ها قد حلّ الظلام، وأُطفئت أنوار المنازل وخلد أصحابها إلى النوم، وها أنت وسط جميع النيام مستيقظ وتشعر بنشاط ذهني وبدني كبير، فتسهر ساعة وساعتين وست ساعات، تشاهد موسماً كاملاً من أحد مسلسلاتك، أو تنجز عملاً مؤجلاً، وفجأة يبزغ الفجر، فتشعر بالنعاس وأنّ موعد النوم قد حان. لكن، هل نسيت أن لديك مدرسة لتذهب إليها؟ أو وظيفة صباحية ومديراً متجهماً في انتظارك، فما العمل الآن؟ كيف يمكنك التحول من بومة ليل إلى طائر صباحي؟
لماذا يختلف الوقت المفضّل للنوم من شخص لآخر؟
يحب الشخص الصباحي أو ما يُدعى بطائر الصباح الاستيقاظ مبكراً، ويشعر بأفضل حالاته في وقت مبكر من اليوم، بينما يفضّل الشخص الليلي أو بومة الليل كما يُسمى الاستيقاظ متأخراً، ويشعر بأنه أكثر نشاطاً وحيوية أثناء الليل. تنشأ هذه الاختلافات نتيجة الاختلاف بالنمط الزمني (Chronotypes)، وهو نزعة الجسم الطبيعية لأن ينام في وقت محدد، فهو المسؤول عن تنظيم أوقات النوم والاستيقاظ، ويؤثر أيضاً على الشهية وممارسة الرياضة ودرجة حرارة الجسم الأساسية والإنتاجية وغيرها.
اقرأ أيضاً: هل تواجه صعوبة في النوم؟ قد يكون فراشك هو السبب
يرتبط النمط الزمني ارتباطاً وثيقاً بالإيقاع اليومي (النظام اليوماوي)، وهو تغيرات جسدية وسلوكية وذهنية تتبع دورة مدتها 24 ساعة، تستجيب هذه العمليات بشكل أساسي للضوء والظلام وتؤثر على معظم الكائنات الحية، وتنظمها الساعات البيولوجية وهي أجهزة توقيت طبيعية تتكون من بروتينات تتفاعل مع الخلايا في جميع أنحاء الجسم. يُشار إلى أن الساعة البيولوجية الأساسية في جسم الإنسان، وهي النواة فوق التصالبية SCN الموجودة في الوطاء (ما تحت المهاد)، هي المسؤولة عن تنسيق الساعات البيولوجية المحيطة وجعلها متزامنة، والتحكم بعملية إنتاج الميلاتونين أو هرمون النعاس استجابة للإشارات البيئية كالضوء ودرجة الحرارة.
وقد أشارت دراسة منشورة في دورية "Royal Society"، إلى أن الاختلافات في أنماط النوم ربما تكون قد تطورت كأسلوب للنجاة لدى البشر الصيادين، إذ ومن خلال التناوب على النوم، سيكون أحدهم مستيقظاً ومترقباً لتنبيه المجموعة وتقليل المخاطر على النائمين ليلاً.
يختلف النمط الزمني من شخص لآخر نتيجة عوامل وراثية والعمر والجنس وغيرها، وقد يختلف أيضاً حسب الموقع الجغرافي.
ما هي المخاطر المحتملة التي قد تنتج عن عدم التوافق بين النمط الزمني لبومة الليل ونمط الحياة المفروض عليها؟
يؤدي عدم التوافق بين النمط الزمني للأشخاص الليليين وجدول العمل الذي يبدأ صباحاً لأن يكون توقيت استيقاظهم غير مناسب، فيكونون أقل نشاطاً بدنياً وينامون بشكل أقل في أيام الأسبوع ويعوّضون الوقت الضائع في عطلة نهاية الأسبوع.
تؤدي هذه العادات غير الصحية إلى الشعور بالتعب، وزيادة التعرض للتوتر والإجهاد، وارتفاع هرمون الكورتيزول، وارتفاع معدل ضربات القلب أثناء الراحة، وهي عوامل خطورة قد تزيد من احتمال حدوث السمنة ومرض السكري من النوع الثاني والاضطرابات النفسية ومتلازمة التمثيل الغذائي وغيرها.
وبما أن تعديل وقت الدوام والعمل الصباحي لتناسب النمط الزمني للأشخاص الليليين سيكون أمراً بعيد المنال، وبالنسبة لأولئك الذين يجب أن يلتزموا بِروتين لا يتناسب مع نمطهم الزمني، يمكنهم اتباع الخطوات التالية للتحول من بومة ليل إلى طائر صباحي.
كيف يمكن التحول من بومة ليل إلى طائر صباحي؟
يعتبر النمط الزمني الخاص بك وراثياً إلى حد كبير، ومع ذلك، هناك العديد من النصائح التي من شأنها أن تساعد على عملية التحول، ومنها:
الحفاظ على عادات نوم صحية
قبل البدء بتغيير موعد النوم، من المفيد أن تبدأ بممارسة عادات نوم صحية، وهي مجموعة من العادات التي من شأنها أن تعزز النوم بشكل أفضل مثل:
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام مع تجنب ممارستها في وقت متأخر جداً من النهار.
- تجنب النيكوتين ومشروبات الكافيين والكحول في فترة ما بعد الظهر والمساء.
- تجنب الوجبات الكبيرة والمشروبات في وقت متأخر من الليل.
- تجنب القيلولة بعد الساعة 3 ظهراً.
- حاول أن تجعل غرفة النوم مظلمة وهادئة وباردة.
- الحصول على ما يكفي من ضوء الشمس خلال النهار.
- عدم البقاء مستيقظاً في السرير، ففي حال لم تستطع النوم بعد 20 دقيقة، قم وافعل شيئاً يجعلك تشعر بالاسترخاء.
وضع روتين ليلي قبل النوم
من الممكن أن يشمل هذا الروتين بعضاً أو كلاً مما يلي:
- الاستحمام بمياه دافئة.
- قراءة كتاب ما.
- الاستماع إلى الموسيقى الهادئة.
- القيام ببعض تمارين التأمل.
يعطي روتين وقت النوم لدماغك مؤشرات بأن الوقت قد حان لتغفو، ويزداد تأثير هذه الأنشطة السلوكية الروتينية عندما تؤديها كل ليلة بنفس الترتيب قبل النوم.
بالإضافة إلى ذلك، يجب تخفيف أضواء الغرفة والامتناع عن استخدام أي أجهزة إلكترونية كالتلفزيون أو الهاتف المحمول أو غيرها أثناء روتين النوم، فالضوء الصادر عن هذه الأجهزة سيعمل على خداع الدماغ بأن الوقت مازال نهاراً، ما سيؤخر النوم. وقد أشارت دراسة منشورة في دورية "صحة النوم" (Sleep Health) إلى أن كثرة التعرض للضوء الصادر عن الأجهزة الإلكترونية في المساء قد تجعل الاستيقاظ في الصباح أكثر صعوبة، وتؤثر سلباً على جودة النوم.
الحفاظ على عدد ساعات نوم ثابتة وكافية
سواء كنت بومة ليل أو طائراً صباحياً، فإن الحصول على 7 إلى 9 ساعات من النوم يومياً سيجعلك تشعر بمزيد من الراحة خلال النهار. بالإضافة إلى ذلك، من الأفضل تحديد أوقات نوم منتظمة والالتزام بها حتى في أيام العطلة، فقد أشارت دراسة منشورة في دورية "الإيقاع الزمني العالمي" (Chronobiology International) إلى أن إطالة مدة النوم في العطلة الأسبوعية، كمحاولة لتعويض نقص النوم خلال الأسبوع تؤثر سلباً على الإيقاع اليومي للطلاب المراهقين وكبار السن.
زيادة التعرض للضوء الساطع في الصباح
لقد أثّرت الإضاءة الكهربائية على الإيقاعات اليومية المُنظِّمة للنوم والاستيقاظ بشكل كبير، وقد وجدت دراسة منشورة في دورية "كارنت بيولوجي" (Current Biology) أنّ الإضاءة الكهربائية وتقليل التعرض لضوء الشمس يؤخران الإيقاع اليومي عند البشر، في حين أنّ تعرض الأشخاص الليليين للضوء الطبيعي فقط يساعد على تغيير ساعات أجسامهم البيولوجية بشكل أسرع، ويقلل الفروق الفردية في الإيقاع اليومي.
تغيير وقت النوم بشكل تدريجي
بمجرد اعتمادك على توقيت وروتين نوم منتظمين، ابدأ حينها بتبكير وقت النوم مدة زمنية تُقدَّر بـ 15 دقيقة، وفي الوقت نفسه، اضبط منبهك للاستيقاظ قبل الموعد المعتاد بـ 15 دقيقة. ابقَ على هذا التوقيت عدة أيام، ثم بكِّر الوقت 15 دقيقة في النوم والاستيقاظ مرة أخرى.
وضع روتين صباحي
قد يساعدك ملء الروتين الصباحي بالأمور التي تبعث على السعادة والنشاط على تحفيزك للنهوض من السرير، قد يشمل هذا الروتين إعداد مشروبك الصباحي أو قراءة بعض الصفحات من كتابك المفضل أو حتى اللعب مع حيوانك الأليف. بالإضافة إلى ذلك، حاول أن تبقي الستائر مفتوحة ليعمل ضوء النهار كمنبه طبيعي لك.
تغيير أوقات الوجبات
ثمة ارتباط معقد ما بين شهية الشخص وإيقاعه اليومي، إذ يمكن لتوقيت تناول الوجبات أن يؤثّر على الإيقاع اليومي. ومن الشائع أن يتناول الشخص الليلي وجباته في وقت متأخر من النهار، لذلك وعندما يحاول هذا الشخص التحول إلى طائر صباحي حينها سيجد الجسم نفسه يهضم الطعام أثناء محاولة النوم باكراً، بالتالي ستصعب عليه عملية التأقلم مع النظام الجديد. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعطيل المزامنة ما بين دورة النوم ودورة الأكل، سيؤثر سلباً على عملية التمثيل الغذائي لديك. باختصار، إن قررت النوم أبكر من المعتاد، عليك أن تتناول الطعام أبكر من المعتاد.
ختاماً، قد تجد بومة الليل بعض الصعوبة في التحول إلى طائر صباحي، لكن مع الإصرار والتقيد الدقيق بقواعد النوم الصحية، فإن الأمر سيتم، أما في حال أردت التحول إلى بومة ليل وطائر صباحي في الوقت نفسه، فما عليك إلا إنجاب الأطفال وحينها لن تنام على الإطلاق.