يعدّ البرنامج الذي يتجسس على أنشطة حاسوبك أحد أخطر أنواع "البرامج الضارة". فهذا البرنامج لا يظهر لك نفسه مثل تلك الفيروسات التي تطلب الفدية أو تهددك بحذف ملفاتك. بدلاً من ذلك، يعمل هذا البرنامج الخبيث بصمت في نظام تشغيلك، متخفياً عن ناظريك مراقباً ومسجلاً كل أنشطة حاسوبك.
وبرامج التجسس بإمكانها فعل كل شيء تقريباً من الاستيلاء على كاميرا الويب خاصتك إلى تسجيل مُدخلات لوحة مفاتيحك (كل حرف تكتبه عليها). ويهدف المجرمون الذين يطورون مثل هذه البرمجيات إلى جمع ما يكفي من معلوماتك الشخصية لسرقة هويتك، والاستيلاء على حساباتك (الخدمية والبنكية)، أو فضح حياتك الرقمية بطرق أخرى. ولكي تقلل احتمال وجود برامج غير مرغوبة فيها تمد جذورها في نظام تشغيلك، اتبع الدليل الارشادي التالي لتُبقي حاسوبك خالياً من برامج التجسس.
تأمين نظام التشغيل
للقيام يذلك، عليك أن تعمل أولاً على ضمان حماية متينة وجيدة لحاسوبك. وفي هذه الناحية، تستطيع معظم مضادات الفيروسات سواء لنظام الويندوز أو الماكنتوش أن تحمي حاسوبك من "راصدات لوحة المفاتيح" (keylogger)، ومخترقات كاميرا الويب، وغيرها من برامج التجسس، لا سيما إن كنت متيقظاً وتقوم بتحديث مضاد الفيروسات الذي تستخدمه باستمرار.
كيف تختار مضاد الفيروسات الأفضل؟ لا يوجد برنامج حماية على "مقاس موحد" يصلح للجميع. بالنسبة لمعظم الحواسيب المنزلية، من المفترض أن توفر برامج مكافحة الفيروسات المجانية ما يكفي من الحماية الرقمية لها، إلا أن الاشتراك في النسخة المدفوعة منها يعزز من هذه الحماية.
وفي هذا المجال، اخترنا لك أربعة من أقوى أدوات مكافحة الفيروسات، وهي مجانية وذات كفاءة عالية وقد جربناها لسنوات. وجميع ما اخترناه هنا حاصل على تقييمات جيدة على موقع إيه في كومباراتيف (AV-Comparatives)؛ وهي مؤسسة مستقلة متخصصة في تقييم برامج مضادات الفيروسات، وقد أثبتت هذه الأدوات المجانية جدارتها حتى مقارنةً مع البرامج ذات الاشتراك المدفوع مثل أفيرا وماكافي (Avira and McAfee). ومع أن لا يوجد من بين هذه الأدوات برنامج متخصص في القضاء على برامج التجسس، إلا أن جميعها يتمتع بمستويات دفاع لا بأس ضد هذا النوع من البرامج الخبيثة. لكن ما دمت تستخدم أحدها فإن احتمال تعرّض حاسوبك ونظام تشغيلك لخطر الإصابة ضعيف جداً.
وهذه الأدوات هي: Windows Defender (الذي يأتي مدمجاً في نظام تشغيل ويندوز 10)، إيه في جي (AVG) النسخة المجانية (متوفر للويندوز والماكنتوش، وسعر النسخة المدفوعة منه 70 دولار/العام)، بتديفندر (متوفر للويندوز، وسعر النسخة المدفوعة التي تدعم الماكنتوش 54 دولار/العام)، مالوير بايتس Malwarebytes (متوفر للويندوز والماكنتوش، وسعر النسخة المدفوعة التي تدعم الماكنتوش 40 دولار/العام)، وأفاست (متوفر للويندوز والماكنتوش، وسعر النسخة المدفوعة منه 60 دولار/العام). وفي حال اشتركت في النسخ المدفوعة لهذه البرامج، فسوف تكسب عدة مزايا إضافية من الحماية، مثل الحصول على ميزة تفحص روابط الويب، لاكتشاف أي روابط مشبوهة، وتحصل كذلك على خيارات حماية أشمل تمكنك من وقاية حاسوبك ونظامك بشكل استباقي وتخزين الملفات بشكل آمن.
