لسبب ما، تعتبر الوظائف التي تجعل الأشخاص يتّسخون أثناء القيام بها محترمة للغاية. الشخص الذي يبدأ يومه بدراسة تحلل جثث البشر يعيش حياة بطل، ففي لحظة ما، يكون جالساً يتناول قطعة من الجرانولا في السيارة، وفي اللحظة التي تليها، يواجه شيئاً مقرفاً لدرجة أنه لا يستطيع التحدث عن العمل على العشاء. لكن بدون هؤلاء الأشخاص، سيكون العالم أكثر خطورة وإثارة للاشمئزاز بالنسبة لنا. الغوص في البراز لاستعادة جثث الموتى، وجمع مفرزات الأسماك اللزجة، وطهي مخلّفات المستشفيات من الأعضاء البشرية لتعقيمها، كلها تعرض المَعِد والأنوف لهجوم حسي لا يرحم. إلى أولئك الذين يقومون ببعض أقذر الوظائف في العلوم: نحييكم.
تغذية البعوض
عندما يتعلق الأمر بقتل البشر، لا يوجد كائن يتفوق على البعوض. في عام 2020، قضت هذه الحشرات التي تحمل الأمراض على ما يقدر بنحو 627000 شخصاً بسبب مرض الملاريا وحده، متجاوزة معدل قتل البشر لبعضهم بعضاً. يأمل علماء الحشرات في تقليل معدل الوفيات هذا من خلال الحد من قدرة البعوض على نقل مسببات الأمراض المميتة، لكن هذا يتطلب توفير الدماء لإبقاء الحشرات على قيد الحياة.
في حين أن بعض المخابر تجبر هذه الحشرات على اتباع نظام غذائي معين مثل دماء القوارض، إلا أنها دائماً ما تفضّل تناول غذائها الطبيعي، الهيموغلوبين البشري، مباشرة من المصدر. هذا هو السبب الذي يجعل بعض الخبراء الحريصين على محاكاة ظروف العالم الحقيقي يقدمون دماءهم الخاصة كغذاء للبعوض، إذ يمد هؤلاء أذرعهم بإرادتهم أمام أسراب من هذه الحشرات الجائعة، والتي تقوم بمص دمهم الغني بالحديد والتغذّي عليه. أثناء هذه العملية، يمكن أن يصبح عدد الانتفاخات الناتجة عن اللدغات كبيراً لدرجة أنها تندمج معاً لتشكل انتفاخاً واحداً من تفاعلات الهيستامين. بغض النظر عن الحكة الشديدة، لا تستهلك هذه العملية الكثير من الدماء على الأقل، إذ يتطلب إطعام 5000 بعوضة 14.7 ميليلتراً من الدم تقريباً (للمقارنة، يمنح المتبرعون بالدم لمنظمة الصليب الأحمر 473 ميليلتراً من الدم دفعة واحدة).
دراسة البراكين
يقع تحت أقدامنا محيط واسع من الصخور السائلة التي تنبثق أحياناً إلى السطح في أحداث مدمرة. ويخبرنا علماء البراكين لماذا وكيف ومتى ستخرج هذه الصخور السائلة إلى السطح كي لا تباغتنا. حتى بالنسبة لأولئك الذين اختاروا هذه المهنة، فهي مزعجة. الغازات البركانية غنية بمركّب كبريتيد الهيدروجين الذي تنبعث منه رائحة البيض الفاسد. يمكن أن تصل تراكيز هذا المركب إلى مستويات خطيرة على سفوح الجبال البركانية الثائرة، ما يتطلب من الباحثين ارتداء أقنعة خاصة. تحدد إدارة السلامة والصحة المهنية حد التعرض المسموح به لغاز كبريتيد الهيدروجين عند 20 جزءاً في المليون، وهو ما يصل إلى 2000 ضعف العتبة الشمية لهذه المادة النتنة لدى البشر.
تعني دراسة البراكين طرح أسئلة مثل: «متى يصبح مقدار الرماد الذي يمطر عليّ أكثر من اللازم؟» و«هل كمية أحجار الخُفاف المتساقطة من السماء ستكون خطيرة ظهر هذا اليوم؟». تعني مراقبة ثوران البراكين التواجد في بيئة عمل مليئة بالصخور السائلة التي تصل درجة حرارتها إلى أكثر من 1200 درجة مئوية، ما يعرّض العلماء إلى مشاكل مثل تشبع الملابس بالعرق واتساخ المعدّات باستمرار.
