يُعد التحدث أمام العامة أمراً صعباً. عليك أن تدرك ما تقوله وتتحكم في طريقة تحركك، وأن تبدو صادقاً ومحبوباً أثناء محاولة نقل أفكرك بوضوحٍ وإثبات أن وجهة نظرك صحيحة وجديرة بالثقة. ولكن منذ أن وضعت جائحة فيروس كورونا حداً للتجمعات الكبيرة، أصبح التحدث أمام العامة مقتصراً على المؤتمرات من خلال مكالمات الفيديو، حيث يكون المسرح محدوداً بإطار ما تلتقطه الكاميرا في هاتفك أو الكمبيوتر.
ربما يجعلك ذلك تشعر ببعض الراحة، ولكن هناك تحديات أثناء التحدث إلى مجموعة من الأشخاص من مكانك المريح في المنزل. يمكنك التغلّب على ذلك بالتركيز واتباع بعض الحيل البسيطة.
نصائح تناسب جميع المواقف
هناك بعض أساسيات جوانب الخطابة ثابتة لا تتغير، سواء كنت تتحدث عبر تطبيق زووم، أو كنت أمام الجمهور مباشرة. إليك بعض النصائح الأساسية في هذا الصدد:
1. اعرف هدفك
كل شكلٍ من أشكال التواصل، من التحدث إلى صديقك على الهاتف إلى مخاطبة الأمة على التلفاز، له هدف محدد. تقول «مارجوري نورث»، التي تُدرِّس مهارات الخطابة العامة والتواصل التنفيذي في مدرسة الإرشاد بجامعة هارفارد: «قد يكون الهدف هو مناقشة الأعمال أو للدردشة أو إنشاء اتصال. هناك دائماً هدف من كل محادثة، وعلينا معرفته مسبقاً وتنظيم مادتك لتحقيقه».
تشرح مارجوري قصدها بالمادة بأنها كل المهارات والسياقات التي ستسخدمها في نقل أفكارك، من محتوى الحديث وكيفية استخدام نبرة صوتك وغير ذلك. فإذا كنت تحاول نقل مشاعرك للآخرين، سيكون ما يتلقاه الجمهور معتمداً على الطريقة التي تستخدم بها هذه الأدوات. على سبيل المثال، إذا كان هدفك هو بث الخوف والرعب في نفوس محدثيك، فقد يكون المظهر الحازم والنبرة القوية أفضل أدواتك غير اللفظية لتحقيق ذلك. أما إذا كنت تبحث عن التعاطف، يمكنك استخدام إيماءات الترحيب (مثل الأيدي المفتوحة أو الحركات التي تحاكي التواصل). كما سيساعدك إظهار عواطفك وسرد قصصك على إيجاد أرضيةٍ مشتركة مع المستمعين.
2. اعرف جمهورك
هناك فرق كبير بين الدعوة مثلاً إلى دعم مشاريع الهبوط على سطح القمر أمام حشدٍ من عشاق الفضاء، وبين الحديث عن نفس الموضوع أمام حشدٍ من محبي رياضة الغوص في أعماق البحار. كلما زادت معرفتك بمن تحدثهم، وما تستخدمه من أحاديث ونكات -إن وجدت- ولهجتك، سيكون لها وقع مختلف باختلاف من يسمعها، وبالتالي فإن اختيار النهج الأنسب لمستمعيك سيسهل عليك تحقيق هدفك.
هذا لا يعني أنك بحاجة إلى اعتماد إستراتيجية دفاعية عند التحدث إلى أشخاص لا يتفقون معك. بل على العكس من ذلك، عليك إيجاد أية أرضيةٍ مشتركة تتفق معهم عليها بغضّ النظر عن كيفية الوصول إليها. (في مثال الهبوط على سطح القمر مثلاً؛ يمكنك التركيز على حقيقة أن الاستكشاف مهم، وذلك موضوعٌ آخر يختلف عن فكرة الهبوط على سطح القمر بحد ذاتها). وإذا أحسست بزيادة التوتر عند طرح الجمهور الأسئلة، فإن أهم شيءٍ يمكنك فعله هو الإستماع لهم باهتمام.
