلفة. من ناحية أخرى، تمكنك أيضاً الاستعانة بمنبهات شروق الشمس. ما يهم هو إضافة ضوء ساطع إلى الغرفة مع بدء اليوم.
الاستخدام المناسب للمنبّه
للأسف، تُضطر أغلبيتنا لاستخدام المنبّهات. تقول روبينز: "كنا سنستيقظ دون وسائل المساعدة الخارجية لو كانت الظروف مثالية، ولكن في الواقع، لا يحصل الكثير منا على قسط كافٍ من النوم، ما يجعلنا نعتمد على المنبّهات التي تصدر أحياناً أصواتاً صاخبة تحاكي صفارات الإنذار أو غيرها من الأصوات العالية التي ترفع نسب الكورتيزول".
يستخدم الكثيرون زر الغفوة عادة عند استخدام المنبهات. تقول روبينز: "يعتقد العلماء أن الكثيرين يعتمدون على ميزة الغفوة في المنبهات، على الرغم من أنهم لم يدرسوا ذلك بتفصيل كافٍ. وتسمح هذه الميزة للمستخدم (نظرياً) بالعودة إلى النوم، ولكن من المرجح أن النوم الذي يحصل عليه بعد أن يرن المنبه أول مرة منخفض الجودة". توصي روبينز بضبط المنبّه في أقرب توقيت ممكن من موعد الاستيقاظ والنهوض من السرير عندما يرن مباشرة. يقترح بعض الباحثين أيضاً وضع المنبّه (أو الهاتف) في مكان بعيد في الغرفة حتى تضطر إلى النهوض من السرير لإيقاف تشغيله. يساعدك تجنب استخدام ميزة الغفوة على النوم فترة أطول وبجودة أعلى بدلاً من النوم على نحو متقطع، وهذا أفضل على المدى البعيد.
اقرأ أيضاً: كيف تستيقظ باكراً دون منبه؟
شرب القهوة
يمكن أن يفيدك الكافيين كثيراً في تنشيط نفسك. يقول يونغ إن الكافيين فعّال في ذلك لأنه مضاد للأدينوسين. الأدينوسين هو مُركّب يحفّز الشعور بالتعب، ويعطّل الكافيين وظيفة مستقبلاته، ما يقي من الشعور بالنعاس.
في حين أن هناك الكثير من المواد التي تحتوي على الكافيين، بيّن بعض الأبحاث أن القهوة مفيدة أكثر من غيرها مقارنة بمصادره الأخرى. اكتشف الباحثون في دراسة قارنوا فيها بين النشاط الدماغي للأشخاص الذين تناولوا القهوة بنظيره للذين تناولوا الكافيين أن "المشاركين الذين تناولوا القهوة كانوا أكثر استعداداً للنشاط وتنبهاً للمؤثرات الخارجية بعد تناولها". أشار هؤلاء إلى أن المشروبات الأخرى التي تحتوي على الكافيين قد يكون لها التأثير نفسه، ما يعني أنك ستستفيد من تناول الشاي أيضاً إذا كنت من محبّيه.
قد يعود جزء من التأثير الإيجابي إلى عملية تحضير القهوة بحد ذاتها وليس تناول القهوة أو الكافيين بالضرورة. اكتشف العلماء في بعض الدراسات أن المهام الروتينية ومهام الاستيقاظ يمكن أن تؤدي أيضاً دوراً في الشعور باليقظة في الصباح والخروج من حالة خمول النوم. لذلك، سواء كنت تستخدم آلة التنقيط أو تفضّل أن تأخذ وقتك في تحضير القهوة بالحليب أو القهوة المثلجة أو تحضير فنجان من الإسبريسو العالي الجودة، سيساعدك ذلك على بدء اليوم على النحو الملائم وبذهن صافٍ.
ترطيب الجسم
إذا كنت مثلي، من المحتمل أنك تشرب القهوة ولا شيء سواها لتنشيط نفسك. لكن التجفيف يمكن أن يتسبب بانخفاض ضغط الدم، ما يؤدي إلى انخفاض تدفق الدم إلى الدماغ والشعور بالنعاس. لذا، يجب عليك أيضاً أن تبدأ يومك بشرب الماء أو الحليب أو العصير للحفاظ على رطوبة جسمك وتدفق الدم حتى تستيقظ بنشاط في الصباح. يمكن أن يقيك ترطيب الجسم طوال اليوم من النعاس أيضاً، لذا ننصحك بشرب الماء على نحو متكرر.
ممارسة التمرينات الرياضية
التمرينات الرياضية هي من الطرق المفيدة في تعزيز اليقظة أيضاً. يقول الأستاذ المساعد في فيزيولوجيا الفضاء الجوي في جامعة إمبري ريدل للطيران، الدكتور سكوت فيرغيسون: "التمرينات الرياضية هي بمثابة إجراء مضاد بسيط وفعّال لخمول النوم، خاصة بالنسبة للذين لديهم وظائف خطيرة مثل الطيارين والجراحين". بالإضافة إلى ذلك، ستحصل على فوائد الضوء الطبيعي أيضاً إذا مارست التمرينات الرياضية في الهواء الطلق بعد الاستيقاظ مباشرة.
