في طفولتي كنت أنظر إلى تلك القضبان المعدنية المتصلة بسقف المبنى على أنها أداة لجذب البرق إلى الأرض، وبعد أعوام وخلال أحد الفصول الدراسية، ورد درس عن عالم أميركي يُدعى بنجامين فرانكلين اخترع عام 1752 ما يُعرف بمانعات الصواعق، فتبين أن لتلك القطع المعدنية دوراً بحماية المباني من الصواعق عبر السماح للتيار الكهربائي للبرق بالمرور إلى الأرض دون أن يتسبب بأي ضرر حراري. فكيف تعمل مانعات الصواعق؟
بنجامين فرانكلين: مطارد العواصف
في القرن الثامن عشر، كان من المناظر الاعتيادية لسكان بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية رؤية رجل يمتطي حصاناً ويطارد عاصفة رعدية وبرقاً، كان هذا هو العالم بنجامين فرانكلين الذي أمضى حياته في إنجاز تجارب الكهرباء، والتي نتج عن إحداها اختراع مانعات الصواعق. كان كسائر علماء عصره، يعتقد أن البرق هو عبارة عن كهرباء، لكنه يحتاج لإثبات ذلك، بالإضافة إلى رغبته في حماية الأشخاص والمباني من تأثير الصواعق الحراري.
في 15 يونيو/ آب 1752، كان فرانكلين ينتظر انتهاء تشييد برج كنيسة المسيح، لإجراء تجربته على الصواعق بوصف البرج كمانع صواعق، إلا أن صبره نفد، فحاول الاقتراب أكثر من الغيوم باستخدام الطائرة الورقية كبديل عن البرج. لجذب الصاعقة، استخدم فرانكلين مفتاحاً معدنياً وربطه بالطائرة، ثم استخدم شريطاً عازلاً من الطائرة وحتى المفتاح، فتمكن من التقاط صاعقة، عبرت الشريط العازل وصولاً إلى المفتاح، فاستنتج بذلك أن البرق هو أحد أشكال الكهرباء، وأنه من الممكن جذب الصواعق إلى الهياكل المعدنية، وبالتالي تجنب آثار الاصطدام الحرارية الأخرى.
بعد عام واحد، تم البدء بتركيب مانعات الصواعق ببنيتها الأولية على أسطح الولايات المتحدة، وعلى شكل قضبان معدنية بطول يتراوح ما بين 5-10 أمتار، وبرأس نحاسي أو بلاتيني، وهي مواد ذات موصلية كهربائية عالية لالتقاط الصواعق، ما ساعد في إنقاذ آلاف الأرواح بمنع الحرائق وحماية المباني.
كيف تعمل مانعة الصواعق عندما تضرب الصاعقة البناء؟
يضرب البرق والصواعق خلال العواصف أعلى النقاط المشحونة في منطقة العاصفة، مثل مبنى إمباير ستيت الذي يتعرض سنوياً لعشرات الصواعق. تحمل الصواعق بشكل وسطي نحو 300 مليون فولت، وهو ما يكفي لتشغيل مصباح متوهج بقوة 100 واط لمدة ثلاثة أشهر تقريباً.
ينزل البرق إلى الأرض نتيجة فرق الجهد بين الغيوم والأرض، فيبحث عن المسار الأقل مقاومة، وعادةً ما تكون المعادن والمواد غير الموصلة ذات المقاومة العالية والتي تسخن بسرعة كبيرة نتيجة مرور التيار الكهربائي، كالأسلاك والأجهزة الإلكترونية ومواد السباكة والمزاريب المعدنية، فتتعرض للانفجار في أجزاء من الثانية، أو قد تتسبب بالحرائق بتبخر محتوى الخشب من الرطوبة أو أي مادة قابلة للاشتعال.
إذاً، فإن أفضل مكان لوضع مانعة الصواعق هو أعلى نقطة في المبنى أو السفينة، فيعمل على مبدأ اعتراض الصواعق الكهربائية وتحويل ملايين الفولتات عبر كابلات النحاس أو الألمنيوم ذات المقاومة المنخفضة عن الهيكل إلى الأرض، وهو ما يعرف بنظام التأريض، أو إلى الماء كما في السفينة.
بعبارة أخرى، تسحب مانعة الصواعق الشحنات الكهربائية الساكنة من الهواء ما بين قواعد السحب والأرض، وتوصلها إلى الأرض بأمان، بحيث تمنع تراكم الشحنات الكهربائية الذي ينتج عنه تفريغ البرق، إلا أن هذه الطريقة كانت تعتمد على جذب البرق إلى مانعة الصواعق لتفريغه، وهو ما قد يحمل مخاطر عديدة.
تصميم تسلا لمانعات الصواعق
بعد نحو قرنين من الزمن على تصميم فرانكلين لمانعات الصواعق، جاء العالم نيكولا تسلا، ليوضح عدة نقاط حول التصميم التقليدي لمانعات الصواعق ذات الأطراف المدببة، ومن بينها أن الطرف المدبب يُسبب تأين الهواء، فيتحول الهواء إلى موصل ويجذب البرق. لذا طوّر تسلا تصميمه الخاص الذي يعتمد على مبدأ معاكس لتصميم فرانكلين وهو بإزالة التأين، وباستخدام شكل دائري كبيرة لتأمين كثافة منخفضة جداً والمحافظة على صفات العزل للوسط المحيط، ما يعيق تشكل البرق باستخدام نقطة تجميع وقاعدة واسعة.
أنواع مانعات الصواعق
لاحقاً، زاد تعقيد تصميم مانعات الصواعق، وتم تصميم نوعين متعاكسين منها، وهما:
- إزالة الأيونات من قضبان الصواعق، لإزالة المجالات الكهربائية في الهياكل وإعاقة تشكل البرق.
- قضبان الصواعق المزودة بجهاز تفريغ، تعتمد على مبدأ تقدير شحنات السحب للتنبؤ بوقت إنتاج الصاعقة، ثم إطلاق نبضة كهرومغناطيسية تعمل على التقاط الصاعقة.
كيفية اختبار مانعة الصواعق
تنص لوائح الكهرباء في مختلف الدول على ضرورة إجراء اختبار وصيانة دورية لمانعة الصواعق، بحثاً عن وجود أي انحراف عن المعايير المحددة، والتي قد تحدث نتيجة التآكل أو الاستخدام الخاطئ، أو لتوسع المبنى. يشمل اختبار مانعة الصواعق فحص جميع مكونات نظام الحماية، بدءاً من القضيب المعدني فالأسلاك الناقلة وشبكة التأريض، وبوجود خبير مختص ومجهز بالمعدات الخاصة، ويتضمن:
- التحقق من استمرارية الموصلية الكهربائية للأسلاك الضعيفة المقاومة.
- التحقق من أداء القضبان الهوائية.
- التحقق من مقاومة الأرض بحيث تكون أقل من 10 أوم، فإذا زادت عن ذلك عليك بزيادة أقطاب الأرض.
- فحص الخطوط الكهربائية لحمايتها من الفولتية العالية.
على الرغم من التعديلات التي تم إدخالها على نموذج فرانكلين لمانعة الصواعق، فإنه ما زال قيد الاستخدام إلى يومنا هذا، كما في قبة دار ولاية ماريلاند الأميركية.