وبعد أن تختار أحد هذه البرامج وتثبته، نوصيك أيضاً بتثبيت أداة حماية إضافية. إن كان نظام تشغيل حاسوبك هو الويندوز، ننصح باستخدام نسخة مجانية من سباي بوت سيرتش آند دستروي (Spybot Search & Destroy)، حيث تعمل هذه الأداة بالتزامن مع برنامج مضاد الفيروسات الذي تستخدمه، لكنها تقوم بفحوصات أعمق تمنحك طبقة أقوى من الحماية ضد البرمجيات الخبيثة. أما إن كنت تشتبه بأن حاسوبك مصاب بأحد برامج التجسس، لكن برنامج مضاد الفيروسات الذي تستخدمه لم يكشف عنه، حاول اكتشافه إذن بأداة الحماية الإضافية المخصصة للويندوز، والتي تدعى نورتون باور إيراسر (Norton Power Eraser). نفس الشيء مع أداة ترند مايكرو هاوس كول (Trend Micro's HouseCall) التي تعمل بصفة فاحص إضافي يعزز الحماية التي يمنحها لك مضاد الفيروسات الذي تستخدمه، وهذه الأداة تعمل مباشرة من المتصفح، ولذلك فإنها تصلح لأي نوع من أنظمة التشغيل.
الوقاية من الإصابة ببرامج التجسس
حتى مع استخدامك لمضاد فيروسات مناسب، إلا أنه من الأفضل ألا تتيح لبرامج التجسس فرصة إصابة حاسوبك منذ البداية. وإذا أردت أن تبعد عن حاسوبك أعين المتطفلين والمتجسسين وأيديهم، فلا بد عليك من مراقبة جميع المداخل والمنافذ التي تتسلل منها تلك البرمجيات الخبيثة.
وللأسف تأتي بعض هذه البرمجيات من الوسط القريب من المرء، عندما يحاول الناس التجسس على ما يفعله أصدقائهم وأفراد عائلتهم في حواسيبهم. ومع أننا لا نشكك في موثوقية وأمانة أفراد عائلتك ومعارفك... إلا أن الحاسوب الذي يستعمله أكثر من شخص لا بد أن يضم حسابات دخول منفصلة لكل شخص يستخدم ذلك الجهاز. ومن ثم لا بد من حماية تلك الحسابات بكلمات سرّ تبقي أعين المتطفلين بعيداً؛ وللقيام بذلك في نظام تشغيل ويندوز، اذهب إلى الإعدادات، ثم إلى الحسابات؛ أما في نظام ماكنتوش فاذهب إلى تفضيلات النظام ثم "المستخدمون والمجموعات".
بعض البرمجيات الخبيثة الأخرى تأتي متنكرة، وتتظاهر بأنها نوافذ ويب منبثقة أو رسائل بريد إلكتروني غير ضارة. وغالباً ما تجدها مندمجة في برامج وتطبيقات تبدو ظاهرياً لا غبار عليها، أو تأتي في شكل مرفقات في البريد الإلكتروني بصيغة شائعة ومعروفة. لكن لا بد أن تتوخى الحذر من الروابط التي تتلقاها عبر قنوات التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني، حتى لو بدت أنها قادمة من أشخاص تثق فيهم، فمن الوارد أن أجهزتهم أصيبت بفيروس وهو يرسل أكواده الخبيثة نيابة عنهم. وتجد في هذا الرابط بعض الطرق التي تمكنك من حماية جهازك وهويتك الرقمية من الروابط الاحتيالية التي قد تتضمن برامج تجسس.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكون حذراً للغاية بشأن ما تقوم بتثبيته على حاسوبك، والجهة التي حمّلت منها تلك البرامج. فإن رغبت في تجربة برنامج أو أداة جديدة، حاول أن تطالع عنها ما يكفي لاطمئنانك لها. وعندما تكون جاهزاً لتثبيت البرنامج، تأكد أنك حملته من الموقع الرسمي للجهة التي طورته، أو حمل فقط البرامج التي تجدها في متاجر الماكنتوش أو الويندوز. نفس الشيء ينطبق على إضافات المتصفح. من الممكن أن يتسبب إتاحة وصول هذه الإضافات لمتصفحك في انتهاك أمنك الرقمي، لذلك لا بد أن تتفحص إضافات المتصفح جيداً قبل تثبيتها. وعموماً، قبل تثبيت أي شيء، حاول مطالعة المراجعات التي كتبها المستخدمون الآخرون عن ذلك البرنامج أو الإضافة، أو ابحث عنها في محركات البحث لتعرف رأي مواقع المراجعات والتقييمات بشأنها.
تعرّف على العلامات التحذيرية
بغض النظر عن مدى الدفاع المُحكم الذي أحطت به نظام تشغيل حاسوبك، إلا أنه لا يجب أن تكون مطمئناً تماماً. فإلى جانب الإجراءات والتدابير الأمنية والدفاعية التي ذكرناها أعلاه والتي تقيك الإصابة بالبرمجيات الخبيثة، إلا أنه لا بد أن تظل منتبهاً لهذه العلامات التي تدل على وجود برنامج تجسس في حاسوبك.
