نتناول كيف يمكن بناء الثقة بين أولياء الأمور والمعلمين في ظل انتشار كورونا، تقول إحدى الأمهات في مدينة نيويورك لصحفية «ميليندا أندرسون» أنها أبقت على تعليم ابنها عبر الإنترنت أثناء الجائحة؛ لأنها تعتقد أن المعلمين والمسؤولين عن التعليم في المدينة «يكذبون كثيراً»، وتشرح قائلةً: «مباني المدارس قديمة وليس فيها نظام تهوية جيد، ولا تمتلك الإمدادات التي تحتاجها، وليس لديها حتى ممرضات».
كما قالت رئيسة اتحاد المعلمين في أميركا؛ والتي كانت تبذل جهدها لإعادة افتتاح المدارس، مراراً بأن المعلمين يعانون من نقص المياه والصابون في حمامات المدرسة في أكثر الأحيان، وفي ذات السياق؛ اتهم المعلمون في تشاندلر بولاية أريزونا، مجلس المدرسة المحلية بمخالفة وعده بشأن إغلاق المدارس في حال انتشار فيروس كورونا على نطاقٍ واسع.
بينما تريد أحد الأمهات أن يذهب ابنها إلى المدرسة لأنها «فقدت الكثير من ثقتها في المدرسة المحلية»، كما أنها قد ترسل طفلها إلى المدرسة الكاثوليكية في خريف عام 2021 بعد أن شهدت المدرسة المحلية عمليات فتحٍ وإغلاق متكررة وغير متوقَّعة.
لا شك في أن مثل هذه الحالات تشير إلى انهيار الثقة بين الآباء أو المعلمين والمدارس في مجتمعاتهم، فبالرغم من أن التغطية الإعلامية الأكبر خلال الجائحة؛ كانت تركّز على أشياء مثل ارتداء الكمامات، واتباع إجراءات التباعد الاجتماعي بين الطلاب، وتوفير التهوية المناسبة في المدارس؛ لكن موضوع الثقة لم يحظَ سوى بالاهتمام الذي يستحقه.
بصفتي مؤرخاً تعليمياً؛ أعتقد أنه إذا تم تجاهل أهمية الثقة باستمرار، فقد يكون لذلك عواقبُ وخيمة على مدارس الولايات المتحدة كلها.
دور العِرق
تختلف الثقة في سلامة المدرسة بين المجتمعات؛ حيث تشير استطلاعات الرأي الوطنية إلى أن الآباء البيض كانوا يميلون أكثر لإرسال أطفالهم إلى المدارس أثناء الجائحة من الآباء الآخرين. في الحقيقة؛ ينبغي ألّا تكون هذه الاختلافات العِرقية مفاجئةً؛ بالنظر إلى أن المجتمعات السوداء واللاتينية تأثرت بشدة بالجائحة.
مع ذلك؛ لم تكن شدة التأثر بالجائحة هي الاختلاف الوحيد؛ فقد أخبرت إحدى الأمهات في ممفيس بولاية تينيسي -والتي تعمل كوسيطٍ ثقافي بين المدرسة والأهالي- أحد المراسلين عن ردّ فعل مجتمعها على فكرة إعادة الطلاب إلى المدارس قائلةً: «لقد خذلتنا هذه المدارس على مدى أجيال، وتركت أطفالنا عُرضةً للتشرد والضياع والسجون، والآن يبدو الأمر وكأنها تقول لنا اذهبوا إلى الموت».
تُظهر الاستطلاعات أن الآباء الأميركيين من أصل آسيوي في شيكاغو ونيويورك وفيرفاكس بولاية فيرجينيا، كانوا يفضّلون تعليم أطفالهم عن بعد من الآباء البيض، وكانت الرغبة في حماية أطفالهم من تصاعد التنمّر والهجمات ضد الآسيويين أثناء الجائحة هي العامل الرئيسي الذي دفعهم لذلك. يُعتقد أن هذه الهجمات -إلى حدٍ كبير- كانت نتيجةً غير مباشرة لقيام الرئيس السابق «دونالد ترامب» بإلقاء اللوم على الصين، واعتبارها المسؤول الرئيسي عن انتشار جائحة فيروس كورونا.
