كيف يعمل العلاج المناعي الخلوي وما التحديات التي تواجهه؟

3 دقائق
كيف يعمل العلاج المناعي الخلوي وما التحديات التي تواجهه؟
حقوق الصورة: shutterstock.com/Alpha Tauri 3D Graphics

وافقت منظمة إدارة الدواء والغذاء الأميركية عام 2017 على دخول أول علاج لسرطان الدم يعتمد على التعديل الجيني لخلايا الجهاز المناعي للمريض، وهو ما يُعرف بالعلاج بالخلايا المتبناة، أو العلاج المناعي الخلوي. يمثل هذا العلاج خطوة جديدة نحو مستقبل لا يشكل فيه السرطان تهديداً خطراً على الحياة. فما هي أنواعه وما مدى انتشاره؟

العلاج بالخلايا المتبناة: العلاج المناعي الخلوي

طالما أن الخلايا السرطانية تختلف عن خلايا الجسم، فلماذا لا يتعرف الجهاز المناعي عليها ويهاجمها مثلما يهاجم البكتيريا والفيروسات وأي جسم غريب عن الجسم؟ في الواقع هذا ما يحدث في المراحل المبكرة من الورم والتي تعرف بمرحلة الإقصاء، ومع تطور المرض يزداد معدل نمو الورم بشكل متسارع، بحيث تخضع الخلايا السرطانية لتغييرات جينية تساعدها على التخفي عن الخلايا المناعية بمرور عقد من الزمن، لتتفوق في النهاية بمعدل انتشارها ونموها على نشاط الخلايا المناعية.

طور العلماء طرقاً جديدة في محاولة لعكس حيل الخلايا السرطانية في الاختفاء، ومنها العلاج بالخلايا المتبناة، وهي تقنية تعتمد على إعادة برمجة الخلايا المناعية في الجسم بحيث تستهدف الخلايا السرطانية. تخضع الخلايا المناعية للتعديل الوراثي خارج الجسم بحيث يمكنها تشكيل بروتين مستقبل على سطحها للتعرف على الخلايا السرطانية والالتحام بالمستضد على سطحها، ثم إعادة زرعها في المريض بعد أن أصبحت جاهزة لمهاجمة الخلايا السرطانية المستهدفة، ومنعها من النمو مرة أخرى. علاوة على ذلك، تمكن باحثو علم الأحياء التركيبي من تزويد الخلايا المناعية بالمزيد من الوظائف لتعزيز فعاليتها واستهداف الأمراض.

أنواع العلاج بالخلايا المتبناة

وضحت مجموعة من الباحثين في جامعة الأندلس السورية، في دراستهم التي نُشرت في "منشورات ميدتكست" (Medtext Publications)، وجود عدة أنواع للعلاج المناعي بالخلايا المتبناة وفقاً لآلية العمل، وهي:

العلاج بالخلايا التائية المعدلة وراثياً

الخلايا التائية هي نوع من الخلايا البيضاء التي يستخدمها الجهاز المناعي لمهاجمة الفيروسات والبكتيريا الغريبة عن الجسم، حيث تهاجم الخلايا التائية خلايا الورم السرطانية وتقضي عليها في المراحل المبكرة للمرض. إلا أنها في الحالات المتقدمة تصبح غير قادرة على كشف الخلايا السرطانية واحتواء المرض ما يتسبب في انتشاره. لذا، تهدف تقنية العلاج بالخلايا التائية المتبناة إلى تعديلها وراثياً، بحيث تستبدل الخلايا التائية "مستقبل الخلايا التائية" (TCR) على سطحها بمستقبل كيمري (CAR)، ثم يُعاد زرعها في المريض، وهو ما يُعرف "بالعقار الحيوي"، وبذلك يمكنها التعرف على الخلايا السرطانية والارتباط ببروتينات معينة على سطحها للقضاء عليها. يتم الحصول على الخلايا التائية من دم المريض بتمريره على جهاز خاص لفصل الخلايا التائية عن الخلايا الحمراء والصفيحات الدموية والبلازما.

العلاج بالخلايا اللمفاوية المتسللة للورم

هي نوع من الخلايا المناعية التي يمكنها التعرف على الخلايا السرطانية، من خلال مستضدات ترتبط بالورم (TAAs)، ثم تعمل على القضاء عليها. يتم الحصول على الخلايا اللمفاوية المتسللة من الأنسجة المصابة ثم معالجتها ببروتين خاص لمكاثرتها بسرعة. تُعاد إلى المريض بضخها في الوريد، لتتمكن من الوصول إلى الخلايا السرطانية وتدميرها. أثبتت هذه الطريقة فعاليتها في علاج الورم الميلانيني النقيلي، بالإضافة إلى سرطان القولون.

العلاج المناعي بخلايا الدم المحيطي أحادية النواة

خلايا الدم المحيطي أحادية النواة (PBMCs) هي خلايا دم ذات نواة مستديرة. تنشأ من الخلايا الجذعية المكونة للدم في نخاع العظم، وتشمل الخلايا التائية والخلايا البائية والخلايا القاتلة الطبيعية والخلايا وحيدات النوى الكبيرة والخلايا المتغصنة. تشكل مكونات أساسية لجهاز المناعة ليدافع عن الجسم ضد الميكروبات ويقتل الخلايا السرطانية. تتميز خلايا الدم المحيطي أحادية النواة بسهولة عزلها وتوافرها؛ ما يجعلها مناسبة للعلاج المناعي بالخلايا المتبناة. يمكن تنشيط هذه الخلايا بعدة طرق كما في التعديل الوراثي، وبمعاملتها بجرعات من عامل نمو الخلايا التائية (الإنترلوكين-2) يمكن الحصول على الخلايا اللمفاوية القاتلة النشطة (LAK)، والتي تساعد في إنتاج الخلايا القاتلة التي يسببها السيتوكين (CIKs).

العلاج بالخلايا القاتلة التي يسببها السيتوكين (CIKs)

الخلايا القاتلة التي يسببها السيتوكين هي من نسل الخلايا اللمفاوية القاتلة، وتتميز عنها بسهولة العزل، وفعالية أكبر، وعدم وجود أية سمية لخلايا الجسم. غالباً ما تُستخدم في علاج سرطان القولون والمستقيم.

العلاج بالخلايا القاتلة الطبيعية

تشكل الخلايا الطبيعية القاتلة جزءاً من الجهاز المناعي الفطري، وهو الخط الدفاع الأول، إذ يمكنها التعرف على الخلايا الغريبة عن خلايا الجسم (الطافرة) والخلايا الممرضة من خلال مستقبلات الإشارة الموجودة على سطحها، ومستضدات الخلايا الغريبة.

انتشار تقنية العلاج بالخلايا المتبناة

وفقاً للدراسة السابقة التي تم إجراؤها في سورية، نشر الباحثون استبياناً لقياس مدى معرفة المجتمع السوري عموماً والعاملين الصحيين وطلاب الطب بشكل خاص، بعلاج السرطان باستراتيجية الخلايا المتبناة. تبين أن العلاج الأكثر شيوعاً في سوريا هو العلاج الكيمائي يليه الجراحي ثم الإشعاعي. أما بالنسبة للعلاج بالخلايا المتبناة فإن 88% من المشاركين لم يسمعوا به، واقتصرت معلومات النسبة المتبقية على معرفة عامة بالاستراتيجية الجديدة للعلاج.

عالمياً، تتصدر الولايات المتحدة الأميركية والصين قائمة الدول التي تبنت استخدام العلاج بالخلايا المتبناة. كذلك الأمر في أوروبا، إذ عملت إسبانيا منذ أكثر من 30 عاماً على تطوير العلاج، وتبعتها عدة دول أوروبية لاحقاً كالمملكة المتحدة. وفي أستراليا أصبح العلاج متاحاً منذ عام 2021 لعلاج سرطان الغدد اللمفاوية.

حتى الآن هناك أكثر من 10 آلاف مريض حول العالم ممن خضعوا للعلاج بالخلايا التائية المتبناة، وتركزوا بشكل أساسي في الدول المتقدمة. في حين قل عدد المستفيدين في الدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض وانعدمت في بعضها كالهند وإفريقيا، لأسباب لوجستية ومادية.

صنع العلاج المناعي الخلوي الجديد بالخلايا المتبناة علامة فارقة في تطوير العلاجات المناعية للسرطان، وعلى الرغم من الوعود والآمال التي يعقدها الباحثون على النهج العلاجي الجديد، إلا أنه يواجه العديد من الصعوبات والتحديات المتمثلة في التكاليف الباهظة للتقنيات وصعوبة تصنيع الفيروسات والحاجة إلى المزيد من الأبحاث.

المحتوى محمي