معظمنا يعرف ذلك الأب أو الأم اللذان يعتقدان بأن ابنهما سيكون وريث «بيكاسو» أو «آلبرت آينشتاين» بغض النظر عمّا إذا كان ذلك صحيحاً أم لا؛ لكن من الصعب معرفة هل رفع سقف توقعات الآباء بشأن قدرات الأطفال في الدراسة مفيد فعلاً، أم ضار لهم.
قد يؤدي إفراط الوالدين في التفاؤل بشأن قدرات الأطفال في الدراسة إلى إضعاف حافزهم للعمل بجدّ أكثر، ويعطيهم فكرةً خاطئةً عن قدراتهم والفرص المتاحة لهم، أو بالعكس؛ قد يمنح هذا التفاؤل الطفل الثقة بنفسه، ويشّجعه على بذل المزيد من الجهد.
قمنا بإجراء دراسةٍ لاكتشاف أي من هذين الاحتمالين هو الأكثر ترجيحاً. وجدنا أن تفاؤل الأم بمدى مهارة طفلها في الرياضيات والقراءة أثرٌ إيجابي دائماً على أدائه، فكلما كان تفاؤل الأم بقدرة طفلها أعلى، كانت اهتمامه بالدراسة ونتائجه المدرسية أفضل؛ لكن القوالب النمطية الجندرية يمكن أن تشكّل عائقاً؛ إذ كانت الأمهات أكثر تفاؤلاً بشأن قدرة أبنائهن في الرياضيات، بينما كنّ أكثر تفاؤلاً بشأن بناتهنّ في القراءة.
من المعروف أن الأطفال ذوي الخلفيات الثرية يميلون لتحقيق نتائجَ أكاديمية أفضل، ويحصلون على مزايا أكاديمية كثيرة مقارنةً بذوي الخلفيات الأقل ثراءً، وقد نعتقد أيضاً أن الآباء الأكثر ثراءً هم أكثر تفاؤلاً بشكلٍ عام بنجاح أطفالهم؛ ولكننا لم نجد سوى أدلة متواضعة وغير متّسقة ترجّح دور تفاؤل الأمهات في البيئة الثرية. والأهم من ذلك؛ كانت النتائج التي توصلنا إليها؛ والتي تفيد بأن التفاؤل يؤدي إلى نتائجَ مدرسية أفضل واهتمامٍ أكاديمي أعلى، هي نفسها بغض النظر عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية للأم.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر النشأة في ظروف قاسية في تطوّر أدمغة الأطفال؟
تفاصيل الدراسة
تشيع هذه الأيام مطالبة الآباء بأن أبنائهم يستحقون جائزة على ما يبذلونه من جهد. بالعودة إلى الأيام الخوالي؛ قد يقول البعض أن الأطفال قد واجهوا مصاعب الحياة منذ صغرهم، وبأن الآباء كانوا قساةً عليهم ولم يثنوا على أدائهم الأكاديمي المتميّز إلا على مضض.
أردنا معرفة أيهما يفيد الأطفال أكثر؛ تفاؤل آبائهم ورفع سقف توقعاتهم، أم التعامل معهم بواقعية مجردة؟
لأجل لك؛ استعنّا ببيانات الدراسة الطولية للأطفال الأستراليين؛ والتي شملت 2602 طفلاً أسترالياً ومقدمي الرعاية الأساسيين لهم. كان مقدم الرعاية الأساسي في البيانات هو الأم في أغلب الأحيان، لذلك انصبّ تركيزنا عليها؛ لكننا نعتقد أن نتائجنا تنطبق أيضاً على الآباء والأوصياء.
تضمنت الدراسة الطولية (دراسة متغيّر أو مجموعة من المتغيّرات على نفس الحالات أو المشاركين على مدار فترة من الزمن) تقييم الأمهات لأبنائهن فيما إذا كان مستواهم أقل من المتوسط، أو متوسطاً أو أعلى من المتوسط بالنسبة لأدائهم في القراءة والرياضيات.
ثم قمنا بمقارنة تقييم الأمهات لأطفالهن بنتائج برنامج التقييم الوطني في أستراليا -معرفة القراءة والكتابة والرياضيات- للطفل في نفس العام. وقد سُمح لنا ذلك بمعرفة ما إذا كانت درجات الأطفال في الرياضيات والقراءة أقل فعلياً من المتوسط، أو متوسطةً أو أعلى من المتوسط.
عندما اتّسم تقييم الأمهات لأداء أطفالهنّ في الرياضيات والقراءة بالإيجابية أكثر مما أظهرت نتائج المدرسة، أطلقنا على ذلك «التفاؤل»، بينما أطلقنا كلمة «التشاؤم» على الحالة المعاكسة؛ أي عندما يكون تقييم الأمهات لأطفالهن أكثر سلبيةً مما تظهره نتائجهم الدراسية.
أخذنا بيانات التفاؤل أو التشاؤم الناتجة من عامٍ واحد، وأظهرنا كيف أثّر ذلك على نتائج برنامج التقييم الوطني والاهتمام الأكاديمي بعد ذلك بعامين، لذلك نظرنا إلى البيانات من السنة الثالثة، وكيف تغيّرت في العام الخامس -على سبيل المثال- وبذلك تمكّنا من إظهار أن تفاؤل الأمهات وتشاؤمهن ارتبط بالتغيّر في النتائج الأكاديمية بعد عامين.
بشكلٍ عام؛ وجدنا أيضاً أن الأمهات كنّ أكثر تفاؤلاً بشأن قدرة أطفالهن في الدراسة مقارنةً بما أظهرته نتائجهم المدرسية، وتبين لنا أن ذلك لم يحسّن نتائج الأطفال المدرسية في وقتٍ لاحق وحسب؛ بل زاد أيضاً من اهتمامهم بالمدرسة.
على سبيل المثال؛ وفقاً لنتائجنا حول قدرات الأطفال في الدراسة، فلنقل أن متوسط درجات طفلٍ ما كان 50% في اختبار الرياضيات للصف الخامس في اختبار برنامج التقييم الوطني، ولنفترض أيضاً أن والدة هذا الطفل كانت أكثر تفاؤلاً بشأن قدرة طفلها (بمقدار انحرافٍ معياري واحد عن مستوى الطفل الحالي)، فإن هذا الطفل سيحقق نسبة 55% في اختبار الرياضيات في برنامج التقييم الوطني في الصف السابع.
وبالمثل؛ إذا كانت هذه الأم أكثر تشاؤماً بشأن طفلها أكثر مما توحي به نتائجه المدرسية، فيمكن أن نتنبأ بأن مستوى الطفل سينخفض إلى شريحة 45% بحلول العام السابع.
اقرأ أيضا:
هل يمكن أن تكون هناك عوامل أخرى مؤثرة في هذه النتائج؟
قد تبدو نتائج الطفل تتأثر بثقة أمه به؛ خصوصاً عندما يكون التأثير ناجماً عن عوامل أخرى مثل تغيير مدرسة الطفل بين اختبار التقييم الوطني الأول والذي يليه، لذلك استخدمنا بعض الأساليب الإحصائية الجديدة نسبياً لضمان أن أية اختلافاتٍ موجودةٍ مسبقاً بين المشاركين (مثل الحالة الاجتماعية والاقتصادية، أو مكان الإقامة في الريف أو المدينة، أو فيما إذا كانت المدرسة خاصةً أو عامة) لن تؤدي لتقديم تفسيرٍ بديل لنتائجنا بسهولة.
في الواقع؛ هذه الأساليب الإحصائية ليست مثاليةً، ولا يزال وجود تفسيرات بديلة أخرى لنتائجنا ممكناً؛ مثل نشوء اختلافاتٍ بين المشاركين أثناء سير الدراسة؛ لكن دراستنا توفّر قدراً أكبر من اليقين من الدراسات التقليدية التي تبحث عن رابطٍ بين عاملين، لذلك نحن واثقون نسبياً من أن تفاؤل الأم كان له بالفعل التأثير الذي رأيناه.
تفاؤل الأمهات بأطفالهن الذكور والإناث
وجدنا أن التفاؤل يختلف أحياناً حسب جنس الطفل؛ إذْ غالباً ما يتوافق تفاؤل الأمهات مع الصور النمطية للجنسين بأن الأولاد أفضل في الرياضيات، والبنات أفضل في القراءة.
كانت الأمهات أكثر تفاؤلاً بقدرة أبنائهن الذكور في الرياضيات مقارنةً بقدرة بناتهن، وأكثر تفاؤلاً بشأن قدرة بناتهن على القراءة من أبنائهن، حتى لو كان أداء كليهما جيداً بنفس القدر. في حين تُظهر أبحاث أخرى أن الآباء الذين لديهم معتقدات راسخة بأن البنات سيئات في الرياضيات يميلون إلى تقديم المساعدة في الواجبات المنزلية بأسلوبٍ غير مناسب؛ مما قد ينعكس سلباً على أداء الطفل ويؤدي إلى نتائجَ مدرسية أسوأ ويُضعف الحافز.
كيف يساعد تفاؤل الآباء بأبنائهم على نجاحهم الأكاديمي؟
نعتقد أن هناك عدة طرق لذلك؛ إذْ تشير أبحاث أخرى إلى أن الآباء يستثمرون المزيد من الوقت والموارد (مثل الدروس الخصوصية) في تعليم أطفالهم إذا كانوا يؤمنون بقدرة أطفالهم على النجاح. وبالمثل، فإن وجود شخصٍ يؤمن بقدرات الأطفال في الدراسة ويؤمن بقدرته على النجاح قد يكون بمثابة حافزٍ قوي يدفع الطفل لبذل المزيد من الجهد في المدرسة.
لكن هل يمكن أن يضرّ الإفراط في التفاؤل بنتائج الطفل؟ تشير بعض الأدلة من دراستنا إلى أن الإفراط في التفاؤل قد لا يكون له أثر، أو قد يضر؛ لكن ذلك كان صحيحاً عند مستوياتٍ متطرفة جداً، وقد كان الدليل ضعيفاً جداً. نعتقد أن السبب الذي لا يجعل حتى مستوى التفاؤل الشديد ضاراً هو احتكاك الطفل بالعالم الواقعي، وإدراكه بأن لقدرته حدوداً.
تعزز نتائجنا الدور القوي الذي يمكن أن يلعبه الآباء في نجاح أطفالهم أكاديمياً، كما تتعارض النتائج أيضاً مع معتقدات بعض الأشخاص بأنك يجب أن تكون قاسياً لتكون طيباً، أو أن تعامل الوالدين مع طفلهما يجب أن يكون واقعياً.
اقرأ أيضاً: دليل الآباء للتعامل مع خوف أطفالهم من الذهاب إلى المدرسة
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.