تقول مارجوري: «استمع للطرف الآخر وامنح نفسك الفرصة للتفكير في حجةٍ ترد بها عليه. يظهر ذلك لهم أنك تحترم الطرف الآخر».
3. حافظ على البساطة
من السهل تصحيح الأخطاء عند الكتابة، إذ يمكنك الرجوع سطرين إلى الوراء وإعادة صياغة فكرةٍ لا تشرح ما تقصده بشكلٍ مناسب، لكن لا يمكنك التراجع عما تقوله، لذلك إذا فقدت المسار الذي تريده، فإنك تخاطر بخسارة الجمهور. لذلك من المهم التأكد من بساطة الخطب وسلاستها. ابدأ بكتابة مخطط تفصيلي لكلامك، واحرص على أن كل فكرة ستؤدي إلى الفكرة أو المرحلة التالية. تذكر هدفك والتزم به، ولا تخف من انتقاد الآخرين.
كيف تختلف المؤتمرات عبر مكالمات الفيديو؟
قد تكون صعوبة التواصل البصري مع جمهورك أحد أكبر التحديات التي يجب عليك مواجهتها
قد يسهل علينا مخاطبة جمهور قليل في حال عدم وجودنا في غرفةٍ مليئة بالأشخاص الذين يحدقون إلينا لفترة طويلة من الوقت، ولكن التحدث عبر الفيديو له تحدياته الخاصة أيضاً.
1. انتباه أقل
ربما تدرك مدى صعوبة التركيز على اجتماعات فريق العمل، أو متابعة دروس اللغة الانجليزية على الويب إذا كنت تعمل أو تتعلم من المنزل. يمكننا مثلاً أن نوقف تشغيل كاميرا الفيديو والقيام بما نريد في الوقت الذي نبقى فيه نستمع للمتحدثين، أو قد يغرينا التنقل بين صفحات الويب والتصفّح عبر وسائل التواصل الإجتماعي كثيراً.
ستكون هذه المجموعة من المشتتات أسوأ عدو لك عندما تكون أنت من يتحدث، ليس بالنسبة إليك فقط، بل للمستمعين أيضاً. في الواقع، عندما يكون المستمع في المنزل، فإن عليه التعامل مع عدد لا يُحصى من الأشياء في نفس الوقت، لذلك فإن الحفاظ على تركيزهم والتفاعل معهم سيكون التحدي الأساسي لك. وفي هذا الصدد، يمكنك الاستفادة من الأدوات التي توفرها المنصة التي تتكلم من خلالها.
تقول نورث: «إذا لم يكن الوقت متاحاً لإشراك الجميع في المحادثة، فاطلب منهم مثلاً الإجابة عن سؤالٍ من خلال الدردشة، أو طرح تصويتٍ على موضوعٍ متعلق بفكرتك». كما توصي نورث بتوزيع المستمعين إلى غرفٍ مختلفة للمناقشة إن أمكن ذلك. عليك فقط جذب انتباههم دائماً قدر الإمكان بأي طريقة.
2. ستكون لغة جسدك محدودة
لقد سررنا إلى حدٍ كبير عندما أدركنا أننا لم نعد مضطرين لارتداء البزات الرسمية لحضور الاجتماعات أثناء العمل من المنزل. لكن بالرغم من أن هذا الأمر يوفر لنا مستوىً جديداً من الراحة عند الحديث في مؤتمرات الفيديو، فإن حقيقة أنك ستبقى مقيداً على كرسي، وعينيك على الشاشة طيلة الاجتماع ستحدّ أيضاً من مهارات الاتصال غير اللفظية لدينا.
