في ظل الجائحة الحالية، ومع تطبيق نظام التعليم عن بعد، يمكن للمشرف الرقمي، أثناء امتحان الطلاب عن بعد عبر الإنترنت، أن يقوم بمسح منزل الطالب والتحكم بالماوس على حاسبه. ويمكن لمنصة التعليم عن بعد أن تقوم بمسح وجوه الطلاب وبصمتهم الصوتية، بينما يمكن للأشخاص الغرباء الدخول فجأة إلى منصة التعليم الصفية لمعرفة من في الفصل فما مدى تأثير هذا على خصوصية الطلاب؟
هذه السيناريوهات الثلاثة المثيرة للقلق ليست افتراضية. وتُعتبر أمثلة واضحة من الحياة الواقعية لكيفية تحول التعلم عن بُعد أثناء الوباء- على مستوى التعليم ما قبل الجامعي وما بعده- إلى نظامٍ تعليمي مليء بالتهديدات التي تنتهك خصوصية الطلاب.
بصفتي باحثاً في الخصوصية، فإني أعتقد أن كل «العيون الإلكترونية» التي تراقب الطلاب هذه الأيام قد خلقت لدى الطلاب مخاوف تتعلق بالخصوصية تستحق مزيد من الاهتمام. لقد بتنا نرى ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة شكاوى الطلاب وأولياء الأمور والمدافعين عن الخصوصية الرقمية؛ حول انتهاكات الخصوصية الرقمية، وتزايد الدعوات لمحاسبة المدارس والمنصات التكنولوجية التعليمية لمخالفتهم القوانين التي تحمي خصوصية الطلاب.
المخاوف والانتقادات
على سبيل المثال، اتهم اتحاد الحريات المدنية الأميركية في ولاية ماساتشوستس قوانين الولاية بأنها تفتقر إلى التدابير الكافية لحماية خصوصية طلاب المدارس والكليات. حيث يحاول الطلاب دفع الجامعات لوقف استخدام البرامج التي تنتهك الخصوصية؛ مثل تطبيقات المراقبة التي تستخدمها بعض المدارس والكليات للتأكد من عدم غش الطلاب في الامتحانات، وقد تقدموا بالفعل بالعديد من الطلبات للطلب من المسؤولين والمعلمين لوقف استخدامها. وفي هذا السياق، كتبت مؤسسة الحدود الإلكترونية -وهي منظمة دولية غير ربحية تهدف للدفاع عن الحقوق الرقمية- رسالة إلى المحكمة العليا في كاليفورنيا تقول فيها؛ إن استخدام تقنيات المراقبة عن بعد ينتهك الخصوصية ويعادل فعل التجسس.
في الحقيقة، يعود السبب في محاربة الطلاب والمدافعين عن الخصوصية ضد تطبيقات المراقبة عبر الإنترنت إلى العديد من حوادث الانتهاكات الأمنية. فعلى سبيل المقال، في يوليو/ تموز من هذا العام، تسربّت معلومات شخصية حساسة لنحو 444 ألف طالب بسبب خرقٍ أمني لحسابات خدمة «بروكتوريو» -وهي خدمة مراقبة عبر الإنترنت لتعزيز برنامج التعلم والامتحانات- بما في ذلك أسماء الطلاب وعناوين بريدهم الإلكتروني، وعناوين منازلهم وأرقام هواتفهم وكلمات المرور التي يستخدمونها. ثم أصبحت هذه البيانات متاحة في منتديات القراصنة عبر الإنترنت. قد يستخدم مجرمو الإنترنت هذه المعلومات لشن هجماتٍ لسرقة هويات الأشخاص والحصول على قروضٍ باستخدام أسمائهم.
وقد أعرب الطلاب في جامعة ولاية واشنطن في عريضةٍ جماعية تقدموا بها عن مخاوفهم بشأن التدابير الأمنية الضعيفة لخدمة بروكتور يو، وقد جمعت العريضة على أكثر من 1900 توقيع بحلول 5 نوفمبر/ تشرين الثاني.
إجبار الطلاب على مشاركة بياناتهم الحساسة
تورطت بعض شركات المراقبة عبر الإنترنت في أنشطة تنتهك خصوصية الطلاب. على سبيل المثال، انتهك الرئيس التنفيذي لبرمجيات المراقبة عبر الإنترنت «بروكتوريو» خصوصية أحد الطلاب من خلال نشر دردشات الطالب على منتدى الأخبار الاجتماعية «ريديت».
في الواقع، كي يتمكن الطالب من استخدام تطبيق المراقبة عبر الإنترنت، يتعين عليه توفير الوصول الكامل للتطبيق إلى حاسبه بما في ذلك الوصول إلى جميع الملفات الشخصية، كما يُطلب منهم تشغيل كاميرا الفيديو والميكروفون أيضاً. وفي هذا الصدد، تجادل بعض المجموعات المدافعة عن الخصوصية الرقمية -والمكونة من أولياء الأمور والمعلمين وأفراد المجتمع الآخرين- بأن مطالبة الطلاب بتشغيل كاميراتهم وإظهار غرف المنزل في الخلفية أثناء الفصول الافتراضية أو الامتحانات بحيث يراها شخصٌ ما غريب؛ ينتهك حقوقهم المدنية.
في الواقع، تتطلب مبادئ «ممارسات المعلومات العادلة»، وهي مجموعة من المبادئ التي وضعتها الرابطة الدولية بشأن الخصوصية، أن تُجمع المعلومات بوسائل عادلة. ولكن يمكن للأساليب التي تتبعها تطبيقات المراقبة عبر الإنترنت لجمع المعلومات أن تسبب القلق والتوتر بين العديد من الطلاب وأولياء أمورهم، وبالتالي تُعتبر غير عادلة.
يمكن أن يتسبب إجبار الطلاب على الكشف عن معلومات حساسة ضد رغبتهم بأذى نفسي لهم، وبعض الطلاب تظهر لديهم أعراض جسدية تنجم عن القلق والتوتر. على سبيل المثال، تقيأ أحد الطلاب على المكتب بفعل الإجهاد الناجم عن امتحان الإحصاء في أحد المرات، وذلك بسبب عدم السماح له بأخذ استراحةٍ للذهاب إلى الحمّام لقضاء حاجته.
ضعف الكفاءة التكنولوجية
تعتمد أدوات المراقبة هذه، والتي تنتهك الخصوصية، على الذكاء الاصطناعي، والذي يؤثر بدوره على مجموعات معينة بشكل أكثر سلبية من غيرها. على سبيل المثال، قد تشير هذه التطبيقات إلى بعض السلوكيات المتكررة مثل حكّ الذقن أو حتى بعض السلوكيات المرافقة لاضطراب التشنج اللاإرادي وغيرها من الاضطرابات الصحية الأخرى، قد تشير إليها على أنها علامات على أن الطالب يغشّ في الامتحان.
كما أن كفاءة الذكاء الاصطناعي منخفضة في التعرف على وجوه الطلاب من الأقليات العرقية أو ذوي البشرة الداكنة. وفي بعض الحالات، قد يعاني الطلاب من مشاكل إضافية بسبب ذلك. فقد يحتاجون أيضاً إلى الاتصال بفريق الدعم الفني لحل المشكلة، وبالتالي الحصول على وقت أقل من الوقت المخصص لإكمال الامتحان. وقد وصف أحد الطلاب، ممن عانوا من هذه المشكلة، هذه التكنولوجيا بـ «العنصرية».
