علماء يبتكرون صوتاً ينحني ليصل إلى أذن شخص واحد دون غيره

3 دقيقة
علماء يبتكرون صوتاً ينحني ليصل إلى أذن شخص واحد دون غيره
لأذنيك فقط.

ماذا لو كان بإمكانك الاستماع إلى الموسيقى أو المدونات الصوتية (البودكاست) من دون سماعات ومن دون إزعاج أي شخص من حولك؟ أو إجراء محادثة خاصة في الأماكن العامة دون أن يسمعك الآخرون؟

يقدم بحثنا المنشور حديثاً طريقة لإنشاء جيوب صوتية مسموعة، وهي جيوب صوتية موضعية معزولة عن محيطها. وبعبارة أخرى، عملنا على تطوير تكنولوجيا يمكنها أن تخلق صوتاً في المكان الذي نرغب فيه بالضبط.

إن القدرة على إرسال صوت يصبح مسموعاً في مكان محدد فقط يمكن أن تُحدث تحولاً جذرياً في تجارب الترفيه والتواصل والصوت المكاني.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الإجهاد المزمن في طريقة إدراك الدماغ للصوت العالي؟

ما هو الصوت؟

الصوت هو اهتزاز ينتقل عبر الهواء على شكل موجة. تنشأ هذه الموجات عندما يتحرك جسم ما ذهاباً وإياباً، ضاغطاً جزيئات الهواء ومفككاً إياها.

وتردد هذه الاهتزازات هو ما يحدد درجة الصوت. تتوافق الترددات المنخفضة مع الأصوات العميقة، مثل الطبل الكبير (طبل البيس)؛ بينما تتوافق الترددات العالية مع الأصوات الحادة، مثل الصفارة.

من الصعب التحكم في اتجاه انتقال الصوت بسبب ظاهرة تسمى "الحيود" (diffraction)، وهي ميل الموجات الصوتية إلى الانتشار في أثناء انتقالها. هذا التأثير قوي بصورة خاصة في حالة الأصوات ذات التردد المنخفض بسبب أطوال موجاتها الأطول، ما يجعل من المستحيل تقريباً إبقاء الصوت محصوراً في منطقة معينة.

يمكن لبعض التكنولوجيات الصوتية، مثل مكبرات الصوت ذات المصفوفة البارامترية (parametric array)، إنشاء حزم صوتية مركزة موجهة في اتجاه معين. ومع ذلك، ستظل هذه التكنولوجيات تصدر صوتاً مسموعاً على طول مسارها بالكامل في أثناء انتقالها عبر الفراغ المكاني.

علم الجيوب الصوتية المسموعة

لقد وجدنا طريقة جديدة لإرسال الصوت إلى مستمع واحد محدد، وذلك من خلال حزم الموجات فوق الصوتية الذاتية الانحناء ومفهوم يسمى "الصوتيات غير الخطية" (nonlinear acoustics).

تشير الموجات فوق الصوتية إلى موجات صوتية ذات ترددات أعلى من نطاق السمع البشري، أو أعلى من 20 كيلوهرتز. وتنتقل هذه الموجات عبر الهواء مثل الموجات الصوتية العادية ولكنها غير مسموعة بالنسبة إلى البشر. ونظراً لأن الموجات فوق الصوتية يمكنها اختراق العديد من المواد والتفاعل مع الأجسام بطرق فريدة، فهي تُستخدم على نطاق واسع في التصوير الطبي والعديد من التطبيقات الصناعية.

في عملنا، استخدمنا الموجات فوق الصوتية لتكون وسيلة لنقل الصوت المسموع. فهي قادرة على نقل الصوت عبر الفراغ المكاني بصمت، بحيث يصبح مسموعاً فقط عندما نرغب . كيف فعلنا ذلك؟

عادةً ما تتجمع الموجات الصوتية بطريقة خطية، أي أنها تتجمع بطريقة تناسبية لتشكل موجة أكبر. ومع ذلك، عندما تكون الموجات الصوتية قوية بما فيه الكفاية، يمكن أن تتفاعل بطريقة غير خطية، ما يولد ترددات جديدة لم تكن موجودة من قبل.