في بيئة الخطابة العادية، قد تكون كيفية وقوفك وتحركك على خشبة المسرح أدواتٍ مهمة تضفي مزيداً من التألق والاقناع على رسالتك، ولكن إذا كنت تقدم العرض عبر سكايب أو زووم، ستبقى دون حركة حتماً. لكن لا داعي للإحباط، لا يزال هناك الكثير من الأشياء الأخرى التي يمكنك القيام بها.
تقول نورث: «يمكنك استخدام الاختلافات الصوتية لإظهار اهتمامك والتأكيد على ما تتحدث عنه». على سبيل المثال، التحدث بشكلٍ أسرع أو أبطأ أو تغيير طبقة الصوت واستخدام نبرةٍ قوية أو أقل شدة تبعاً للموقف. من المهم أيضاً الانتباه إلى أن رفع صوتك ليس الطريقة الوحيدة للتأكيد على ما تقوله، إذ أنه في بعض الأحيان قد يكون لخفض نبرتك وقوة صوتك أثر أكبر في جذب انتباه الجمهور وجعله يركز على ما تقوله أكثر».
من الأدوات التي يمكنك استخدامها أيضاً أثناء مكالمات الفيديو إيماءات اليد وتعابير الوجه، ولكن هناك تحدي إضافي يتمثل في توفير مدى مناسب وكافٍ لإظهار حركاتك وإيماءاتك عندما تكون كبيرة على شاشة الحاسب المحمول، ولكن يمكن التدرب مسبقاً على القيام بالحركات والإيماءات الصحيحة بتسجيل نفسك أثناء التحدث، وإعادة مشاهدة الفيديو كي تقوم بها بالشكل المناسب.
3. صعوبة معرفة كيفية تفاعل الجمهور معك
تقول نورث: «بمجرد أن تعتاد التحدث علناً، قد تبدأ في ملاحظة استجابة جمهورك والتفاعل معها. ولهذا الأمر إيجابيات وسلبيات؛ فإذا كنت تتعامل مع جمهورٍ لا يتقبل ما تقوله، فقد تشعر بمزيدٍ من الضغط والتوتر، ولكن إذا كان جمهورك متحمساً لأفكارك، في يكون ذلك مبهجاً بالنسبة لك».
وسواء كانت استجابة جمهورك جيدة أو سيئة، لا ينبغي أن يظهر ذلك عليك على الشاشة. عليك أن لا تعتمد كثيراً على تعليقات جمهورك الفورية، لأن ذلك قد يشتتك. سيكون الحفاظ على طاقتك تحدياً لك، لذلك احرص على الحصول على بعض المساعدة. يمكنك مثلاً كتابة الملاحظات أو الأفكار وجعلها مرئيةً لك خلف الكاميرا للإستعانة بها للعودة مجدداً إلى سياق النقاش، والحديث إن حدث أي تشتيت لك.
في الواقع، من الصعب إثارة تفاعل الجمهور معك دون التواصل معهم بصرياً، وهي أسهل طريقةٍ لدفع المستمعين للتفاعل، وإشراكهم في الحديث. لكن منصات المحادثة، مثل زووم، تجعل من هذا الأمر صعباً، لذلك تقترح نورث عليك بأن تقوم بمسح وجوه المشاركين من وقتٍ لآخر حتى تتمكن من معرفة استجابتهم لما تقول.
تكمن المشكلة في أن القيام بذلك لن يكون مفيداً إلا لك، لذلك احرص دائماً على النظر إلى الكاميرا مباشرة من حينٍ لآخر لإعطاء كل فردٍ من الجمهور إحساساً بأنك تنظر إليه مباشرة. لن يكون التحديق في ذلك الثقب الأسود في الجزء العلوي من شاشتك (أي الكاميرا) أمراً سهلاً ومحبباً إليك، ولكنه الطريقة الأسرع والأكثر فاعلية للتواصل مع الآخرين حتى عندما نكون بعيدين عن بعضنا مادياً.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً