وضعت جائحة فيروس كورونا قطاع الجامعات تحت مجهر البحث والتدقيق مجدداً، وقد أثار ذلك في بعض الحالات جدلاً حول الهدف من الدراسة في الجامعة بشكلٍ عام، وخصوصاً مدى التزام الجامعات بالخدمة العامة، وما إذا كان تعديل القوانين الحالية الخاصة بها سيؤدي لتغيير الطريقة التي يُقدّم من خلالها التعليم العالي.
ولكن ما هو رأي الطلاب أنفسهم حول الغرض من الدراسة في الجامعة؟ أجريت أنا وزملائي دراسةً بحثيةً ضمن مشروع «يورو ستيودنت» في الفترة بين عامَي 2017-2018؛ تناولت كيفية فهم الطلاب الجامعيين للغرض من التعليم العالي. سألنا 295 طالباً من 6 دولٍ أوروبية (هي الدنمارك، إنجلترا، ألمانيا، أيرلندا، بولندا، وإسبانيا) عن رأيهم حول الغرض من التعليم العالي، ووجدنا أنه بالنسبة للعديد من الطلاب، فإنه يخدم 3 وظائف محددة: الحصول على عمل لائق، تحقيق النمو الشخصي، والمساهمة في تحسين المجتمع.
ولكن كانت هناك اختلافات مثيرة للاهتمام بين آراء الطلاب؛ والتي غالباً ما تتوافق مع المبلغ الذي يتعين عليهم دفعه مقابل دراستهم.
السلّم الوظيفي
كان الهدف الأكثر شيوعاً للتعليم العالي وفقاً للطلاب هو إعداد أنفسهم لسوق العمل، ذكر بعض الطلاب أن الحصول على درجة علمية ضروري كي لا يُضطروا إلى العمل في وظائف عادية تتطلب مهارات منخفضة، ومع ذلك، يعتقد العديد من الطلاب أن درجة البكالوريوس غير كافية لشغل الوظائف ذات المهارات العالية، أو المهنية.
وجدنا أن هذه الآراء تمثّل تحولاً من مفهوم التعليم العالي كاستثمارٍ يساعد في ارتقاء المرء اجتماعياً، إلى اعتباره مجرّد تأمينٍ ضد الحراك الاجتماعي الهبوطي، أو بعبارةٍ أخرى؛ ضدّ تدنّي المكانة الاجتماعية.
يقول أحد الطلاب من إنجلترا: «لا أعتقد أن هناك الكثير من الخيارات بالفعل. إذا كنت ترغب في الحصول على وظيفة لائقة هذه الأيام، عليك الذهاب إلى الجامعة، لأنّ الناس لن تحترمك إذ لم تفعل ذلك».
كان هناك بعض الاختلافات في الأجوبة بين الطلاب حسب الدول التي ينتمون إليها، وكان تركيز إجابات الطلاب في العينة المدروسة من إنجلترا وأيرلندا وإسبانيا، حول أن الغرض من التعليم يتمحور حول الإعداد لسوق العمل أكبر من باقي البلدان؛ حيث يترتّب على الطالب في هذه الدول تكاليف أكبر للدراسة.
النمو الشخصي
كما أفادت إجابات الطلاب في دراستنا عن وجود أفكارٍ لديهم حول أن الهدف من التعليم العالي هو التنمية الذاتية وزيادة تجربتهم. وقد كانت الإجابات متفقةً بين طلاب مختلف الدول المدروسة؛ بما فيها إنجلترا؛ حيث يُسوّق لقطاع التعليم العالي بشكلٍ كبير، نظراً لأنّه أُنشئ كسوقٍ تنافسي، ويدفع الطلاب الرسوم مقابل الدراسة، وتتم حمايتهم وفقاً لقوانين حماية المستهلك، بينما تشجّع التصنيفات المختلفة المؤسسات التعليمية على التنافس فيما بينها.