التلقيح الاصطناعي للحيوانات
تعتمد المجالات البحثية من التكنولوجيا الحيوية إلى الحفاظ على الحيوانات على قدرتنا على إكثار الحيوانات بشكل أو بآخر عند الطلب. وهذا يتطلب تقنيين يعرفون كيف ومتى يجب حقن السائل المنوي في الرحم لتلقيح الإناث، كما يتطلب فهماً لعلوم التشريح والفيزيولوجيا وسلوك الحيوان، وأيضاً، الاستعداد للتعامل مع قدر لا بأس به من البراز بشكل مباشر.
قبل تلقيح الفرس مثلاً، يجب على التقنيّ أن يُدخل ذراعه في المستقيم ويستخدم أصابعه ومسبار الموجات فوق الصوتية للتحقق من نضج جُريبات المبيض. إذا كانت جاهزة، يُدخل التقني يده النظيفة في مهبل الفرس مع ممص مليء بالسائل المنوي حتى تصل إلى عنق الرحم، والذي له ملمس فم صغير مجعد. بالنسبة للحيوانات الكبيرة، مثل الفيلة، لن يفيد إدخال الذراع حتى الإبط في الوصول لعنق الرحم، ويتم إدخال السائل المنوي الذي يتم جمعه بطريقة التحفيز اليدوي للمستقيم عبر منظار داخلي طويل ومرن. يتم اعتماد تقنيي التلقيح رفيعي المستوى من خلال البرامج التي تلبي معايير الرابطة الوطنية لمربيّ الحيوانات، ما يمكن أن يساعدهم في التميز في سوق العمل. أي شيء يمكن أن يمنح التقنيين أفضلية في المنافسة مفيد، بالنظر إلى أن معظمهم عاملون مستقلون.
تنسيق التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي
قد لا يكون تقييم شرعية وسلامة الأفكار التي ينشرها الأشخاص عبر الإنترنت كريه الرائحة، ولكن الاشمئزاز الأخلاقي يمكن أن يكون له آثار جانبية جسدية. فكر في الاشمئزاز كآلية دفاع سلوكية. يشير بعض علماء النفس التطوريين إلى أن ميلنا إلى الشعور بالقرف مرتبط بنفس الغريزة التي تمنعنا من تناول الأشياء التي يمكن أن تتسبب بالأمراض. وقد يكون الاشمئزاز من الأفعال غير الأخلاقية له نفس منشأ القرف من رؤية يرقات الذباب. قد لا يبقيك تجنب المواقف الموتّرة من الإصابة بالتسمم الغذائي، لكنه يحميك، على الأقل من منظور اجتماعي.
مثل الوظيفة نفسها، لا يزال مجال البحث في تأثيرات الاعتدال حديثاً. ولكن مع وجود ما يقدر بنحو 100000 شخصاً يعملون في هذا المجال، وبعض الأدلة التي تبيّن أنهم قد يطورون أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، يقول علماء النفس إنه يجب علينا أن نتكيّف بطريقة ما مع الخسائر العقلية الهائلة الناتجة عن التعرّض للإساءة على الإنترنت.
اقرأ أيضاً: لماذا يُعد تأثير وسائل التواصل الاجتماعي سيئاً على صحتك؟
تربية اليرقات
تتمحور تربية اليرقات واسعة النطاق حول تحويل القمامة إلى قوت. تعتبر اليرقات الغنية بالبروتين مثالية لتغذية الدجاج والأسماك المستزرعة، ومع اقتراب أزمة ندرة الغذاء العالمية، قد تُضطر كل الحيوانات، بما في ذلك البشر، لاتباع هذا النظام الغذائي. ولكن كيف نستطيع تحويل القمامة إلى طعام مغذي؟
يبدأ الأمر بخطوة بسيطة تتضمن جعل الذباب يضع بيوضه بالقرب من النفايات العضوية، مثل البراز وبقايا الحيوانات والعفن، ثم ترك اليرقات لتفقس وتتغذّى على هذه النفايات. بينما يكون حصد اليرقات أكثر تعقيداً بعض الشيء، إذ يقوم بعض المزارعين ببناء أنابيب لليرقات لتزحف داخلها بمفردها، بينما يستخدم البعض الآخر قوة الشمس، إذ يقومون بوضع النفايات المملوءة باليرقات في غربال ويعّرضوها لأشعة الشمس، ما يجعل اليرقات تهرب من الضوء وتسقط في أحواض مجهّزة. هناك أيضاً مزارعون يستخدمون المياه، حيث يغمرون مناطق التغذية النتنة بالماء، ما يجعل اليرقات تعوم على السطح ليتم لاحقاً جمعها وهرسها لتحضير سائل غني بالبروتين.