كيف ينبغي فهم هذه المستويات المختلفة من عدم الثقة لدى مختلف شرائح المجتمع؟
عناصر الثقة
يكمن الحل الرئيسي في «الثقة في العلاقات»؛ وهو مصطلح صاغه عالِما الاجتماع «أنتوني بريك» و«باربرا شنايدر». تتعامل الثقة في العلاقات مع مقدار رؤية الناس لوحدة الهدف من حولهم، بمعنىً آخر؛ هل يعتقد الناس أن الأشخاص الذين يعتمدون عليهم لديهم النوايا السليمة والكفاءة الأساسية والنزاهة للعمل من أجل الصالح العام؟ وبشكلٍ عام؛ ينطوي مفهوم «الثقة في العلاقات» على إشراك أولياء الأمور وقادة المجتمع المحلّي والموظفين في المدارس، في عملية التعليم بشكلٍ أو بآخر؛ لحل المشاكل الطارئة، وإنجاح العملية التربوية.
يخاطر المعلمون والموظفون في المدارس التي تعمل في «ظروفٍ خارجية مضطربة» بحياتهم المهنية وإحساسهم بذواتهم أثناء العمل، بينما يخاطر الآباء بمستقبل أطفالهم وعائلاتهم، ونظراً للمخاطر الكبيرة التي تنطوي على صحة الناس وسلامتهم؛ فإن الثقة في العلاقات تكون ضرورية.
لقد أظهرت الجائحة حقيقة أن المعلمين والطلاب غالباً ما يعملون ويدرسون في مبانٍ متهالكة تحتاج إلى الكثير من الإصلاحات؛ خصوصاً أنظمة التدفئة والتهوية وتكييفات الهواء. في الواقع؛ تُعتبر حالة المدارس ومدى جاهزيّتها أمراً حيوياً للغاية؛ فقد أظهرت العديد من الأبحاث أن البيئة المدرسية يمكن أن تؤثر على التحصيل الأكاديمي للطلاب وصحتهم أيضاً.
ولكن ما حصل أثناء الجائحة، ومع ظهور الكثير من التقارير عن فشل الحكومة الفيدرالية والعديد من حكومات الولايات؛ فقد أضحت الثقة في العلاقات ضحيّة أخرى.
البيت الأبيض يضغط من أجل تطعيم المعلمين
بدأت إدارة الرئيس بايدن أولى خطواتها باستعادة وبناء الثقة بين أولياء الأمور والمعلمين؛ عندما أجبرت الولايات في أوائل مارس/ آذار من هذا العام على منحت أولوية اللقاح للمعلمين وموظفي المدارس، وبحلول نهاية الشهر؛ كان جميع المعلمين مؤهلين للحصول على اللقاحات في 46 ولاية عبر الولايات المتحدة.
يتفق الأميركيون بشأن ضرورة التركيز على تطعيم المعلمين؛ حيث قال 59% ممن شملهم استطلاع وطني جرى في فبراير/ شباط الماضي، أنه يجب أن تبقى المدارس مغلقةً، وألا يتم فتحها بالكامل إلى أن يتم تطعيم جميع المعلمين.
يجب أن ينتبه المسؤولون الحكوميون إلى أن بعض القرارات في السياق التعليمي قد تؤدّي إلى تدهور الثقة في العلاقات؛ على سبيل المثال، هل يجب على الطلاب الذين يتعلمون عن بعد الذهاب إلى المدرسة لإجراء الامتحانات فقط؟ لا تتهاون إدارة بايدن بشأن متطلبات الامتحانات؛ ولكنها لا تشجّع على الفكرة القائلة بوجوب «ذهاب الطلاب إلى المدرسة لإجراء الامتحانات فقط».