وقد أكّد بعض الطلاب كيف أنهم كانوا «ينمُون» من خلال المعرفة التي كانوا يكتسبونها، بينما ركّز آخرون أكثر على جوانب التعليم الأشمل التي مرّوا بها خلال دراستهم؛ مثل التفاعل مع أناسٍ أكثر تنوعاً من السابق، وضرورة أن يكونوا أكثر استقلالاً.
تحدث الطلاب في الدنمارك وألمانيا وبولندا عن هذا النوع من النمو -الذي يحدث خارج فصول الدراسة الرسمية- بشكلٍ متكرر، أكثر من الطلاب في الدول الثلاث الأخرى. من الجدير بالذكر أنه في هذه البلدان، تُعتبر الدراسة الجامعية أقلّ تكلفةً بالنسبة للطلاب. بالمقابل، عندما ذكر الطلاب من إنجلترا هذا الغرض؛ أي النمو، كان يرتبط بشكلٍ خاص بتعلم كيفية العيش بشكلٍ مستقل.
*النص السفلي: «لقد صنعت منزلاً وأعتقد أنه مثاليٌ للغاية. إنه متناسقٌ جداً، وأرى كلّ جزءٍ فيه يمثّل حقيقة أنني وجدت نفسي كشابٍ بالغ يمكنه أن يصبح مستقلاً، ومن المفترض أن يعتمد على نفسه من الآن فصاعداً». طالب إنجليزي.
التنمية المجتمعية
تحدث الطلاب في جميع البلدان الستة عن كيف يمكن للتعليم العالي تنمية تحسين المجتمع، وظهر هذا الأمر بشكلٍ متكرر في إجابات الطلاب من الدنمارك وألمانيا وبولندا؛ حيث يتلقى الطلاب دعماً أكبر من الحكومة، وينفقون مالاً أقل على تعليمهم الجامعي مقارنةً بالدول الأخرى في عينتنا.
كان الطلاب يميلون إلى الحديث عن مساهمتهم في المجتمع من خلال الالتحاق بالجامعة بإحدى الطرق الثلاث التالية: المساهمة في بناء مجتمع مستنيرٍ أكثر، ومن خلال خلق مجتمع مثقّفٍ قائمٍ على الحوار وتقبّل النقد، ومن خلال المساهمة برفع سويّة بلادهم في في أعين البلدان الأخرى.
يقول أحد الطلاب البولنديين: «التعليم الجامعي أمر بالغ الأهمية لتكوين مجتمعٍ مسؤول وحكيم ... مجتمع غير أعمى يفعل ما يُملى عليه».
بينما يقول طالبٌ دنماركي: «نحن دولة صغيرة، علينا أن نبذل ما بوسعنا... علينا أن نفعل ما هو أفضل لأن هناك الكثير من الناس حول العالم ... علينا حتى العمل بجد أكثر لمنافستهم».
لم يتحدث عن التنافسية الوطنية بهذه الطريقة سوى الطلاب الدنماركيون والأيرلنديون؛ من المحتمل أن السبب مرتبطٌ بعوامل جيوسياسية واقتصادية محددة، لا سيما حجم البلدين الصغير نسبياً عند مقارنته ببعض جيرانهم الأوروبيين، وهيكل أسواق العمل فيها.
ليس من المستغرب أن نجد الكثير من الطلاب في مختلف أنحاء أوروبا يعتقدون أن الهدف الرئيسي للدراسة الجامعية يتلخّص في تجهيزهم لسوق العمل، لأنها الرسالة المشتركة التي يتلقاها الناس من حكوماتهم في كثيرٍ من الأحيان.
ومع ذلك، وكما تبين لنا، فإن العديد من الطلاب لديهم وجهات نظر أوسع؛ ترى أن قيمة التعليم العالي تكمن في تعزيز المشاركة الديمقراطية والنقدية، كما تعزّز أيضاً التنمية الجماعية وليس الفردية فقطـ، ويشير تباين الآراء الوطنية الذي وجدناه أيضاً إلى أن الاختلافات المستمرة في التمويل عبر القارة قد تؤثر على كيفية فهم الطلاب للتعليم العالي.