دراسة تحلل جثث البشر
كل عام، تظهر نحو 4400 جثة مجهولة الهوية في الولايات المتحدة وحدها. لمعرفة من كان هؤلاء الموتى وكيف ماتوا، يجب على الخبراء أن يأخذوا في الاعتبار كيف يمكن أن تؤثر الظروف المختلفة على التحلل. تقليدياً، تُستخدم البيانات المستمدة من دراسة الخنازير والأرانب لتحديد وقت الوفاة في الدعاوى القضائية، لكن أجسام البشر تتحلل بشكل مختلف. نحن نعلم ذلك بفضل مركز أنثروبولوجيا الطب الشرعي التابع لجامعة تينيسي في نوكسفيل، والذي كان أول منشأة من نوعها عندما تم افتتاحه في عام 1987.
تُعرّض الجثث التي توضع في «مزارع الجثث» (وهي منشآت بحثية حيث يمكن دراسة التحلل الكيميائي) إلى مجموعة متنوعة من الظروف التجريبية. إذ أنها قد تُدفن تحت بضعة سنتيمترات من التربة السطحية، أو توضع على شجيرات الغابات، أو تُغمر بالماء. وكل ذلك حتى يتمكّن طلاب الدراسات العليا وأعضاء هيئة التدريس والباحثين الزائرين من مشاهدة (وشَم) هذه الجثث وهي تتعفن. «البوتريسين»، والذي يُذكّر برائحة الأسماك الفاسدة، و«الكادافيرين»، الذي يشبه رائحة جثث الحيوانات، هما مركّبان ينتجان عند تحلل الأحماض الأمينية. لكن التعرض لهذه الروائح ليس الأمر الوحيد المزعج، إذ يتطلب العمل في مزارع الجثث إبقاء جميع الحواس في حالة استثارة قصوى. على سبيل المثال، يمكن للمرء أن يراقب ويصور الخنافس وهي تأكل الجثث، وذلك لجمع معلومات حول الطريقة التي يمكن أن تغير فيها مسرح جريمة ما.
اقرأ أيضاً: هل تمتلك الطيور حاسة الشم؟ الدراسات تجيب المشككين
جمع مفرزات الأسماك المخاطية
المفرزات اللزجة للأسماك المخاطية هي مادة رائعة. عندما تتعرض هذه الأسماك قضيبية الشكل للتهديد، فهي تفرز هذه المادة اللزجة من الغدد التي تبطن جوانبها. عندما تتلامس هذه المادة مع الماء، فإنها تتوسع بعامل قدره 10000 في أقل من ثانية. بالإضافة إلى إنشاء حاجز مقرف للغاية لدرء الحيوانات المفترسة، يمكن لهذه المفرزات أن تسد الخياشيم وتخنق حتى أسماك القرش المخيفة. تتكون المادة اللزجة من المخاط وشبكة من خيوط البروتين الشبيهة بالحرير، وقد تلعب يوماً ما دوراً مهماً في تصنيع مواد لدروع القذائف ومكافحة الحرائق. لكن حتى يدرسها الباحثون، يجب عليهم استخراجها أولاً.
يحفّز علماء الحيوان إفراز هذه المادة اللزجة من خلال عصر ذيول الأسماك المخاطية باستخدام الملاقط. إن الإمساك بهذه الأسماك وعصرها ليس سهلاً، وذلك لأنها تنزلق بسهولة من اليدين. على سبيل المثال، انقلبت في عام 2017 شاحنة تحمل 3400 كيلوغراماً من الأسماك المخاطية التي كانت مخصصة لمطاعم كوريا الجنوبية، ما أدى إلى تلويث طريق سريع في ولاية أوريغون، كما أن كمية الأسماك كانت كافية لتغطي سيارة بأربعة أبواب بالكامل.
الغطس في المواد الخطيرة
يدفن البشر الكثير من أسرارهم القذرة في أحواض مائية، ويتمتع غواصو المواد الخطيرة بالمؤهلات التقنية، مثل الخبرة في اللحام تحت الماء، التي تسمح لهم بتنظيف المواقع التي تتسبب فيها هذه المواد بحوادث مروعة. فكر في إصلاح المفاعلات النووية المتصدّعة وتنظيف أحواض الصرف الصحي. للقيام بمثل هذا العمل المحفوف بالمخاطر في ظل هذه الظروف المثيرة للاشمئزاز، يرتدي الغواصون خوذاً محكمة الإغلاق وبدلات من المطاط السميك المُفلكن (أي المعالج بالكبريت لزيادة القساوة)، لكي لا تدخل السوائل النتنة التي يسبحون فيها إلى معداتهم وفي فتحات أجسامهم. بمجرد أن يصعد السباحون إلى السطح، سيحتاجون إلى تطهير شامل، إذ أنهم يكونوا متّسخين وخطيرين لدرجة أن على الأشخاص الذين يقومون بغسلهم بالخراطيم وتنظيفهم ارتداء ملابس واقية.