وهذا هو مفتاح تقنيتنا، فنحن نستخدم حزمتين من الموجات فوق الصوتية بترددات مختلفة وصامتتين تماماً. ولكن عندما تتقاطعان في الفراغ المكاني، تتسبب التأثيرات غير الخطية في توليد موجة صوتية جديدة بتردد مسموع لا يُسمع إلا في تلك المنطقة المحددة التي تتقاطعان فيها.

والأهم من ذلك أننا صممنا حزماً فوق صوتية يمكن أن تنحني من تلقاء نفسها. وعادةً ما تنتقل الموجات الصوتية في خطوط مستقيمة ما لم يحجبها أو يعكسها شيء ما. ومع ذلك، باستخدام السطوح الفائقة الصوتية، وهي مواد متخصصة يمكنها تغيير سلوك الموجات الصوتية، حيث يمكننا تشكيل حزم الموجات فوق الصوتية لتنحني في أثناء انتقالها. وعلى غرار الطريقة التي تعمل بها العدسات البصرية على ثني الضوء، تعمل السطوح الفائقة الصوتية على تغيير شكل مسار الموجات الصوتية. ومن خلال التحكم الدقيق في طور الموجات فوق الصوتية، ننشئ مسارات صوتية منحنية قادرة على تجاوز العوائق والالتقاء في موقع مستهدف محدد.

والظاهرة الرئيسية في هذا المجال هي ما يسمى "توليد الترددات المختلفة". فعندما تتداخل حزمتان من الموجات فوق الصوتية بترددات مختلفة قليلاً، مثل 40 كيلوهرتز و39.5 كيلوهرتز، فإنهما تولّدان موجة صوتية جديدة بتردد يعادل الفرق بين تردديهما، وهو في هذه الحالة 0.5 كيلوهرتز، أو 500 هرتز، وهو ما يقع ضمن نطاق السمع البشري. ولا يمكن سماع الصوت إلا عند الموقع الذي تتقاطع فيه الحزمتان. وخارج نطاق هذا التقاطع، تظل الموجات فوق الصوتية صامتة.

هذا يعني أنه يمكنك إيصال الصوت إلى موقع معين أو شخص معين دون إزعاج الآخرين في أثناء انتقال الصوت.

اقرأ أيضاً: كيف تسجل الصوت وتحوّله إلى نص في تطبيق نوتس على آيفون؟

تطوير التحكم بالصوت

تنطوي القدرة على إنشاء جيوب صوتية على العديد من التطبيقات المحتملة.

يمكن أن تتيح الجيوب الصوتية إمكانية تخصيص الصوت في الأماكن العامة. على سبيل المثال، يمكن للمتاحف أن توفر أدلة صوتية مختلفة للزوار دون أن يستخدموا السماعات، ويمكن للمكتبات أن تسمح للطلاب بالدراسة باستخدام الدروس الصوتية دون إزعاج الآخرين.

وفي السيارة، يمكن للركاب الاستماع إلى الموسيقى دون تشتيت انتباه السائق عن سماع تعليمات التنقل. كما يمكن أن تستفيد المكاتب والمواقع العسكرية من مناطق الكلام المحددة لإجراء محادثات سرية. كما يمكن أيضاً تكييف الجيوب الصوتية لإلغاء الضوضاء في مناطق معينة، وإنشاء مناطق هادئة لتحسين التركيز في أماكن العمل أو الحد من التلوث السمعي في المدن.

لن يكون هذا الأمر متاحاً للاستخدام في المستقبل القريب، فلا تزال هناك تحديات تواجه تكنولوجيتنا. على سبيل المثال، يمكن أن يؤثر التشوه غير الخطي في جودة الصوت، كما أن الكفاءة في استهلاك الطاقة تمثل مشكلة أخرى، حيث يتطلب تحويل الموجات فوق الصوتية إلى صوت مسموع مجالات عالية الكثافة قد يتطلب توليدها كميات هائلة من الطاقة.

وعلى الرغم من هذه العقبات، تمثل الجيوب الصوتية تحولاً جذرياً في مجال التحكم بالصوت. ومن خلال إعادة تعريف كيفية تفاعل الصوت مع الفراغ المكاني، فإننا نفتح آفاقاً جديدة لتجارب صوتية غامرة وفعالة ومخصصة.

المحتوى محمي