الطباعة ثلاثية الأبعاد: ثورة في عالم الصناعة

تطورت الطباعة ثلاثية الأبعاد على مدار السنوات الثلاثين الماضية، وانتشرت حتى طالت جوانب عديدة في الحياة، وتتوقع بعض التقارير أن يصل سوق الطباعة ثلاثية الأبعاد العالمية إلى 41 مليار دولار بحلول عام 2026. فما هي هذه التقنية الثورية؟ وكيف تعمل الطباعة ثلاثية الأبعاد؟

ما هي الطباعة ثلاثية الأبعاد؟

الطباعة ثلاثية الأبعاد هي عملية تصنيع تعتمد على برنامج حاسوبي، لوضع طبقة تلو الأخرى من مادة معينة لتشكيل مجسم ما ثلاثي الأبعاد. في هذه الآلية يتم تشكيل المجسم المطلوب من الصفر على عكس عمليات التصنيع الأخرى التي يتم فيها تجميع المواد المطلوبة أو قطعها أو نحتها. 

تستخدم الطابعات ثلاثية الأبعاد مجموعة متنوعة من المواد كالبلاستيك أو المعدن أو غيرها من المواد لتحويل الملفات الرقمية التي تحتوي على بيانات ثلاثية الأبعاد  إلى أشياء مادية.

تاريخها

ابتكر «تشارلز دبليو هال» أول طابعة ثلاثية الأبعاد، تستخدم تقنية الطباعة الحجرية المجسمة، وذلك في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. وفي عام 1986، أسس هال شركة «ثري دي سيستمز» (3D Systems)، وهي شركة تبيع اليوم طابعات ثلاثية الأبعاد تستخدم مجموعة متنوعة من التقنيات، تتراوح من التقنيات البسيطة حتى التجارية المتقدمة.

وفي منتصف التسعينيات صُنعت أول طابعة ثلاثية الأبعاد من قبل شركة «ستراتاسيس» (Stratasys) المختصة في مجال الطباعة ثلاثية الأبعاد، وطرحتها في الأسواق.

كيف تعمل الطابعات ثلاثية الأبعاد؟

تعمل الطابعات ثلاثية الأبعاد بنفس آلية عمل الطابعات النافثة للحبر التقليدية. ويتطلب الأمر برنامجاً حاسوبياً ومواد الطباعة على شكل مسحوق، وأدوات دقيقة، لصناعة مجسم ما باتباع عدة خطوات:

النمذجة ثلاثية الأبعاد

الخطوة الأولى في أي عملية طباعة ثلاثية الأبعاد هي النمذجة ثلاثية الأبعاد. إذ يجب تصميم جميع المجسمات أو الأشياء المراد صنعها، مهما بلغت درجة تعقيدها، في برنامج نمذجة ثلاثية الأبعاد.

التقسيم إلى طبقات

بمجرد إنشاء النموذج حاسوبيّاً، سيبدأ بتقسيم الشكل ثلاثي الأبعاد إلى طبقات ثنائية الأبعاد، ثم يُجري البرنامج عمليات مسح لكل طبقة من النموذج ويخبر الطابعة بكيفية التحرك من أجل إنشاء تلك الطبقة. كما يُشكل البرنامج شبكات وأعمدة داخلية تساعد في تشكيل المجسم وتقويته.

عملية الطباعة ثلاثية الأبعاد

عند اكتمال النموذج وتقسيمه إلى طبقات حاسوبيّاً، تبدأ عملية الطباعة. تتحرك فوهة الطابعة ذهاباً وإياباً، لتوزيع مادة الطباعة مشكلةً طبقة، ثم تنتظر تلك الطبقة حتى تجف لتضيف الأُخرى. وتستمر بذلك حتى تضيف مئات أو آلاف الطبقات لتشكيل المجسم ثلاثي الأبعاد.

تستغرق عملية طباعة المجسمات ثلاثية الأبعاد البسيطة بضع ساعات، مثل كرة. أما المجسمات الكبيرة، مثل منزل حقيقي، تستغرق عدة أسابيع.

المواد المستخدمة في الطباعة ثلاثية الأبعاد

تختلف المواد المستخدمة في الطابعات حسب المجسم أو الأداة المراد صُنعها. من أشهر هذه المواد:

• أكريلونيتريل بوتادين ستايرين (ABS): مادة بلاستيكية يسهل تشكيلها ويصعب كسرها، فهي مادة صلبة ومقاومة للحرارة، تُصنع منها قطع الليغو.
• خيوط ألياف الكربون: هي ألياف تستخدم لصنع أشياء قوية وخفيفة الوزن.
• الشعيرات الموصلة: تُستخدم لطباعة دارات كهربائية بدون أسلاك، وهي مفيدة للتكنولوجيا القابلة للارتداء.
• الشعيرات المرنة: تُستخدم لصناعة أشياء قابلة للانحناء ومرنة ومتينة مثل ساعات اليد.
• الخيوط المعدنية: وهي عبارة عن معادن مطحونة مع غراء من البوليمرات. يمكن أن يكون المعدن المستخدم الفولاذ أو النحاس أو البرونز، وتستخدم لتشكيل المجسمات المعدنية.
• خيوط الخشب: وهي عبارة عن خشب مطحون ناعم ممزوج بغراء من البوليمرات. وتُستخدم لطباعة الأشياء الخشبية.

أنواع الطابعات ثلاثية الأبعاد

تختلف الطابعات ثلاثية الأبعاد حسب التقنية التي تستخدمها، وذلك اعتماداً على حجم المجسم والغرض منه. يكمن الاختلاف بين أنواع الطابعات ثلاثية الأبعاد في كيفية الطباعة، وهذه بعض الأنواع:

• نمذجة الترسيب المنصهر (FDM): هي الشكل الأكثر استخداماً للطباعة ثلاثية الأبعاد. يفيد بتصنيع النماذج الأولية والمجسمات البلاستيكية.
• الطباعة الحجرية (SLA): من أنواع الطباعة السريعة للنماذج الأولية ذات التفاصيل المعقدة. وتستخدم الليزر فوق البنفسجي لتصنيع الأشياء في غضون ساعات.
• المعالجة الرقمية للضوء (DLP): من أقدم أشكال الطباعة ثلاثية الأبعاد. تستخدم مصابيح لإنتاج مطبوعات بسرعات أعلى من سابقتها لأن الطبقات تجف في ثوانٍ.
• الإنتاج المستمر للواجهة السائلة (CLIP): ويتم فيها نفث قطرات من المواد من خلال فوهة ذات قطر صغير لتشكيل طبقة تلو الأخرى، تتصلب بفعل ضوء الأشعة فوق البنفسجية.
• التلبيد الانتقائي بالليزر (SLS): وفيها يجري دمج جزيئات المسحوق الصغيرة معاً باستخدام ليزر عالي الطاقة لإنشاء شكل ثلاثي الأبعاد.

فوائد الطباعة ثلاثية الأبعاد

دخلت هذه التقنيات إلى مختلف قطاعات الصناعة، وأوجدت حلولاً مبتكرة في بعض المجالات أبرزت أهمية الطباعة ثلاثية الأبعاد.

أغذية مطبوعة ثلاثية الأبعاد

يمكن طباعة الطعام باستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد عندما يكون قابلاً للهرس، مثل الجزر والدجاج. يعتبر الطعام المطبوع آمناً للأكل طالما الطابعة نظيفة، كما أنه سهل الهضم، لكنه بطيء نسبياً، إذ تستغرق طباعة قطعة شوكولا واحدة حوالي 15-20 دقيقة.

منازل مطبوعة ثلاثية الأبعاد

تستخدم بعض المنظمات حول العالم الطباعة ثلاثية الأبعاد لحل أزمة المشردين. من هذه المنظمات منظمة «نيو ستوري» (New Story)، التي تخلق ظروف معيشة أفضل للمشردين عن طريق طباعة منازل ثلاثية الأبعاد، مكونة من جدران ونوافذ وغرفتي نوم خلال 24 ساعة فقط.  

أعضاء وأطراف اصطناعية مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعاد

يتعاون الأطباء والمهندسون لتطوير التكنولوجيا الطبية التي ستمكنّهم من طباعة الأعضاء الرئيسية مثل القلب والكلى، وذلك من أجل حل مشكلة نقص المتبرعين بالأعضاء، ورفض أجسام المتلقين لهذه الأعضاء. ستساعد هذه التقنية بتصميم نماذج ثلاثية الأبعاد للأعضاء باستخدام المواصفات الدقيقة لجسم المتلقي، ثم طباعة مزيج من الخلايا الحية وهلام البوليمر لإنشاء العضو.

صواريخ فضائية مطبوعة ثلاثية الأبعاد

تستطيع شركة «ريلاتيفيتي سبيس» (Relativity Space) تصنيع صاروخ باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد خلال يوم واحد. يتميز الصاروخ بتكوينه من عدد أقل من الأجزاء التي يتكون منها الصاروخ العادي، وبتكلفة أقل، ووزن ووقت تصنيع أقل أيضاً.

سيارات مطبوعة ثلاثية الأبعاد

تستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد في صناعة السيارات منذ زمن، فقد ساعدت على تسريع عملية التصميم والإنتاج، وأصبح بالإمكان طباعة قطع الغيار وبعض الأجزاء التي يرغب المالك بوجودها في سيارته، أو عند الحاجة إلى قطع لم تعد موجودة في السوق.

منتجات استهلاكية مطبوعة ثلاثية الأبعاد

تمكّن الصناعيون الآن من إنتاج العديد من المنتجات كالأحذية والنظارات والمجوهرات وغيرها، وبكميات كبيرة من خلال الطباعة ثلاثية الأبعاد. كما ويمكن طباعة إطارات أو قوالب منتجات أخرى. 

لمعرفة المزيد عن آلية عمل الأشياء والأجهزة من حولك؛ ما عليك سوى زيارة قسمنا الخاص الذي يتحدث عن كيف تعمل الأشياء؟