قال الروائي البريطاني جورج أورويل ذات مرة: "إن تأليف كتاب هو صراع رهيب ومرهق، مثل نوبة طويلة من مرض مؤلم". في الواقع كتب أورويل روايته الأخيرة (1984) وهو على فراش الموت.
على الرغم من أن الكتابة لا تستلزم جهداً بدنياً، فإن طبيعة هذه المهنة تفرض بعض التحديات الصحية. فما أهم الأمراض والمشكلات الصحية المرتبطة بالكتابة؟ لنتعرف في هذا المقال.
الاضطرابات العضلية الهيكلية
ربما لا يرفع الكاتب أوزاناً ثقيلة، ولا تتطلب طبيعة عمله حركات جسدية خطيرة، ومع ذلك فإنه قد يعاني آلام العضلات الهيكلية، وتشمل عضلات الظهر والذراعين والأصابع والكتفين والقدمين. قد تحدث هذه الاضطرابات العضلية الهيكلية نتيجة وضعيات الجلوس الخاطئة، مثل الانحناء على لوحة المفاتيح والبقاء في هذا الوضع عدة ساعات، أو استخدام كرسي غير مريح أو تكرار حركات جسدية. ومن هذه الاضطرابات:
- متلازمة النفق الرسغي (التهاب العصب المتوسط): تحدث هذه الحالة نتيجة تعرض العصب المتوسط للتلف بسبب الحركات المتكررة للمعصمين واليدين، ووضعية الكتابة غير المناسبة مع ثني الرسغين. تترافق المتلازمة بالخدر والوخز في اليدين، وفي حالات أكثر تطوراً يصبح من الصعب أداء المهام البسيطة مثل رفع المنشفة.
- اضطرابات الأوتار: مثل التهاب الأوتار والتهاب غمد الوتر التضيقي، والخراجات العقدية. وفيها تُصاب الأوتار بالتمزق أو التآكل نتيجة إرهاق العضلات بالحركات المتكررة أو بسبب وضعية جلوس غير صحية، أو استخدام كرسي لا يدعم وزن الجسم بالتساوي وبطريقة متوازنة.
- إصابات الإجهاد المتكررة: هي آلام التورم والتيبس التي تُصيب رقبتك أو كتفيك أو أصابعك نتيجة وضعيات الكتابة الخاطئة، مثل لف المعصم في أثناء الكتابة.
اقرأ أيضاً: العضلات الهيكلية: دليلك لفهم أكثر العضلات وفرة في الجسم
اضطرابات الرؤية وإجهاد العين
بالنسبة للكّتاب الذين يعملون أمام شاشة الكمبيوتر ساعات طويلة، فإن طبيعة عملهم تقتضي النظر المستمر دون أن ترمش العين، ما يؤدي إلى جفافها. بالإضافة إلى ذلك، تتأثر العين سلباً بإضاءة الشاشة الخافتة أو الساطعة، أو الأحرف الصغيرة التي تحتاج إلى التدقيق، أو القرب الزائد من الشاشة أو الابتعاد عنها، حيث قد تسبب تراجع قوة النظر، أو إجهاد العين، أو عدم وضوح الرؤية، أو حكة العين، أو مشكلات تحديد الألوان والصداع.
الصداع
لدى الكتابة، يجلس الكاتب ساعات طويلة دون تحريك الرقبة، مثبتاً عيونه على الشاشة، ومركزاً بكامل قواه العقلية والجسدية على استحضار الأفكار والكلمات وكتابتها. تسبب هذه الحالة زيادة التوتر في قاعدة الجمجمة والرقبة، ما يؤدي إلى ضعف البصر والصداع.
اقرأ أيضاً: هل هذا الصداع الذي تعاني منه سببه إجهاد العين فعلاً؟
أمراض مزمنة
وفقاً للدراسة المنشورة في دورية إي كلينكال ميديسن (EClinicalMedicine)، يرتبط الجلوس الطويل أكثر من 6 ساعات في اليوم بزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والبدانة، وبغض النظر عن النشاط البدني، لا يمكن الجلوس للكتابة أكثر من 6 ساعات، وتوقع القدرة على تعويض وقت الجلوس الطويل بممارسة التمارين الرياضية ساعة من الزمن، بل ينبغي التحرك وممارسة نشاط بدني على مدار اليوم.
