باتت أفران الميكروويف شائعةً جداً في مطابخنا؛ إذ نقوم بطهي الطعام أو تسخينه بسرعةٍ فائقة بفضل الإشعاع الكهرومغناطيسي والكهرباء؛ لكن في بعض الأحيان، نتساءل حقاً كيف يعمل الميكروويف؟ هنا، نستكشف العلم وراء أحد أكثر الأجهزة المنزلية ثورية في القرن العشرين.
اختراع الصدفة في القرن العشرين
كان «بيرسي ليبارون سبنسر» مهندساً تعلّم بنفسه ولم ينهِ المدرسة الابتدائية، ووفقاً لمتحف الجنوب الغربي الأميركي للهندسة والاتصالات والحساب، فأثناء عمله في شركة «ريثيون» الأميركية، عمل على «المغنطرونات»؛ وهي أنابيب مفرغة تنتج إشعاعات الميكروويف وتستخدَم في أنظمة الرادار. في عام 1941، ابتكر طريقةً أكثر كفاءةً لتصنيعها؛ إذ سمح ابتكاره للإنتاج بالارتفاع من 17 إشعاعاً إلى أكثر من 2600 في اليوم.
كان سبنسر يختبر مغنطروناً عندما لاحظ أن قطعة الشوكولاتة في جيبه قد ذابت. افتُتن بما حصل، واختبر سبنسر الأطعمة الأخرى؛ بما في ذلك حبات الفشار، ولاحظ أنها طُهيت جميعاً، كما وضع بيضةً بالقرب من المغنطرون وراقبها وهي تبدأ في الاهتزاز ثم تنفجر، وأدرك سبنسر أن الأطعمة تعرضت لطاقة ميكروويف منخفضة الكثافة جعلتها تُطهى بهذا الشكل.
قام بعد ذلك ببناء صندوق معدني وإدخال طاقة الميكروويف فيه، دخلت الطاقة إلى الصندوق؛ لكنها لم تستطع الهرب، لأن الموجات الدقيقة لا تمر عبر المعدن. اكتشف سبنسر حينها أن أفران الميكروويف يمكنها طهي الطعام بشكلٍ أسرع من الأفران التقليدية التي تستخدم الحرارة، وقدم طلب براءة اختراع في عام 1945، ويُذكر أن سبنسر نال 150 براءة اختراع طوال حياته المهنية؛ وفقاً لقاعة مشاهير المخترعين الوطنية، وتوفي عام 1970.
تم اختبار أول فرن ميكروويف تجاري في إحدى مطاعم ولاية بوسطن في عام 1947، وفي وقتٍ لاحق من ذلك العام، قدمت شركة «ريثيون» جهاز «رادارينج 1161»، وكان يبلغ ارتفاعه 1.7 متراً ووزنه 340 كيلوغراماً، وتكلفته 5000 دولار، وكان لا بد من توصيله بخط مياه لأن المغنطرون كان يبرد بالماء. استغرق الأمر بضع سنوات حتى يتمكن العامّة من التغلب على ترددهم الأولي حيال الاختراع؛ ولكن مع تحسن التكنولوجيا، نمت شعبية أفران الميكروويف؛ لا سيما في صناعة المواد الغذائية.
كما أصبح من الممكن للمطاعم الاحتفاظ بالوصفات المطبوخة في الثلاجة وتسخينها لتقليل الفاقد، واستخدمت مؤسسات صناعة المواد الغذائية الأخرى أفران الميكروويف لتحميص حبوب البن والفول السوداني، وإزالة الجليد عن اللحوم وطهيها مسبقاً، وحتى تقشير المحار.
وجدت صناعات أخرى أيضاً استخدامات لتسخين الميكروويف؛ حبث تُستخدم أفران الميكروويف أيضاً لتجفيف الفلين والسيراميك والورق والجلد والتبغ والمنسوجات وأقلام الرصاص والزهور والكتب المبتلة ورؤوس الثقاب.
