التدخل المبكّر قد يحد من الخوف من الرياضيات

3 دقائق
الخوف من الرياضيات
shutterstock.com/ Lucky Business

الخوف من الرياضيات هو نوع من القلق حيث يشعر بعض الناس بالتوتر والخوف عندما يُطلب منهم إجراء بعض العمليات الحسابية. يمكن لهذا النوع من القلق أن يتسبب بمشاكل سلوكية لدى الأطفال في المدارس، وظهور أعراضٍ جسدية مثل تسرع ضربات القلب، والإحساس بحركةٍ في المعدة؛ أو ما يُعرف بحالة الفراشات في المعدة، بسبب نقص جريان الدم فيها.

تتدنى درجة امتحانات الرياضيات عموماً بالنسبة للطلاب الذين يعانون من مستوى مرتفع من القلق الرياضياتي؛ حيث تشوش الأفكار المقلقة على عملية تذكُّر الحقائق الرياضية، وكيفية إجراء العمليات الحسابية، وكذلك على كيفية إجرائها بالشكل الصحيح أيضاً، حيث يصف الطلاب تجربتهم هذه غالباً بالقول: «لا أستطيع تذكر أي شيء».

يُظهر بحثنا الجديد أن الخوف من الرياضيات لا يؤثر فقط على أداء الأطفال في الامتحانات فحسب، بل يؤثر على قدرتهم على تعلم مفاهيم وعملياتٍ رياضية جديدة في الفصل الدراسي.

البدايات المبكرة

شملت الدراسة أكثر من 200 طفل بعمر السادسة في المملكة المتحدة وإيطاليا، حيث تم تعليمهم مفاهيماً رياضية جديدة لم يتعلموها في سن ما قبل المدرسة؛ مثل جمع العشرات الكاملة (10، 20...) واستخدام علامتَيّ «أصغر من» و«أكبر من».

قيسَت معرفة الأطفال بهذه العمليات الرياضية قبل تدريسها لهم، وبعد ذلك مباشرة، ومن ثم بعد ذلك بأسبوع، فوجدنا أن الأطفال الذين كانوا أكثر قلقاً بشأن الرياضيات كان مستواهم المعرفي في هذا الصدد غالباً أقل في البداية، لكن الأهم من ذلك هو أن هؤلاء الأطفال اكتسبوا مهاراتٍ رياضيةٍ أقل مقارنة بزملائهم خلال جلسات التدريب، وقد ظهر ذلك جلياً في تقييم أدائهم مباشرة بعد جلسات التدريب وبعد أسبوع واحد.

يمكن أن يؤثر الخوف من الرياضيات على الأطفال الصغار

بعبارة أخرى، تُظهر دراستنا أن الطلاب الذين يعانون من القلق من الرياضيات لا يواجهون المشاكل أثناء الامتحانات فقط، بل يكتسبون مهارات في الرياضيات أقل في المدرسة، من الطلاب الذين لا يعانون من هذا النوع من القلق، ويتمتعون بنفس الفرص التعليمية.

هناك نتيجة أخرى لبحثنا تتعلق بعمر الأطفال؛ حيث كان المشاركون في الدراسة بعمر السادسة فقط. لقد وجدت دراسات أخرى أن الأطفال في مثل هذه السن المبكرة يعانون بالفعل من القلق من الرياضيات، ولكن كان هناك خلاف فيما إذا كان ذلك سيؤثر على أداء اختبارات الرياضيات لديهم بأي شكلٍ من الأشكال، لكن دراستنا تُظهر بوضوح أن القلق من الرياضيات يؤثر بالفعل على هذه الفئة العمرية، فإذا أدى القلق من الرياضيات إلى انخفاض مهارات الطلاب الرياضية منذ بداية تعلمهم في المدرسة، فإن ذلك ينطوي على تراكم فجوات معرفية في هذا المجال في السنوات الدراسية التالية، لذلك لن يكون مستغرَباً أن الطلاب الذين يعانون من القلق من الرياضيات قد يحصلون على علامات أقل في اختبارات الرياضيات في نهاية حياتهم المدرسية، ويتجنبون بالتالي الخيارات المهنية التي تنطوي على الكثير من الرياضيات.

تأثير مدى الحياة

تتجاوز الآثار المترتبة على القلق من الرياضيات المدرسة بكثير، فقد قد يواجه الأشخاص الذين يعانون من القلق من الرياضيات صعوبات في حياتهم اليومية أيضاً؛ مثل اتخاذ قرارات أسوأ بشأن مواردهم المالية وصحتهم. على سبيل المثال، يشعر هؤلاء بعدم الارتياح عند تفسير البيانات الاحصائية والرسوم البيانية المتعلقة بتأثير جائحة فيروس كورونا، ورغم ذلك، فهم بحاجة إلى اتخاذ القرارات المناسبة في هذا الصدد اعتماداً على هذه المعلومات. بالإضافة إلى ذلك، تشيع بين هؤلاء الناس أشكال أخرى من القلق؛ مثل المماطلة وتجنب التحديات، وانخفاض مستوى الثقة بالنفس واحترام الذات؛ أي بالمحصلة، يمكن أن يكون للقلق من الرياضيات تأثير قوي على خيارات الناس ونجاح حياتهم ورفاههم، وهذا يتطلب التقييم والتدخل المبكرين، حيث من الممكن التغلب على القلق من الرياضيات. في الواقع، يمكن للوالدين والمعلمين نقل الموقف السلبي والقلق تجاه الرياضيات للأطفال، لذلك تركز بعض أساليب التدخل على زيادة ثقة الوالدين في قدرتهم على مساعدة أطفالهم في تعلم الرياضيات، وتزويدهم بأفكارٍ لألعاب الرياضيات الممتعة التي يمكن لعبها مع أطفالهم في المنزل.

يمكن للوالدين نقل قلق الرياضيات إلى الأطفال

كما يُستحسن استخدام برامج الكمبيوتر والتطبيقات لتعلم الرياضيات، حيث تتميز هذه البرامج الحاسوبية بتوفير بيئة محفزة وجذابة، ولا تقيم الأطفال لممارسة بعض المهارات الرياضية الأساسية. كما يمكن استخدامها دون إشراف المهنيين المدربين.

تشير أبحاث أخرى إلى أن لفت انتباه الطلاب إلى حالات سابقة تغلّبَت بنجاح على التحديات في تعلم الرياضيات يمكن أن يعزز ثقتهم بأنفسهم، ويؤدي إلى مواقف أكثر إيجابية تجاه الرياضيات ويقلل من قلقهم. في الواقع، لا ترتبط المستويات العالية من القلق من الرياضيات دائماً بانخفاض مستوى الأداء، لكن المشكلة الأساسية التي يعاني منها هؤلاء هي الفشل في الاستفادة من أقصى الإمكانات التي يمتلكونها، وتشير الأبحاث أيضاً إلى أن الدروس الخصوصية تخفف من القلق من الرياضيات، وتحسن من الأداء الحسابي للأطفال وتجعلهم يشعرون براحة أكبر معها.

بالرغم من أن القلق من الرياضيات يرتبط بمجموعة من الآثار السلبية، إلا أن هناك العديد من الطرق ليتعامل الناس من خلالها مع قلقهم ويتجنبوا هذه الآثار، ولكن يبقى الخيار الأفضل هو تجنب تطور القلق من الرياضيات في الأساس. يقترح بحثنا في هذا الصدد تركيز الجهود المبذولة لتطوير المواقف الإيجابية من الرياضيات على السنوات الأولى من المدرسة، أو حتى في سنّ أبكر من ذلك.

المحتوى محمي