العبء النفسي للغطس في بركة من البراز لا يستهان به. ولكن على الجانب المشرق، فإن امتلاك الغطاسين هذه المهارات يعني أنهم قادرون على إجراء الإصلاحات في المياه النظيفة والآمنة إذا سئموا من الغطس في المواد الخطيرة.
تنظيف النفط المتسرّب
يعد تنظيف الكائنات البحرية المحتضرة من البقايا السائلة للنباتات والحيوانات القديمة عملاً قذراً، خاصة أن الأوساخ تتراكم بمرور الوقت. يجعل تسرب النفط الطيور الملوثة غير قادرة على الطيران، وتغطي هذه المادة اللزجة كل شيء في طريقها بسرعة أكبر من أن يتمكن العمال من إنقاذ كل الكائنات الحية المتضررة. لذلك تمتلئ شواطئ البحار أحياناً بالأسماك الميتة. عندما تكون هذه الأسماك حية، فهي تكون مغطّاة بمركب اسمه «ثلاثي ميثيل أمين إن-أوكسيد»، وهو مركب يحميها من الضغط المرتفع لمياه المحيط، أما عندما تموت، يتحول هذا المركب إلى مركب آخر اسمه «ثلاثي ميثيل أمين»، والذي يميز رائحة السمك الفاسد الكريهة. لا يوجد شيء يبعث على الاشمئزاز مثل رائحة السوشي الفاسد.
يتطلّب التنظيف اليدوي للنفط المتسرب استخدام القفازات والمجارف والمكانس الكهربائية. يكشط العمال سطح الماء لتجميع النفط العائم، ثم يشعلون النار في البحر لحرق ما تبقى. يمكن أن يؤدي التسمم الناتج عن التعرض لعدد لا يحصى من المركبات الضارة إلى مشكلات في الجلد والعين والجهاز العصبي والتنفس.
طهي المخلفات الطبية
تنتج المستشفيات ومختبرات علم الأمراض والمنشآت الأخرى نفايات حيوية خطيرة. لا يمكن رمي هذه المخلفات في سلة المهملات على حالها لأنها يمكن أن تحمل العوامل الممرضة أو بقايا المواد المشعة والعلاجات الكيميائية. حتى المخلفات البسيطة مثل الزوائد الدودية المتفجّرة لا يمكن وضعها في حاويات القمامة. هناك عدة طرق لجعل هذه الأنسجة أقل ضرراً، مثل وضع الأحشاء في موصدات (حاويات ساخنة متنية تستخدم لإجراء التفاعلات الكيميائية والعمليات الأخرى تحت ضغوط ودرجات حرارة عالية) حيث يتم تعقيمها بالبخار. هذا صحيح: هذه الأحشاء تُطهى.
اقرأ أيضاً: العلماء يتفحصون مياه الصرف الصحي في المدينة لدراسة صحتنا
إن الحاجة الدائمة للتخلص من الفضلات تجعل هذه الوظيفة مستقرة بغض النظر عن تقلبات السوق، ويقدم بعض أصحاب العمل (سواء كانوا مستشفيات أو بائعين خارجيين متخصصين) تدريباً أثناء العمل للموظفين. الجانب السلبي هو أن التعقيم بالبخار ينتج مختلف أنواع الروائح الكريهة. عندما يقوم الفني بإلقاء كيس من الأورام أو المشيمات أو الشراشف المشبعة بالقيح في الموصدة، يمكن أن تتولد مجموعة من الروائح المختلفة: مزيج نتن من رائحة التقيؤ والحديد واللحم الساخن التي تشبه إلى حد كبير رائحة اللحم المشوي. هناك عدة طرق للتخفيف من الرائحة الكريهة، مثل استخدام أجهزة التنظيف الميكانيكية التي تغسل الهواء، أو المُرشحات الامتزازية التي تلتقط الروائح، أو حتى فرك الحبوب الصغيرة من الكافور فوق الشفة العليا، ولكن لنكن واقعيين: هذه الوظيفة ليست لذوي الشم الحساس.