كيف يعمل الميكروويف؟
بادئ ذي بدء؛ تقوم أفران الميكروويف بتسخين الطعام من الداخل عن طريق تمرير الإشعاع الكهرومغناطيسي عبر الطعام. مصدر الإشعاع الكهرومغناطيسي هو المغنطرون الموجود داخل فرن الميكروويف، وهذه الإشعاعات هي إشعاعات غير مؤيّنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تردد الموجات الدقيقة يكون أعلى من موجات الراديو؛ ولكنه أقل من ضوء الأشعة تحت الحمراء.
يأخذ المغنطرون الكهرباء من شبكة الطاقة ويحولها إلى موجات دقيقة ذات تردد أعلى من موجات الراديو، ثم يقوم هذا المغنطرون بتوجيه هذه الموجات عبر دليلٍ موجي.
إضافةً إلى ذلك، فإن الطعام داخل الميكروويف يدور يتحرك باستمرار في حركةٍ دائرية، لذلك فهو يضمن تسخين الطعام بشكلٍ متساوٍ. ترتد الموجات الدقيقة داخل المقصورة المعدنية للفرن في اتجاهات مختلفة بفضل الأسطح العاكسة داخله، وخلال هذه الحركة، تمر الأمواج عبر الطعام.
تعمل الموجات أثناء الانتقال عبر الطعام على هزّ الجزيئات الموجودة في الطعام، ومع مرور المزيد والمزيد من الموجات عبر الجزيئات، تبدأ الجزيئات في الاهتزاز بسرعة كبيرة وتنتج الحرارة، وهكذا، تمرر هذه الموجات الطاقة إلى الطعام؛ مما يجعله ساخناً.
أيضاً تعمل الموجات الدقيقة على تسخين جزيئات الماء بمعدلاتٍ أسرع من أي جزيئات أخرى، لذل فإن الطعام الذي يحتوي على نسبة عالية من الماء يسخن بشكلٍ أسرع عند مقارنته بالطعام الصلب أو شبه الصلب.
يُذكر أن موجات أفران الميكروويف الدقيقة تمر في البلاستيك والزجاج والسيراميك؛ ولكن ليس المعادن، ولهذا السبب لا يوصى باستخدام الأواني المعدنية في فرن الميكروويف.
مدى سلامة الميكروويف
بعد معرفة كيف يعمل الميكروويف، لعلّ السؤال التالي الذي يتبادر إلى ذهنك هو «ما مدى سلامة الميكروويف؟». حسناً، منذ تطويرها الأولي، تعرضت أفران الميكروويف لسمعة سيئة بسبب استخدامها للإشعاعات، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية؛ تكون أفران الميكروويف آمنةً عند استخدامها بشكلٍ صحيح وصيانتها لتبقى في حالةٍ جيدة.
وفي حين أن الكميات الهائلة من إشعاع الميكروويف يمكن أن تكون ضارة، فإن الأفران مصممة للحفاظ على الإشعاع داخل الفرن، ولا تنطلق إلا عند تشغيل الفرن وإغلاق الباب. لذا، فالحد الأدنى من الإشعاع الذي قد يتسرب بشكلٍ أساسي من خلال الباب الزجاجي، أقل بكثير من المعايير الدولية للخطورة.
الشاغل الصحي الرئيسي عندما يتعلق الأمر باستخدام أفران الميكروويف هو أنه يسخن الطعام بشكلٍ غير متساوٍ، ويمكن أن تتسبب في أن أجزاء من الطعام إما غير مطبوخة جيداً أو ساخنة للغاية، لذلك يجب معادلة الحرارة داخل الطعام عن طريق تقليبه في منتصف مدة الطهي وزيادتها إن لزم الأمر، فالإصابة الأولية التي قد تنتج عن استخدام فرن الميكروويف هي الحرق الناتج عن الطعام والسوائل الساخنة أو جزيئات الطعام الساخن، بالإضافة إلى الأضرار المحتملة من الطهي بشكلٍ غير متساو.
اقرأ أيضاً: المسؤول عن طعامك في غيابك: كيف تعمل الثلاجة؟