كيف يمكنك مساعدة العلماء ومتى تترك الأمر للمختصين؟

كيف يمكنك مساعدة العلماء ومتى تترك الأمر للمختصين؟
يمكن للعلماء المواطنين مساعدة الباحثين في تعداد الطيور والدلافين وحتى إحصاء القمامة لإنشاء شبكة أكبر من قواعد البيانات. ديبوزيت فوتوز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بالعودة إلى عام 2015، كانت الباحثة البيئية هيلين بيلي وبعض الزملاء يختبرون ميكروفونات تحت الماء في نهر باتوكسينت، أحد روافد خليج تشيسابيك. استُعملت هذه المعدات لأول مرة للإنصات إلى الدلافين والحيتان وخنازير البحر في المياه لفهم تحركاتها المحلية في الخليج. لكن خلال العام التالي من الاختبار، لاحظ الفريق شيئاً ما.

تقول الأستاذة الباحثة في مركز جامعة ميريلاند للعلوم البيئية، هيلين بيلي: «كنا نرصد الدلافين في نهر باتوكسنت بكثرة. كان معروفاً أن الدلافين القارورية الأنف يمكن أن تظهر في خليج تشيسابيك، ولكن كنا نعتقد أنها تزور الخليج بشكلٍ عرضي فقط». لكن سجلات تتبع حركتها أظهرت أنها تمر عبر المنطقة بشكل متكرر أكثر مما كان متوقعاً.

مشاريع هادفة إلى إشراك المواطنين في البحث العلمي

سرعان ما أدركت بيلي أنه لا يمكن نشر الهيدروفونات (الميكروفونات المائية) قصيرة المدى في كامل خليج تشيسابيك- والذي يُعد أكبر مصب نهري في أميركا الشمالية– بسبب تكلفتها الباهظة، ما دفعها إلى تأسيس مشروع “تشيسابيك دولفين ووتش” (Chesapeake DolphinWatch) في الجامعة، والذي يهدف لتشجيع الناس على طول ساحل الخليج على الإبلاغ عن مشاهداتهم للدلافين لفهم تحركات هذه الثدييات المائية بشكلٍ أفضل.

تقول بيلي متذكرةً ما جرى: «اعتقدنا في البداية أننا قد نتلقى من 20 إلى 30 مشاهدة كل صيف. لكن في الصيف الأول، تلقينا 900 بلاغ عن مشاهدة الدلافين. كان ذلك مذهلاً». (ارتفع عدد المشاهدات المُبلّغ عنها إلى 1400 مشاهدة عام 2021).

يبدو أن مشاريع علوم المواطنين منتشرة في كل مكان هذه الأيام، حيث تروج العديد من المجموعات لمشاريع جمع البيانات كطريقة تتيح من خلالها للمجتمعات المشاركة في عملها. ولكن متى يكون من المنطقي للباحثين أن يستعينوا بالعامة للحصول على الدعم العلمي، ومتى يجب أن نترك ذلك للمختصين؟

مشاريع مناسبة للمشاركة المجتمعية

غالباً ما يرغب العلماء في فهم الأنماط والاتجاهات عبر مساحة واسعة، لكن لا يمكن لهم أن يتواجدوا في كل مكان في نفس الوقت. على سبيل المثال، منذ عام 2019، يقوم معهد “5 جيرس” (5 Gyres)، وهو منظمة غير ربحية تركز على الحد من التلوث البلاستيكي، بجمع معلومات عن العلامات التجارية التي تنتج العبوات البلاستيكية الأكثر شيوعاً والمتناثرة في الشوارع والأماكن العامة في مدن الولايات المتحدة كجزءٍ من حملة “تراش بلينز” (TrashBlitz)، والتي تهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات للحصول على صورة شاملة لأنواع النفايات الموجودة في البلاد. 

لكن المنظمة غير الربحية ليس لديها علماء مدربون على تحديد وقياس النفايات التي تظهر في شوارعنا وأنهارنا. بدلاً من ذلك، اشترك مئات المتطوعين بالفعل هذا العام لجمع البيانات من القمامة المتناثرة في المتنزهات القومية الأميركية والأراضي الفيدرالية (ما تركز عليه حملة ترانشبليتز هذا العام) وإدخالها في منصة بحثية على الإنترنت تستخدمها المنظمة بعد ذلك لإجراء مراجعات وتحليلات سنوية للكشف عن المواد والعناصر والعلامات التجارية الأكثر شيوعاً.

تقول مديرة البحث والابتكار في معهد 5 جيرس، ليزا إيردل: «علوم المواطنين مفيدة بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بجمع البيانات على نطاق واسع وعندما نحتاج إلى زيارات متكررة أو مراقبة مكثفة». يمكن للمتطوعين تغطية مساحات شاسعة والإبلاغ عن المشاهدات دون الحاجة إلى أعداد كبيرة من العلماء. 

وتضيف إيردل: «من خلال إشراك كل هؤلاء المتطوعين في جمع بيانات حول العناصر والعلامات التجارية، يمكننا الحصول على حجم عينة يكفي لتحديد العناصر والعلامات التجارية التي تساهم بشكلٍ كبير في انتشار القمامة للإبلاغ ودعم التشريعات المحلية مثل حظر المنتجات أو إعادة تصميم المواد وإدارة النفايات بشكل أفضل».

مزايا اشتراك المواطنين في البحث العلمي

وتُعتبر مشاريع علوم المواطن قليلة التكلفة مقارنة بطرق المراقبة العلمية الأخرى. تقول بيلي إن تكلفة شراء ما يكفي من الهيدروفونات لتغطية خليج تشيسابيك، بالإضافة إلى احتساب تكاليف استبدال المعدات ورواتب الموظفين، قد تصل إلى 250 ألف دولار سنوياً. بينما لا يكلف إنشاء تطبيق هاتف ذكي لإدخال البيانات وصيانته سوى جزء بسيط من تلك التكلفة، مع تقديم نفس الفعالية في جمع البيانات. 

تقول إيرين من شبكة علم الفينولوجيا (علم يدرس العلاقات بين المناخ والظواهر الإحيائية الدورية) الوطنية الأميركية بجامعة أريزونا: «يمكن أن تكون العديد من المشاريع مناسبة للعلماء المواطنين بعد تلقيهم تدريباً مناسباً». على سبيل المثال، يساعد نحو 3 إلى 4 آلاف متطوع المركز على تتبع التغيرات الموسمية للنباتات والحيوانات والمرتبطة بالمناخ والعوامل غير البيولوجية الأخرى.

ومع ذلك، غالباً ما يكون هناك تحيز حضري في المكان الذي يتم فيه جمع البيانات، أو على الأقل اتجاه نحو مناطق حضرية رئيسية وفقاً لبوستوموس.

تقول بوستوموس، ضاربةً مثالاً حول كيفية تأثير جزيرة الحرارة الحضرية ومصادر الضوء الإضافية على النباتات والحيوانات التي تعيش في المدينة: «تمنحنا علوم المواطنين طريقةً لمعرفة كيفية تأثير المناطق الحضرية على الفينولوجيا، وهو أمر مثير للاهتمام كموضوع بحثي فعلاً. مع ذلك، لا تسمح لنا هذه الطريقة بالحصول على بيانات كافية خارج هذه المناطق».

هل تفكر بالانخراط في مشاريع علم المواطن؟ ما عليك سوى إجراء بحث عبر الإنترنت عن مصطلحات مثل “التطوع لجمع البيانات” أو “علم المواطن” أو “عَالم متطوع” جنباً إلى جنب مع الكلمات الرئيسية حول الموضوعات التي تهتم بها (مثل التلوث البلاستيكي أو الحياة البرية أو الحفاظ على النبات وما إلى ذلك) مع المكان الذي ترغب فيه بالمساعدة. أو يمكنك التواصل مع الجامعات المحلية أو المنظمات غير الربحية، عندما يعلم الباحثون في منطقتك أنك تريد مساعدتهم وتخفيف العبء عنهم، فقد تكون هناك فرصٌ كثيرة.

متى تترك العلم للمحترفين؟

على الرغم من أن هناك الكثير من المشاريع التي يمكن أن تستفيد من علم المواطنين، فإن الكثير منها يتطلب تدريباً خاصاً ومعرفةً لا يمتلكها سوى العلماء المتخصصين. 

تقول مديرة الابتكار المفتوح وخدمات التحول التكنولوجي لبرامج مثل موقع (citizenscience.gov)، وهو مبادرة من إدارة الخدمات العامة الأميركية، جاره ميدور، موضحة: «عندما كنت عالمة، قمت بمشاريع في القطب الجنوبي حيث جمعت أنواعاً من الكائنات الحية مثل البكتيريا والعوالق من مياه البحر، وقمت بقياس تأثير ضوء الشمس على هذه الكائنات السطحية. لقد دعوت تلاميذ المدارس ليكونوا مراقبين مشاركين في العمل الذي قمت به، ولكن هل كان بإمكانهم القيام بإحصاء البكتيريا باستخدام المجهر بشكلٍ صحيح؟ ربما لا».

وتضيف ميدور أن هناك أعمالاً لم يُسمح لها بالقيام بها في القطب الجنوبي على الرغم من أنها عالمة متدربة بسبب المخاطر المحتملة، مثل النزول أسفل منحدرات الصدوع الجليدية لجمع عينات الجليد. لذلك من المنطقي أن يترك العلماء المواطنون الأعمال الشاقة للخبراء المتخصصين جداً. 

هناك مشكلة أخرى تتعلق بالاستعانة بشبكة من العلماء المواطنين وهي الاتساق. يقوم الهواة بجمع البيانات في أوقات فراغهم عادةً، لذلك من المرجح أنهم لا يجمعون البيانات من نفس الأماكن في نفس الوقت. على سبيل المثال، بالنسبة لتسجيل بيانات بعض الظواهر مثل مراقبة وقت عودة الطيور المهاجرة إلى منطقة معينة، يعطي العلماء المتخصصون التوقيت والموقع الأهمية القصوى. 

وتقول بوستوموس: «أعتقد أن أحد القيود الرئيسية لعلوم المواطنين هو أنها غير مصممة لأخذ عينات معيارية. في الواقع، تتحكم الظروف بالطريقة التي يتم بها جمع المعلومات إلى حد بعيد، فأنت تعتمد على الأشخاص المهتمين الذين يختارون الوقت الذي يجمعون فيه البيانات بأنفسهم، ولكن لا يمكنك إلزامهم بمكان أو وقتٍ معينين من أجل القيام بذلك». 

ولكن حتى لو لم يكن المشروع مناسباً لإشراك العلماء المواطنين، فإن ميدور تقول إن هناك شيئاً مفيداً عادة يمكن لأعضاء المجتمع المهتمين القيام به للمساعدة في مرحلة ما من المشروع. أسهل طريقة هي التبرع للعلم، سواء كان ذلك من خلال المؤسسات الأكاديمية أو المنظمات غير الربحية.