مع وجود 80-100 مليار خلية عصبية تُعرف باسم «العصبونات»؛ فإن الدماغ البشري قادر على القيام ببعض الأعمال والمهام المذهلة، كل خلية عصبية متصلة بأكثر من 1000 خلية عصبية أخرى؛ مما يجعل العدد الإجمالي للوصلات في الدماغ حوالي 60 تريليون وصلة، ويتم تنظيم الخلايا العصبية في أنماط وشبكات داخل الدماغ وتتواصل مع بعضها البعض بسرعاتٍ لا تصدق. كيف يعمل العقل مستفيداً من كل هذه الموارد؟
آلية عمل الخلايا العصبية
لفهم الدماغ ككل؛ علينا أولاً فهم مكوّناته الأصغر، تتكون كل خلية عصبية من ثلاثة أجزاء رئيسية؛ جسم الخلية -المعروف أيضاً باسم سوما- والمحور العصبي، والتشعّبات. تتواصل الخلايا العصبية مع بعضها البعض باستخدام الإشارات الكهروكيميائية، بمعنىً آخر؛ بعض المواد الكيميائية في الجسم؛ والمعروفة باسم الأيونات، لها شحنة كهربائية؛ حيث تتحرك الأيونات داخل وخارج الخلية العصبية عبر غشاء الخلية، وتؤثر على الشحنة الكهربائية للخلايا العصبية.
عندما تكون الخلية العصبية في حالة راحة، يكون جسم الخلية العصبية- أو الـ«سوما»- مشحوناً بشحنة سالبة بالنسبة لخارج الخلايا العصبية، وتحتوي الخلية العصبية في حالة الراحة على شحنة سالبة تبلغ حوالي -70 مللي فولت من الكهرباء، ومع ذلك؛ عندما يأتي المحفز -مثل ارتطام إصبع قدمك، أو سماع اسمك-، فإنه يتسبب في استيعاب الخلايا العصبية لأيونات موجبة أكثر، وتصبح الخلايا العصبية أكثر إيجابيةً، وبمجرد أن تصل الخلايا العصبية إلى عتبة معينة؛ تبلغ -55 مللي فولت تقريباً، يحدث ما يُعرف باسم «جهد الفعل» -أو كُمون الفعل-؛ الذي يسبب تنشيط العصبون، وينتقل بعدها جهد الفعل إلى أسفل المحور العصبي؛ حيث يصل إلى محطة المحور.
في الطرف المحوري، يتم تحويل الإشارات الكهربائية إلى إشارات كيميائية تنتقل بين الخلايا العصبية عبر فجوة صغيرة تسمى «المشبك»، وتسمى هذه المواد الكيميائية بالناقلات العصبية. تعبر الناقلات العصبية المشبك، وترتبط بالمستقبلات الموجودة على التشعّبات في الخلايا العصبية القريبة. (التشعبات هي إسقاطات شبيهة بالفروع تنقل النبضات المتلقّاة بين أجسام الخلايا العصبية المتجاورة)
كيف يعمل العقل؟
تختلف الناقلات العصبية عن الأيونات؛ لأنه بدلاً من التأثير المباشر على شحنة الخلايا العصبية، تتواصل الناقلات العصبية عن طريق تنشيط المستقبِل. بمعنىً آخر؛ يشبه الناقل العصبي المفتاح، والمستقبل هو القفل، وبمجرد أن يدير المفتاح ذلك القفل، أو عندما يتصل الناقل العصبي بالمستقبل، يتم تمرير الرسالة وإعادة تدوير الناقلات العصبية. يؤدي نقل المعلومات من خلية عصبية إلى خلية عصبية أخرى، وبين شبكات الخلايا العصبية، إلى القيام بكلّ شيء؛ من التفكير إلى ممارسة الرياضة وحلّ المشكلات وحتى الأحلام.
يتم تقسيم الخلايا العصبية في الدماغ البشري والحبل الشوكي إلى قسمين؛ الجهاز العصبي المركزي، والجهاز العصبي المحيطي، ويتم تقسيم الجهاز العصبي المركزي بدوره إلى مناطقَ وظيفية مختلفة:
- القشرة المخية الحديثة؛ وهي الفصوص الخارجية الأربع على سطح الدماغ.
- العقد العصبية أو العقد القاعدية؛ والتي يمكن العثور عليها في عمق هيكل الدماغ.
- الدماغ البيني؛ الذي يحتوي على المهاد وما تحت المهاد، ويوجد أيضاً في أعماق الدماغ.
- جذع الدماغ.
- النخاع الشوكي.
في كثير من الأحيان؛ تعمل الفصوص والمناطق المختلفة معاً لإنجاز سلوكيات معقدة؛ مثل التحدث أو التعلم، ولا تتواصل هذه الخلايا العصبية باستمرار مع بعضها البعض فحسب، بل تتفاعل أيضاً مع الخلايا العصبية في الجهاز العصبي المحيطي.
يتكون الجهاز العصبي المحيطي من الخلايا العصبية الحسية والحركية في جميع أنحاء الجسم، تجمع الخلايا العصبية الحسية المعلومات من العالم الخارجي من خلال مستقبلات الحواس الخمس، بينما تسمح لك الخلايا العصبية الحركية بالتحرك والاستجابة للإشارات القادمة من الدماغ والحبل الشوكي.
عندما تولد، يكون لديك تقريباً كل الخلايا العصبية التي ستحصل عليها، والعديد من الوصلات العصبية أكثر مما لديك اليوم؛ إذ يستمر الدماغ في التغيير والنمو طوال حياتك؛ لأن الروابط بين الخلايا العصبية مرنة. بمعنىً آخر؛ يمكن لعقلك إضافة وصلات جديدة أو الاستغناء عن الوصلات غير المستخدمة، وعندما تكبر، تساعد خبراتك ومحيطك عقلك على تحديد الروابط المهمة والمفيدة. بالإضافة إلى تجاربك الشخصية؛ تؤثر المعلومات الوراثية أيضاً على نمو عقلك، وعلى الرغم من صعوبة الفصل أو التفريق بين ما هو موروث وما يتم تعلمه، يبدو أن العديد من السلوكيات هي مزيج من العوامل الوراثية والبيئية.