أسوأ ما قد يحدث لسفينة وسط المحيط هو تدفق المياه إليها وغرقها، أما بالنسبة للغواصة فإن الغرق في الماء هو بالضبط ما يجب حدوثه. على عكس السفن التي تصارع أمواج البحار والمحيطات وتتقلب معها، يمكن للغواصة أن تخترق المياه وتبقى مغمورة فيها لأسابيع أو حتى لشهور. فكيف تطفو الغواصة أو تنزل للأعماق؟ وكيف يمكن البقاء على قيد الحياة فيها؟ لنتعرف إلى كيفية عمل الغواصة.
كيف تعمل الغواصة: الغوص والطفو
تطفو الأجسام على سطح الماء بتأثير قوة الطفو أو ما يعرف بدافعة أرخميدس، حيث يمكن للأجسام الطافية كالسفينة أو الغواصة أن تزيح الماء بكمية مماثلة لحجمها، وتنتج عن إزاحة الماء قوة تصاعدية تعمل عكس الجاذبية تدفع الأجسام للأعلى تسمى دافعة أرخميدس.
اقرأ أيضاً: ما هو الإندوموتور وكيف يعمل؟
ولكن كيف يمكن التحكم في قدرة الغواصة؟ بعبارة أخرى ما الذي يساعدها في الطفو أو الغوص؟ الجواب هو خزانات الصابورة أو خزانات التوازن، وهي خزانات جانبية يمكن ملؤها بالماء والهواء بالتناوب، كما يلي:
- الطفو: عندما تكون الغواصة على سطح المياه تمتلئ الخزانات الجانبية بالهواء، حتى تصبح كثافة الغواصة أقل من كثافة المياه المحيطة.
- الغوص: أثناء الغوص في الماء، يتم تفريغ الهواء من الخزانات وإعادة ملئها بالماء تدريجياً حتى تصبح كثافة الغواصة أكبر من كثافة المياه المحيطة.
- الحفاظ على مستوى عمق محدد: لتحتفظ الغواصة بثباتها على عمق معين، يجب موازنة الهواء والماء في الخزانات الجانبية، بحيث تكون كثافتها مساوية لكثافة الماء المحيط فيها.
- ارتفاع الغواصة: لإعادة الغواصة إلى السطح يجب فتح صنابير الخزانات لتفريغها من الماء وإعادة ضخ الهواء فيها، حيث يتم الاحتفاظ بالهواء المضغوط على متن الغواصة في قوارير هوائية.
مكونات الغواصة
على الرغم من التطور التكنولوجي الذي خضعت له الغواصة، منذ أن قام المخترع الهولندي كورنيليس دريبل ببناء أول غواصة عاملة في عام 1620 وحتى يومنا هذا، فإنها حافظت على مكونات ومفاهيم أساسية، بما في ذلك:
هيكل الغواصة (بدن الضغط)
يزداد الضغط كلما ازداد عمقنا في الماء أكثر، حتى يصل الضغط على عمق 600 متر إلى نحو 60 ضعفه على سطح الماء. لمقاومة هذا الضغط تُصنع الغواصات من هيكلين:
- خارجي مقاوم للماء.
- داخلي يدعى "هيكل الضغط" مصنّع من الفولاذ الصلب أو التيتانيوم، وهو أقوى بكثير ومقاوم لضغط الماء الهائل.
الزعانف
بشكل مشابه لأسماك القرش، تحتوي الغواصات على زعانف جانبية تعمل مثل الأجنحة، حيث تدفع المراوح الماء فوق الزعانف، ما يخلق قوة تصاعدية تساعدها في البقاء على عمق معين. بإمالة الزعانف بزوايا محددة يمكن تغيير قوة الرفع، ما يجعل الغواصة تصعد للأعلى أو تغوص في العمق أكثر.
خزانات الصابورة
وهي مسافة بين الهيكلين يتم ملؤها بالماء أو بالهواء، ما يساعد في طفو الغواصة أو غوصها.
اقرأ أيضاً: كيف يعمل نظام الفرامل في السيارة؟
المحرك
نظراً لعدم توفر الأوكسجين اللازم لاحتراق الوقود تحت الماء، كما في محركات الطائرات والسيارات، تعتمد الغواصة في تشغيل محركها على الديزل فقط عندما تكون قريبة من السطح، أما لتشغيل المراوح التي تدفع الغواصة في الأعماق، يُستخدم محرك الديزل لشحن بطارية ضخمة يمكنها تشغيل محرك كهربائي، بحيث تعتمد كلياً على البطارية تحت الماء.
ويستثنى من ذلك الغواصات النووية التي تعتمد كلياً على الطاقة النووية، حيث تحتوي على مفاعل نووي صغير فيها، يمكنه توليد الطاقة اللازمة لتشغيل المحركات والمراوح.
اقرأ أيضاً: بالاحتراق الداخلي: كيف يعمل محرك السفينة؟
البرج
يتمركز البرج في منتصف الغواصة، وقد يحتوي على أدوات التحكم ومعدات الملاحة.
أنظمة الملاحة
قد يفيد استخدام المناظير التي يتم دفعها عبر الماء عندما تكون الغواصة قريبة من السطح، أما في الأعماق فإنها تستخدم:
- نظام ملاحة عبر الأقمار الصناعية لنظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
- نظام السونار (SONAR) المشابه للرادار، حيث يرسل نبضات صوتية في البحر ويستمع لأصدائها.
- التوجيه بالقصور الذاتي، حيث تعتمد الغواصة على مستشعر الجيروسكوب لتتبع المسافة التي قطعتها وفي أي اتجاه، لكنها دقيقة لنحو 10 أيام فقط، وتحتاج لتصحيح باستخدام (GPS) أو بيانات الرادار.
أنظمة دعم الحياة
للتدفئة وتوليد الأوكسجين والتخلص من المخلفات.
اقرأ أيضاً: كيف يعمل القمر الصناعي؟
كيف تتنفس في الغواصات؟
يمكن للغواصات البقاء في المياه لشهور، فكيف يمكن لطاقمها أن يتنفس الأوكسجين؟ وكيف يتم التخلص من ثنائي أوكسيد الكربون؟ يجب مراقبة التركيب الغازي في أي منطقة معينة من الغواصة وتحديد أي تسرب للغاز أو تراكم غازات غير مرغوب فيها على متن الغواصة، للحفاظ على نسب الغازات بالحدود الآمنة.
إنتاج الأوكسجين
يعد الحصول على الأوكسجين أحد أكبر التحديات التي تواجه الغواصات، حيث يمكن إنتاجه من خلال إحدى الطريقتين التاليتين:
التحليل الكهربائي
يتكون كل جزيء ماء من ارتباط ذرتي هيدروجين مع ذرة أوكسجين واحدة، وبالتالي يمكن للغواصات استخلاص ما تحتاجه من أوكسجين من المياه المحيطة بها بالتحليل الكهربائي وفقاً للمراحل الآتية:
- التقطير لتخليص الماء من الشوائب، ويتم بتسخينه حتى يتبخر مخلفاً وراءه الأملاح، بينما يتم تجميع البخار وتبريده في خزانات.
- فصل جزيئات الماء إلى مكوناتها، الأوكسجين والهيدروجين، بتمرير تيار كهربائي عبرها، حيث تتحد شوارد الأوكسجين لتكوين جزيء الأوكسجين.
شموع الأوكسجين
شمعة الأوكسجين، هي جهاز أسطواني لتوليد الأوكسجين كيميائياً، تحتوي الأسطوانة على مزيج من كلورات الصوديوم ومسحوق الحديد.
- لدى رفع درجة حرارته إلى نحو 600 درجة مئوية، يتأكسد الحديد إلى أوكسيد الحديد وينتج حرارة عالية:
4Fe + 3O2 → 2FeO3 + Tْ
- تُستخدم هذه الحرارة في التفاعل التالي، حيث تتفكك كلورات الصوديوم إلى كلوريد الصوديوم وجزيء الأوكسجين:
2NaClO3 → 2NaCl + 3O2
يمكن أن ينتج عن حرق شمعة أوكسجين لمدة 60-90 دقيقة نحو 2600 لتر من الأوكسجين، وهو ما يكفي أربعة أشخاص لما يقرب من 20 ساعة.
اقرأ أيضاً: كيف يعمل جهاز التنفس الصناعي المنقذ للحياة؟
إزالة ثاني أوكسيد الكربون
للتخلص من ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن عملية التنفس وغيره من الغازات الضارة يجب تنفيسه، ولكن قبل ذلك لا بُدّ من التقاطه كيميائياَ ضمن جهاز "غسل الغاز" (Scrubber). ضمن الجهاز، تُستخدم مادة صودا الجير؛ وهي مزيج من هيدروكسيد الصوديوم وهيدروكسيد الكالسيوم، وتحدث التفاعلات التالية:
- يتفاعل الماء الموجود في حبيبات صودا الجير مع ثاني أكسيد الكربون مكوناً حمض الكربونيك:
CO2 + H2O → H2CO3
- يتفاعل حمض الكربونيك مع هيدروكسيد الصوديوم، منتجاً كربونات الصوديوم والماء والحرارة:
H2CO3 + 2NaOH → Na2CO3 + 2H2O + Tْ
- تتفاعل كربونات الصوديوم مع الجير المطفأ (هيدروكسيد الكالسيوم) لتكوين كربونات الكالسيوم وهيدروكسيد الصوديوم:
Na2CO3 + Ca(OH)2 → CaCO3 + 2NaOH
- يمكن لـ 100 غرام من صودا الجير إزالة نحو 15 لتراً من ثاني أوكسيد الكربون.
اقرأ أيضاً: كيف يعمل جهاز كشف المعادن؟
إذاً، فقد استطاع اختراع الغواصة الهيمنة على المحيطات بعد أن نُقلت ساحات المعارك من البر إلى أعماق البحار، فتسارعت الدول العظمى لبناء أساطيلها وتركيز أبحاثها على تطوير الآلية التي تعمل بها الغواصات.