البدانة
لسوء الحظ، مَن يمارس الكتابة فترات طويلة قد لا يجد وقتاً لممارسة التمارين الرياضية، لذا فهو معرّض لمراكمة الدهون وزيادة الوزن. علاوة على ذلك، غالباً ما يلجأ الكاتب لتناول الطعام الذي لا يتطلب جهداً في التحضير، لذا قد تكون الأطعمة الجاهزة الغنية بالسعرات الحرارية هي خياره في الأوقات معظمها.
اضطرابات التوتر والاكتئاب
تزيد الطبيعة الانفرادية للكتابة من فرص إصابة الكتّاب بالاكتئاب، حيث توضّح الكاتبة ميراندا ماركيت (Miranda Marquit) أنها عندما تعمل من المنزل، تتراجع شبكتها الاجتماعية نتيجة الانغماس في عالم الكتابة، وهو ما قد يكون سبباً مؤهلاً للإصابة بالعزلة والوحدة.
وفي دراسة نُشِرت في مجلة البحوث النفسية (Journal of Psychiatric Research) كان الكتّاب والمؤلفون أكثر عرضة للإصابة بالفصام والاضطراب الثنائي القطب والاكتئاب الأحادي القطب واضطرابات القلق، وتعاطي المخدرات، والانتحار.
يقول الروائي سيمون بريت (Simon Brett): "تقريباً كل كاتب أعرفه يمرّ بردّ الفعل نفسه بعد الانتهاء من الرواية، هناك 24 ساعة من النشوة، ثم تخرج الأفكار السلبية كلها التي تجاهلتها في أثناء إنجاز الرواية، فإما أن تكتئب أو تُصاب بالإنفلونزا".
كما قد يكون السبب في ذلك هو نمط الحياة غير الصحية، بما في ذلك الغذاء غير المتوازن وقلة ممارسة التمارين الرياضية والجلوس فترات طويلة، والإجهاد الجسدي والذهني.
اقرأ أيضاً: جسدك يواجه صعوبات الحياة معك أيضاً: كيف يمكن للتوتر أن يقتلك؟
نصائح للحد والوقاية من أمراض الكتّاب
لحسن الحظ، يمكن لبعض الممارسات والتغييرات السلوكية أن تساعد على الحد من أمراض الكتّاب والوقاية منها، مثل:
- الجلوس في وضعية صحية عن طريق وضع الكمبيوتر على مستوى العين أو أسفلها، والجلوس مع وضع القدمين والظهر في زاوية قائمة مع الأرض، وجعل اليدين في مستوى أدنى من المرفقين.
- استخدام كرسي يتمتّع بدعم قطني مناسب، وضبطه بحيث تستقر القدمين بشكلٍ مسطح على الأرض.
- أخذ استراحة كل ساعة للمشي بضع دقائق، أو ممارسة تمارين التمدد.
- استخدام المكتب القائم، والذي قد يقلل من وقت الجلوس، ومع ذلك لا تزال هناك حاجة للحركة.
- تعديل المسافة البؤرية وإضاءة الكمبيوتر ومساحة العمل الخاصة بما يقلل إجهاد العين.
- اتباع قاعدة 20:20:20، أي كل عشرين دقيقة يجب رفع رأسك والنظر مسافة 20 قدماً (6 أمتار)، لنحو 20 ثانية.
- تحريك العين للأعلى والأسفل، واليسار واليمين.
- ممارسة التمارين الرياضية، مثل المشي أو ركوب الدراجات أو اليوغا، لمواجهة الآثار الضارة للجلوس، وتعزيز الصحة النفسية والقدرات المعرفية.
- اتباع نمط غذائي صحي ومتوازن غني بالعناصر الغذائية الأساسية والفيتامينات والمعادن.
- اقتناء حيوان أليف قد يكون مفيداً، لأنه يجذب انتباه الكاتب بعيداً عن التحديق المتواصل والتركيز والإجهاد، ويفرض عليه التحرّك لتلبية بعض متطلبات الحيوان الأليف.