بينما ينتظر طلاب الجامعات نتائج امتحاناتهم النصفية، قد يفكر البعض بلا شك بالتفوّق وليس فقط في مجرد النجاح. منذ أن أجبرت جائحة كوفيد-19 الجامعات والمدارس للتدريس وإجراء الامتحانات عبر الإنترنت العام الماضي، ازداد التركيز على موضوع الغش في الامتحانات. لقد سلطت التقارير الأخيرة عن قيام طلاب جامعة أوكلاند بالغش في الامتحانات عبر الإنترنت الضوء على احتمال عدم الأمانة في نظام الامتحانات عبر الانترنت القائم على الثقة؛ لكن المشكلة تسلط الضوء أيضاً على التوتر بين عالمين مختلفين: عالم التعليم العالي المتنامي عبر الإنترنت، وعالم الطلاب التقليدي الذي كان سائداً في السابق.
لقد أدى ذلك إلى تعقّد قضية الغش في الامتحانات أكثر مما كانت عليه في السابق، وأثّر ذلك في الواقع على مصداقية وقيمة التعليم الجامعي، وعلى كيفية تصورنا لعملية تعلّم الطلاب.
جرت العادة بفحص صورة هوية الطالب قبل دخول قاعة الامتحان، وكان الامتحان يُجرى في قاعاتٍ كبيرة تحت المراقبة لضمان عدم تمكّن الطلاب من التواصل مع بعضهم البعض للغش. كان لكل شخص مكانه المخصص له، ويحق للطالب حمل أشياء محددة معه إلى القاعة حسب الأنظمة المتبعة، ويقوم المعلمون بإعداد الاختبارات ليجيب عليها الطلاب، ثم تُصحح الإجابات وتُعطى الدرجات النهائية؛ كانت الإجراءات بسيطةً للغاية.
إلا أن جائحة كوفيد-19 غيرت كل ذلك، فبالنسبة للمؤسسات التعليمية التي اتبعت النهج المختلط (حضور الطلاب شخصياً لقاعات الدراسة والتعلّم عن بُعد)؛ لم يكن التحول الرقمي كبيراً؛ لكن المعلمين والطلاب الذين كانوا يعتمدون على التدريس والتعلّم الشخصي واجهوا بعض المشاكل، فكيف يمكنهم دمج الممارسات الحالية مع التكنولوجيا الحديثة؟
ثورةٌ متسارعة
بالطبع؛ لم يستطع الجميع التأقلم مع الواقع الجديد بشكلٍ متساوٍ، ففي حين أمكن لبعض المعلمين والعديد من الطلاب الحصول على أحدث الأجهزة وتقنيات الاتصال بشبكة الإنترنت ومتابعة التعلّم، واجه البعض الآخر صعوباتٍ في الوصول إليها وتشغيلها.
كان على الجامعات والمدرسين والطلاب التعامل مع البرامج التي لا يمكنها التكيّف، وفي الوقت نفسه؛ كانت البرمجيات الجديدة تتطور بسرعةٍ كبيرة أثناء الجائحة، لذلك لا ينبغي أن نتفاجأ عندما نعلم أنه حتى الجامعات الكبيرة وجدت صعوبةً في التكيّف أو التغيير بالسرعة الكافية. تحولت معظم الامتحانات الورقية إلى نظام التعلّم عبر الإنترنت مع القليل من إعادة الهيكلة لاستيعاب الظروف الجديدة.
لم تكن حوادث الغش شائعةً في نهاية الفصل الدراسي الأول من عام 2020، ربما لأن الجميع فوجئ بما حدث، ومع ذلك، فقد أظهر الطلاب أنهم قادرون على التعامل مع التغيير السريع، وأنهم يتمتعون بالحيلة والقدرة على التكيّف، فقد ابتكروا طرقهم الخاصة للعمل وأنظمة تبادل المعلومات. وشكلوا مجموعات دراسةٍ عن بعد وعن قرب، وعملوا بشكلٍ تعاوني مستفيدين من نقاط القوة لدى بعضهم البعض.
اقرأ أيضا: مفهوم التعلم التعاوني.
بشكلٍ أساسي؛ أظهروا مهارات التعلّم المبتكرة والقابلة للتكيف التي يتوقعها منهم نظامنا التعليمي وأرباب العمل في المستقبل، فلماذا نتفاجأ إذا طبّق الطلاب نفس النهج في الامتحانات عبر الإنترنت؟
ليس غشّاً: تشجيع التعاون
غالباً ما تكافح الجامعات لتشرح للطلاب سبب أهمية النزاهة الأكاديمية (تُعد جامعة أوتاجو استثناءً في هذا الصدد). لسوء الحظ؛ تخلط معظم سياسات الجامعة بين النزاهة الأكاديمية وسوء السلوك الأكاديمي. قد نجادل في أن تعريفات التواطؤ والغش؛ مثل «العمل مع الآخرين عندما لا يكون الواجب جماعياً» و«مشاركة المعلومات مع الطلاب الآخرين»، لا تتوافق مع بيئة التدريس والتعلم الجديدة وتوقعاتها؛ ولكننا نعلم أن التعاون بين الطلاب أثناء التعلّم يعزز الفهم العالي المستوى، وع ذلك، فلا تزال البيئة الحالية تتطلب التقييم الفردي لكلّ طالب على حدى.
في الواقع؛ إذا لم يتمكن المعلمون وأنظمة التعليم من تقديم إرشاداتٍ محددة حول التحضير للامتحان عبر الإنترنت، فما هو مبرر اتهامات الغش؟ تعكس هذه المنطقة الرمادية بشكلٍ عام طبيعة عالم ما بعد كوفيد-19 الضبابية، فمثلاً؛ ما هو الخطأ بالضبط في مناقشة الطلاب للمشكلات واقتراح الحلول، وتقديم تفسيرهم الخاص كإجابة؟
يجب أن تتطور الامتحانات
في عالم الإنترنت، يصبح الخط الفاصل بين ما هو حقيقي وبين ما تمّ تكييفه أكثر ضبابية يوماً بعد يوم، فليس من الممكن دائماً تحديد ما هو أصلي وفريد لتقديره بشكلٍ فردي. إذا كانت الاختبارات مصممةً لتقييم التطور المعرفي عالي المستوى -أي إظهار القدرة الفردية على تجميع المعرفة وتطبيقها- فمن المؤكد أن التعاون يمكن أن يكون وسيلةً يمكن الاستفادة منها فيما يسميه عالم التربية «جون بيغز» التعلّم العميق. ألا يمكن تطوير الامتحانات وفق هذا المفهوم؟
ربما بدلاً من استمرار الجامعات في تحديد الأنشطة الطلابية من خلال اللوائح والنُّظم التقليدية؛ يجب على المعلمين التفكير بشكلٍ استراتيجي للاستفادة من طاقة الطلاب الجديدة. يجب أن تتحقق الاختبارات الجامعية من التطبيق الفردي (أو الجماعي)، وتقييم توليفة المعارف التي يمتلكها الطالب، وليس مجرّد تقييم حفظ الطالب للمعلومات وتذكرّها عن ظهر قلب.
من الواضح أن بيئة التعليم العالي تتطور، وقد أظهر الطلاب إبداعهم في التكاتف معاً لحل المشكلات بطريقة حديثة، لذلك حان الوقت الآن لكي يصبح الممتحنون والامتحانات أكثر ذكاءً أيضاً.
لنترك طرق العمل التقليدية وراءنا؛ نحنا بحاجةٍ إلى المضي قدماً في خضمّ بحر المعرفة الواسعة المتراكبة والمتجددة.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً