وُجدت المجاهر الإلكترونية الأولى عام 1921، وتطورت منذ ذلك الحين ليصبح لها العديد من الأنواع التي تختلف استخداماتها باختلاف بعض التفاصيل الخاصة بكل منها، ويعطي كل نوع صوراً مختلفة في الدقة والنوعية.
بشكل عام، يوجد نوعان أساسيان للمجاهر الإلكترونية: المجهر الإلكتروني النافذ، والمجهر الإلكتروني الماسح. وسيكون الأخير موضوع مقالنا هذا.
المجهر الإلكتروني المجسي الماسح
لفهم المجاهر الإلكترونية، يمكن مقارنتها بالمجاهر الضوئية. تستخدم المجاهر الضوئية شعاعاً من الضوء المرئي يمر عبر العينة المدروسة، ومن ثم عبر عدسات مكبرة ينظر من خلالها الباحث، ليرى ما يوجد في العينة.
في المجاهر الإلكترونية الماسحة، يُستبدل شعاع الضوء المرئي بشعاع من الإلكترونات يمسح سطح العينة، ولا يمكن للمستخدم رؤية السطح مباشرة، بل يرى صورة تمثل بنية السطح في الوقت الحقيقي الذي يفحص فيه الباحث العينات.
تتكون هذه الصورة الناتجة من إلكترونات ثانوية تنبعث من السطح عندما يتم تحفيزها بواسطة شعاع الإلكترون. يُزوَّد المجهر الإلكتروني الماسح بكاشف يرسم إشارات الإلكترونات، ويشكل صورة توضح عمق العينة بالإضافة إلى بنية سطحها.
تسمى المجاهر الإلكترونية الماسحة بالمجاهر المجسية الماسحة، لأنها تمتلك في أحد أطرافها مجساً (مسباراً) حاداً له نهاية ناتئة وهو مشحون كهربائياً يتتبع سطح العينة دون لمسه، ويمكنه التفاعل مع العينة أيضاً.
عند استخدام المجهر الإلكتروني الماسح نحصل على صورة توضح ملامح سطح العينة وقوامها، وشكل الجسيمات التي تتكون منها وحجمها وترتيبها، كما يمكن معرفة العناصر والمركبات التي تتكون منها العينة ونسبها في ميكرومتر واحد.
توجد عدة أنواع للمجهر المجسي الماسح:
- المجهر الأنبوبي الماسح (STM).
- مجهر القوة الذرية (AFM).
- مجهر القوة المغناطيسية (MFM).
مميزات وعيوب استخدام المجاهر الإلكترونية الماسحة
تمنح المجاهر الإلكترونية الماسحة عدة مزايا للباحثين، كما أن لها بعض العيوب.
الميزات
- توفر صوراً ثلاثية الأبعاد للعينات، يمكن عبرها التعرف إلى الكثير من الخصائص مثل الخشونة وشكل السطح والحجم.
- تتمتع بدقة أكبر بكثير من المجاهر الضوئية.
- تساعد في دراسة العينات على المستوى الجزيئي.
- يمكن استخدامها في العديد من الأوساط (الفراغ والهواء والماء والسوائل والغازات الأخرى).
- تعمل في درجات حرارة منخفضة جداً وعالية جداً.
- تقلل الوقت اللازم لإعداد العينات ودراستها.
- تستخدم على عينات ثخينة نسبياً حيث يتم فحص السطح فقط.
العيوب
- تحتاج إلى دقة ومهارة من الباحث ليتمكن من استخدامها.
- تتطلب أسطحاً ثابتة ونظيفة للغاية وتحكماً ممتازاً في الاهتزاز.
- معداتها مكلفة، وسريعة العطب.
- غالباً ما تنتج صوراً بالأسود أو الأبيض أو الرمادي، مع المبالغة في بعض الحالات في الشكل أو الحجم الفعلي للعينات.
تُستخدم أجهزة الكمبيوتر لتصحيح المبالغة وإنتاج صور ملونة في الوقت الفعلي، وتزوّد الباحثين بمعلومات في الوقت الفعلي مثل التفاعلات داخل الهياكل الخلوية.
المجهر الأنبوبي الماسح
ويسمى أيضاً المجهر النفقي الماسح، وهو النوع الوحيد من المجاهر الإلكترونية الذي يمكنه تصوير الذرات المفردة، إذ يمكن أن تصل قوة تكبيره حتى 100 مليون مرة. تبلغ دقته نحو 0.001 نانومتر، أي نحو 1% من قطر الذرة. ويتميز بقدرته على العمل في الهواء والماء والغازات والسوائل الأخرى. يمكن استخدامه على نطاق واسع من درجات الحرارة، من الصفر المطلق إلى أكثر من 1000 درجة مئوية. على عكس الأنواع الأخرى من المجاهر الإلكترونية، فإنه ميسور التكلفة وسهل الصنع.
كيف يعمل المجهر الأنبوبي الماسح؟
يعتمد عمله على مبدأ النفق الكمومي، حيث يتم وضع طرف موصل كهربائي (سلك معدني) بالقرب من سطح العينة. عندما يتم تطبيق فرق الجهد، يمكن للإلكترونات أن تشكل نفقاً بين الطرف الموصل والعينة. يتم قياس التغيير في تيار الطرف الموصل أثناء مسحه ضوئياً عبر العينة لتكوين صورة ثلاثية الأبعاد.
أدى تطوير مجهر المسح النفقي في مختبر أبحاث IBM في زيورخ في سويسرا، إلى حصول مطوريه (جيرد بينيج) و(هاينريش روهرر) على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1986.
استخدامات المجهر الأنبوبي الماسح
يستخدم الباحثون المجهر الأنبوبي الماسح في العديد من التطبيقات، أهمها:
- دراسة الاحتكاك وخشونة السطح والعيوب والتفاعلات السطحية في بعض المواد.
- إجراء الأبحاث حول أشباه الموصلات والإلكترونيات الدقيقة.
- ترسيب ذرات المعادن مثل الذهب والتنغستن، المستخدمة في تصنيع الأجهزة النانوية.
- تدوير الجزيئات الفردية في عينة من خلال تطبيق جهد مناسب. يمكن استخدام هذا كوسيلة لتخزين البيانات في الدارات الكهربائية أو الرقاقات.
- دراسة ترتيب الذرات الفردية على الأسطح المعدنية مثل الذهب والبلاتين والنيكل والنحاس بدقة.
- دراسة السيليكون.
- دراسة خصائص المواد فائقة التوصيل.
- دراسة الانتشار السريع للذرات عبر سطح المعادن وتآكلها.
- الحصول على صورة لكيفية ترتيب الذرات على السطح، من خلال النظر إلى كثافة الإلكترونات لذرات السطح.
مجهر القوة الذرية
مجهر القوة الذرية (AFM) هو مجهر ماسح عالي الدقة، يمكنه فحص العينات بدقة 1 أنجستروم (0.1 نانومتر)، أي تكبيرها حتى مليون مرة. يحتوي على ذراع في نهايتها مجس دقيق ونانوي، في طرفه رأس حاد من السيليكون أو نتريت السيليكون، يستخدم لمسح سطح العينة على مستوى النانومتر أو الأنجستروم. يجب توخي الحذر عند التعامل مع هذا المجهر، وفي أثناء فحص العينات، خشية كسر الرأس الحاد والهش أيضاً.
يمكن باستخدام مجهر القوة الذرية تطبيق قوى مختلفة بين الطرف والسطح، وذلك تبعاً للغاية المرجوة من الفحص أو العينة. قد تكون القوى المطبقة: قوة التلامس الميكانيكية أو المغناطيسية أو قوى فاندرفالس أو الكهرباء الساكنة وغيرها.
تم تطويره عن المجهر الأنبوبي الماسح الذي يحتاج لطلاء العينات بناقل معين، ما يعني أنه يجب أن تكون الأسطح موصلة أو شبه موصلة، ما حدّ من تطبيقه لفحص العينات مثل البروتينات. أمّا مع تطوير مجهر القوة الذرية أصبح بالإمكان فحص البوليمرات والسيراميك والزجاج، بالإضافة إلى المركبات الحيوية مثل البروتينات.
اختُرع مجهر القوة الذرية عام 1985 من قِبل "بينينغ" و"كوات"، وقد تكوّن المجهر الذي عمل على تطويره من قطعة من الماس متصلة بشريط من رقائق الذهب. وفيه يلامس رأس الماس السطح مباشرة، مع قوى فاندرفالس بين الذرية التي توفر آلية التفاعل.
اقرأ أيضاً: الفحص المجهري فائق البرودة يفوز بجائزة نوبل للكيمياء
مجهر القوة المغناطيسية
يُعد مجهر القوة المغناطيسية (MFM) نوعاً من مجاهر القوة الذرية، يستخدم عادةً لمسح ودراسة الأسطح ذات الخصائص المغناطيسية. يحتوي المجس الخاص به على طلاء مغناطيسي يسمح للمجهر بقياس المجالات المغناطيسية، ما يجعله مثالياً لتصوير التوزيع المكاني للمجال المغناطيسي لأجسام مغناطيسية.
تتسبب القوة المغناطيسية بين المجس والعينة في تسجيل التذبذبات التي تؤدي إلى تغيرات في الانحرافات الزاوية لحزمة الضوء المنعكسة. يتم الكشف عن هذه التغييرات بواسطة مستشعر بصري، ومن ثم تكوين الصورة ثلاثية الأبعاد.
أهم ميزات مجهر القوة المغناطيسية هي إمكانية استخدامه في ظروف محيطة مختلفة مثل درجات الحرارة المتفاوتة، وفي الأوساط السائلة، ما يجعله المجهر الأمثل لدراسة الجسيمات النانوية المختلفة في بيئاتها الخاصة.
الفرق بين المجهر الأنبوبي الماسح والمجهر المجسي الماسح
كما سبق وذكرنا في البداية، تسمى المجاهر الإلكترونية الماسحة بـ "المجسيّة"، لأنها مزودة بمجس مسؤول عن فحص سطوح العينات، ولها أنواع مختلفة منها المجهر الأنبوبي الماسح، أي أن الفرق بين المجهر الأنبوبي الماسح والمجهر المجسي الماسح هو أن الأول أحد أنواع الثاني.