تعزّز التمرينات الرياضية تدفق الدم، ويقول فيرغيسون: "تعزز ممارسة التمرينات الهوائية الخفيفة إلى المعتدلة الشدّة ضمن جلسات قصيرة عند الاستيقاظ اليقظة والوظيفة الإدراكية والمزاج لأنها تغيّر توزيع تدفق الدم داخل الدماغ وتحفّز إفراز جزيئات الإشارات العصبية الرئيسية". هذا التعزيز لليقظة الإدراكية مهم بصورة خاصة لأداء المهام التي تتسبب بضغط كبير أو تلك التي تتطلب الدقة والتركيز. وأيضاً، تعزز الممارسة المنتظمة للتمرينات الرياضية الساعة البيولوجية، ما يحسّن جودة النوم عموماً ويزيد الاستعداد لأداء النشاطات بعد الاستيقاظ مباشرة.
اقرأ أيضاً: 11 تغييراً بسيطاً في روتينك اليومي ستمنحك فوائد صحية كبيرة
العلاج العطري
بيّن العلماء أن بعض الروائح، مثل رائحة إكليل الجبل والنعناع والحمضيات، يعزز الوظيفة الإدراكية واليقظة، فضلاً عن فوائده في تحسين المزاج. يمكن أن يساعدك اقتناء الأجهزة الناشرة للزيوت العطرية أو استخدام بعض روائح المواد السابقة الذكر على زيادة النشاط في الصباح وتخفيف التعب في فترة ما بعد الظهر. يمكنك أيضاً استخدام قابس ذكي يُتيح لك توقيت ناشر الزيوت وجعله يبدأ العمل مع رنين المنبه والنهوض من السرير.
صحة النوم
يشير تعبير صحة النوم إلى العوامل مثل الوسط المحيط في غرفة النوم والسلوكيات المتعلقة بالنوم، وهو يشمل العديد من العادات والأدوات. يؤثّر ذلك في جودة النوم، التي ستنعكس على مدى شعورك باليقظة في الصباح، ويوصي العلماء باتباع روتين يعزز الاسترخاء قبل النوم لتهيئة عقلك له وللحصول على نوم بجودة أعلى. يمكن أن تساعدك الأضواء الخافتة في الليل على الاستعداد للنوم تماماً كما يساعدك الضوء الساطع في الصباح على الاستيقاظ. يجب أيضاً أن تتجنب استخدام الهاتف قبل النوم مباشرة؛ إذ يمكن أن يؤثّر الضوء الأزرق في جودة النوم. وبالطبع، شراء فراش ذي جودة عالية ومناسب لجسمك ووضعياتك في أثناء النوم عامل أساسي أيضاً.
كيفية التغلّب على شعور النعاس في فترة ما بعد الظهر
حتى إذا تمكنت من الاستيقاظ في حالة من التنبّه والنشاط، فإن الشعور بالإعياء في فترة ما بعد الظهر شائع للغاية. يعود ذلك جزئياً إلى أن الجسم يستهلك الأدينوسين الثلاثي الفوسفات للحصول على الطاقة، الذي يتحلل في النهاية معطياً الأدينوسين. تذكّر أن الأدينوسين هو المُركّب الذي يحفّز الشعور بالنعاس، وهو يتراكم في الدماغ طوال اليوم.
ينطبق العديد من النصائح حول الاستيقاظ في الصباح على التغلّب على النعاس في فترة ما بعد الظهر. يجب أن تعرّض نفسك للضوء الساطع وتجرّب العلاج العطري وتحافظ على ترطيب جسمك وتتناول القهوة وتستنشق الهواء النقي و(أو) تمارس التمرينات الرياضية.
لكن يمكنك أيضاً اتخاذ إجراء آخر، وهو أخذ قيلولة. يقول يونغ إن القيلولة يمكن أن تفيد كثيراً، لكن السر هو تجنّب الاستيقاظ خلال مرحلة النوم العميق؛ إذ إنك ستشعر بشعور أسوأ إذا استيقظت بعد 45 دقيقة لأنك ستستيقظ عندها خلال هذه المرحلة. لذلك، إذا أردت أخذ قيلولة في فترة ما بعد الظهر، احرص على أن تكون مدّتها بين 15 و19 دقيقة حتى تستيقظ قبل الدخول في مرحلة النوم العميق، أو أن تتجاوز مدتها 90 دقيقة حتى تتجاوز هذه المرحلة. مع ذلك، خذ في الاعتبار أن أخذ قيلولة طويلة قد يجعل النوم أصعب خلال الليل، خاصة إذا حصلت على ما يكفي من النوم في الليلة السابقة.
اقرأ أيضاً: 7 تطبيقات تساعدك على الاستيقاظ مبكراً
نصائح إضافية لتعزيز اليقظة
كما لاحظت، هناك الكثير من العوامل المختلفة التي تسهم في الاستيقاظ في حالة من النشاط والتنبّه تشعر فيها بأنك مستعد لخوض اليوم. يمكن أن تشعر بأن تلبية هذه الشروط مرهقة، لأنك قد تعتقد أنك بحاجة إلى تغيير الكثير من السلوكيات. مع ذلك، يقول يونغ إن العامل الأهم على الإطلاق هو تجنب الاستيقاظ خلال فترة النوم العميق من خلال الحصول على قسط كافٍ من النوم. الإجراء الأهم بعد ذلك هو التعرّض للضوء الساطع (ومن المحبّذ أن يكون طبيعياً)، وهو بالغ الأهمية لتفعيل الساعة البيولوجية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يفيدك الكافيين في بدء يومك.