على النقيض من ذلك؛ أصدر «ريتشارد كوركوران»؛ مفوّض التعليم في فلوريدا، قراراً يقضي بأن يحضر جميع الطلاب الامتحانات بشكلٍ شخصي. في الحقيقة؛ يريد الآباء من مسؤولي الولاية والمدارس احترام تقييمهم بشأن إرسال أبنائهم لأداء الامتحانات من عدمه؛ فإذا أراد المسؤولون التعليميون بناء المزيد من الثقة في العلاقات مع أولياء الأمور، يجب أن يسمحوا لهم بإدارة المخاطر التي قد يتعرض لها أولادهم بأنفسهم.
الاستثمار في السلامة
بعد ما شهده العام الدراسي الحالي؛ يمكن إعادة بناء الثقة بين أولياء الأمور والمعلمين إذا استُثمرت الأموال العامة فيما يساهم بالحفاظ على سلامة الطلاب والموظفين.
رصدت خطة ترميم البنية التحتية التي تبنتها إدارة بايدن، 45 مليار دولارٍ لإزالة مصادر التلوث؛ مثل الأنابيب المبطنة بالرصاص من المدارس، ومراكز الرعاية النهارية، ومع إظهار الجائحة لمخاطر التواجد في الأماكن الداخلية المغلقة، يجب أن تساعد الجهود المبذولة في إزالة الأنابيب المبطنة بالرصاص والأسبستوس، وإزالة أية مصادر تلوثٍ أخرى في بناء الثقة في العلاقات. إن أزمة تلوث مياه الشرب بالرصاص في فلينت في ميشيغان ليست إلا أحد الأمثلة الصارخة؛ حيث أظهر تحليل المياه وجود مستوياتٍ عالية من الرصاص في 37% من المدارس التي اختُبرت فيها مياه الشرب.
كذلك؛ إصلاح معدات المدارس يتطلّب إعطاء المزيد من الصلاحيات للموظفين لمراقبة المخاطر البيئية والصحية للمدارس، في شيكاغو على سبيل المثال؛ يتضمّن عقد العمل الجديد بنداً خاصاً بلجان السلامة المدرسية.
اقرأ أيضاً: التدابير والمعايير الأساسية لإعادة فتح المدارس في ظل كورونا
طرق بناء الثقة بين أولياء الأمور والمعلمين
تقترح نظرية الثقة في العلاقات أن المدارس بحاجة إلى بناء الاحترام، وإشراك المجتمع في العمليات المدرسية وصنع القرار. يمكن أن يكون شكل إشراك المجتمع بسيطاً؛ مثل برامج التوعية ثنائية اللغة لأولياء الأمور من أصولٍ غير أميركية لدعم العملية التربوية، أو برامج توظيف الآباء كمسؤولين عائليين في المنطقة التعليمية، أو بمعنىً آخر؛ كوسطاءَ ثقافيين يربطون بين المدارس والأسر، كما يمكن للمنظمات واتحاد المعلمين تنظيم لقاءاتٍ تجمع بين كوادر المدرسة وأولياء الأمور وأعضاء المجتمع لتحديد المشكلات المشتركة وحلّها.
قد يبدو من الغريب أن نفترض أن الجَمْع بين الآباء وأفراد المجتمع الآخرين قد يكون له أية فائدة؛ ولكن حتى لو لم تكن مثالية، فإن هذا النوع من الاجتماعات يساعد في بناء الثقة في العلاقات.
لقد سمع الباحثون -خلال الأبحاث التي أجروها- كلاماً إيجابياً حول تغيّر علاقة أولياء الأمور ونظرتهم إلى المدارس التي تحترم وجهة نظر الوالدين؛ على سبيل المثال؛ أَخْبر أحد أولياء الأمور باحثة القيادة التربوية «سوزان أورباخ»، بأنه بات «يمتلك مزيداً من الثقة والشجاعة لمناقشة مخاوفه مع مسؤولي المدرسة»، بينما قال آخر لأستاذة التعليم «آن إيشيماور» وزملائها: «بات بإمكاني المجيء إلى المدرسة وأقول بثقة ما الذي أريده. نحن نعلم بالفعل أن المعلمين في هذه المدرسة يتفهمون مخاوفنا ويساعدون أطفالنا حقاً».
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.