أحد هذه العلامات هو بطء عمل حاسوبك. لا غرابة أن تتباطئ الحواسيب بمرور الزمن، لكننا نشير هنا إلى بطء فجائي في عمل حاسوبك، يعني بما هو أقل من المعتاد بكثير. يجدر بك أيضاً الانتباه إلى نشاط القرص الصلب وأعطال البرامج على حاسوبك، لا سيما عندما تحدث هذه الأمور وحاسوبك لا يشغل الكثير من البرامج أصلاً.
وعموماً، لا بد من الانتباه لكل نشاط غريب أو غير متوقع على حاسوبك، مثل انبثاق برامج لم تفتحها بنفسك. لكن هذا لن يكون غريباً إن كنت قد جدولت هذه البرامج للانبثاق عندما تفتح حاسوبك مثلاً، لكن المشكلة تبرز عندما تنفتح هذه البرامج دون أن تفتحها بنفسك أثناء عملك على الجهاز. ويزداد الأمر خطورة عندما تلاحظ بعض النوافذ تظهر وتختفي فجأة، وهي علامة تدل على انطلاق برنامج ما ثم التخفي.
لا يوجد نوع واحد من برامج التجسس، لذلك فهي طيف واسع من الأشكال والألوان، وبالتالي لا يمكن أن نسرد هنا قائمة خطوات يمكن أن تشمل جميعها؛ لكن القاعدة العامة هنا هو أنه كلما زادت النشاطات المشبوهة على جهازك، ارتفعت احتمالية إصابته بأحد برامج التجسس. وتشمل تلك النشاطات المشبوهة، حركة مؤشر الفأرة أو مؤشر الكتابة دون أن تحركه، مما يدل على نشاط برنامج ما في خلفية نظامك؛ أو حدوث تغيرات في إعدادات نظامك دون أن تقوم بها بنفسك؛ أو تغير اختصارات ومظاهر البرامج التي ثبتها بشكل لم تلحظه من قبل.
إن برامج التجسس، بطبيعة الحال وتبعاً لاسمها، لن ترغب بالظهور علناً، وستحاول العمل في خلفية نظامك بشكل مستتر ومتخفٍ، إلا أنها لا تستطيع فعل ذلك دون استخدام جزء من ذاكرة جهازك ووحدة المعالجة المركزية (CPU) وبالتالي، من الضروري أن تتحقق بين الحين والآخر من قائمة البرامج والعمليات التي تشتغل في خلفية نظامك وتستخدم موارده. في نظام ويندوز، يمكنك التحقق من هذا باستخدام "مدير المهام" (Task Manager)، الذي يمكنك اطلاقه بالبحث عنه في قائمة ابدأ. ثم اختر علامة التبويب "عمليات" وهناك يمكنك الاطلاع على جميع البرامج والعمليات التي تستخدم ذاكرة جهازك في ذلك الوقت. أما في نظام ماكنتوش، فيمكنك استخدام أداة مشابهة لإدارة المهام تدعى "راصد النشاط" (Activity Monitor)، حيث يمكنك فتحها بالضغط على زر ⌘ وزر المسافة والبحث عن "Activity Monitor". وعندما تظهر لك هذه الأداة، اختر تبويب "CPU" وهناك سوف تجد كل البرامج والعمليات التي تشتغل على جهازك الماكنتوش وقتئذ، بالإضافة إلى احصائيات مفصلة تظهر لك مدى استخدام كل برنامج لموارد الحاسوب.
ما الذي ينبغي عليك التركيز عليه في "إدارة المهام" أو "راصد النشاط"؟ للأسف، عادةً ما تحمل البرامج الخبيثة أسماء عادية وغير ضارة لتبدو طبيعية قدر الإمكان ولا تشتبه فيها. وبالتالي لا نستطيع أن نمدك بقائمة نهائية للأسماء التي يجب أن تشتبه فيها وتوقفها. لكن يظل من المفيد أن تنتبه للبرامج أو العمليات التي تبدو لك مريبة، بحيث أنك لا تذكر أنك ثبتها من قبل أو أطلقتها للعمل، من ثم قم ببحث سريع عنها في الويب واطلع ما إن كانت طبيعية أو لا.
أما الخبر السارّ فهو أنه مهما بلغت برامج التجسس من الذكاء والتحايل، فإن المتصفحات وأنظمة التشغيل تواكب هذا التطور بإدراج المزيد من أدوات الحماية والأمان الرقمي. لذلك ابقِ نظام تشغيلك وبرامجه وأدوات الحماية الخاصة بك محدّثة وحاصلة على أحدث تصحيحات الأمان.