المشاكل القانونية والتنظيمية
يواجه مقدمو خدمات التعلم والتكنولوجيا والمدارس العديد من المشاكل القانونية والتنظيمية. على سبيل المثال، رفع والد أحد الطلاب من إلينوي دعوى قضائية ضد شركة جوجل زاعماً أن تطبيقات «جوجل ورك سبيس، وGoogle’s G Suite for Education» جمعت بشكل غير قانوني بيانات المقاييس الحيوية للأطفال، مثل عمليات مسح الوجه وبصمات الصوت، وهي خصائص يمكن قياسها لتحديد هوية الفرد. وهذه الممارسات تنتهك بالفعل قانون خصوصية المعلومات الحيوية في إلينوي. وقد رفعت مجموعة من الآباء في كاليفورنيا دعوى قضائية فيدرالية ضد تطبيقات G Suite في أبريل/ نيسان الماضي لأسبابٍ مماثلة.
في بعض الحالات، بادر المسؤولون لاتخاذ بعض الإجراءات للحد من الآثار السلبية على الخصوصية والتي يفرضها نظام التعليم عن بعد والحلول التقنية التي تتسم بضعف الأمان. على سبيل المثال، حظرت وزارة التعليم في نيويورك استخدام تطبيق الفيديو «زووم» بسبب مخاوف تتعلق بالخصوصية وغيرها من المشاكل. فقد أبلغ بالفعل عن العديد من الحالات التي فشلت فيها منصة زووم من منع بعض أشكال المضايقات المعروفة باسم «زووم بومبينج»، حيث يمكن لبعض المتطفلين الدخول إلى الفصول الدراسية الافتراضية، وإضافة تعليقاتٍ عنصرية أو نشر مواد غير لائقة.
تواجه المدارس مشكلتين رئيسيتين في مثل هذه المواقف. أولاً، تحتوي جلسات الفيديو والصوت والدردشة في تسجيلات زووم على معلومات تعريفٍ شخصية؛ مثل الوجوه والأصوات والأسماء. وبالتالي تخضع سجلات التعليم هذه لقانون الخصوصية والحقوق التعليمية للأسرة، والذي يهدف إلى حماية خصوصية سجلات الطلاب التعليمية.
ينبغي عدم السماح لأي شخصٍ ليس موجوداً بالفصل الدراسي بالوصول إلى هذه المعلومات، وعندما لا يستطيع المعلمون منع المشاركين غير المرغوبين من الانضمام إلى الفصل الافتراضي، سيكون هناك انتهاك لقانون الخصوصية والحقوق التعليمية للأسرة.
الإجراءات التي يمكن أن تتخذها المدارس والجامعات للحد من انتهاك خصوصية الطلاب
قد يتطلب النقد المتزايد للبرامج التي تتعدى على الخصوصية، والتي تشبه برامج التجسس في الواقع، من المدارس والجامعات إعادة النظر في استخدامها. ربما يكون أحد الخيارات لديها تبني اختبارات الكتاب المفتوح التي لا تتطلب تطبيقاً لمراقبة الطالب.
في الواقع، لم يتم تطوير التقنيات القائمة على الذكاء الصناعي بشكلٍ كافٍ بعد عموماً. على سبيل المثال، قد تحتاج خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتدريبها على ملايين الصور ومقاطع الفيديو من حالات غشّ الطلاب؛ لضمان قدرتها على كشف حالات الغش بدقة في الامتحانات، وذلك ما لم يحصل بعد في معظم المجالات خصوصاً في التعلّم عن بعد، حيث، وحتى الآن، ما تزال تُوصف صناعة الذكاء الاصطناعي بأنها في بدايات تطويرها. وحتى الخوارزميات الأبسط مثل خوارزميات التعرف على الوجه، تم تدريبها بشكلٍ أساسي على التعرف على وجوه الأشخاص أصحاب البشرة البيضاء، وبالتالي تتسبب بالإساءة للأقليات العرقية عند فشلها في التعرف على وجوه أفرادها. لذلك، ولجميع الأسباب التي ذكرتها، لا أعتقد أن التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي مناسبة حالياً للمراقبة عن بُعد.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً