قد يبدو مفهوم الطاقة الشمسية غريباً لدى البعض حتى الآن؛ لكن استخداماتها أكثر شيوعاً مما قد تظن. قد يكون لديك ساعة كوارتز تعمل بالطاقة الشمسية على معصمك أو آلة حاسبة تعمل بالطاقة الشمسية. كثير من الناس -وحتى المدن- لديهم أضواء تعمل بالطاقة الشمسية في حديقتهم، وعادةً ما تحتوي السفن الفضائية والأقمار الصناعية على ألواح شمسية أيضاً؛ إذ طوّرت وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» طائرةً تعمل بالطاقة الشمسية. ومع استمرار ظاهرة الاحتباس الحراري في تهديد بيئتنا، يبدو أن هناك القليل من الشك في أن الطاقة الشمسية ستصبح شكلاً أكثر أهميةً من أشكال الطاقة المتجددة في المستقبل؛ لكن كيف تعمل الخلايا الشمسية بالضبط؟
كيف تعمل الخلايا الشمسية؟
الخلايا الشمسية هي جهاز إلكتروني يلتقط ضوء الشمس ويحوله مباشرةً إلى كهرباء. إنه بحجم كف شخص بالغ، ثُمانيّ الأضلاع، ولونه أسود مُزرقّ. غالباً ما يتم تجميع الخلايا الشمسية معاً لصنع وحدات أكبر تسمى «الوحدات الشمسية»، يتم تجميعها لتشكل وحداتٍ أكبر تُعرف باسم «الألواح الشمسية»، أو تقطيعها إلى شرائح صغيرة لتوفير الطاقة للأجهزة الصغيرة مثل آلات حاسبة الجيب والساعات الرقمية.
تماماً مثل الخلايا الموجودة في البطارية؛ تم تصميم الخلايا الموجودة في الألواح الشمسية لتوليد الكهرباء؛ ولكن بينما تنتج خلايا البطارية الكهرباء من المواد الكيميائية، تولد خلايا الألواح الشمسية الطاقة عن طريق التقاط ضوء الشمس بدلاً من ذلك. يُطلق عليها أحياناً اسم «الخلايا الكهروضوئية» (PV) لأنها تستخدم ضوء الشمس لتوليد الكهرباء.
يمكن وصف الضوء على أنه مكون من جزيئات صغيرة تسمى «الفوتونات»، لذا فإن شعاع ضوء يطلق تريليونات الفوتونات في اتجاهنا، وعند وضع خلية شمسية في مسارها، تلتقط هذه الفوتونات النشطة وتحولها إلى تدفق إلكترونات؛ أي تيار كهربائي.
تولد كل خلية بضعة فولطات من الكهرباء، لذا فإن وظيفة الألواح الشمسية هي الجمع بين الطاقة التي تنتجها العديد من الخلايا لتكوين كمية مفيدة من التيار الكهربائي والجهد. جميع الخلايا الشمسية اليوم تقريباً مصنوعة من شرائح السيليكون؛ إحدى العناصر الكيميائية الأكثر شيوعاً على الأرض، والموجود في الرمال.
عندما تسطع أشعة الشمس على خلية شمسية، فإن الطاقة التي تحملها تتسبب بتحرير الإلكترونات من السيليكون. بعد ذلك يتم إجبارها على التدفق حول دائرة كهربائية وتشغيل أي شيء يعمل بالكهرباء.
بُنية الخلايا الشمسية
السيليكون هو المادة التي تُصنع منها الترانزستورات في الرقاقات الدقيقة، وتعمل الخلايا الشمسية بطريقة مماثلة. السيليكون هو نوع من المواد يسمى «أشباه الموصلات». تسمح بعض المواد، ولا سيما المعادن، بتدفق الكهرباء من خلالها بسهولةٍ بالغة، ويطلق عليها «الموصلات». بينما المواد الأخرى؛ مثل البلاستيك والخشب، فلا تسمح بتدفق الكهرباء من خلالها على الإطلاق، ويُطلق عليها «العوازل». أشباه الموصلات مثل السيليكون ليست موصلات ولا عوازلَ، فهي لا توصل الكهرباء عادةً؛ ولكن يمكننا جعلها تفعل ذلك في ظل ظروف معينة.
يمكن تشبيه الخلية الشمسية بأنها "شطيرة" من طبقتين مختلفتين من السيليكون تم معالجتهما بشكلٍ خاص بحيث يسمحان للكهرباء بالتدفق عبرهما بطريقةٍ معينة. يتم تعديل الطبقة السفلية بحيث تحتوي على عدد قليل جداً من الإلكترونات، وُيطلق عليه السيليكون من النوع «p» أو النوع الموجب (لأن الإلكترونات سالبة الشحنة وهذه الطبقة بها القليل جداً منها). بينما يتم تعديل الطبقة العليا بالطريقة المعاكسة لمنحها عدداً كبيراً جداً من الإلكترونات. يطلق عليه السيليكون من النوع «n» أو النوع السلبي.
عندما نضع طبقةً من السيليكون من النوع «n» على طبقة من السيليكون من النوع «p»، يتم إنشاء حاجز عند تقاطع المادتين؛ لكن لا يمكن لأي إلكترونات عبور ذلك الحاجز، لذلك حتى لو قمنا بتوصيل شطيرة السيليكون هذه بمصباح يدوي، فلن يتدفق أي تيار، وبالتالي فلن يضيء المصباح؛ لكن إذا سلطنا الضوء على الشطيرة، فسيحدث التغيير.
يمكننا أن نفكر في الضوء على أنه تيار من "جسيمات الضوء" النشطة تسمى الفوتونات. عندما تدخل الفوتونات شطيرة السيليكون لدينا، فإنها تتخلى عن طاقتها لصالح الذرات في السيليكون. تقوم الطاقة الواردة بإخراج الإلكترونات من الطبقة السفلية من النوع «p» بحيث تقفز عبر الحاجز إلى الطبقة من النوع «n» في الأعلى وتتدفق حول الدائرة. وكلما زاد الضوء الساطع، كلما قفز المزيد من الإلكترونات وتدفق التيار.
وهذا هو المقصود بالخلايا الكهروضوئية؛ جهد من صنع الضوء - وهو نوعٌ من عدة أنواع مما يسميه العلماء «التأثير الكهروضوئي».
- اقرأ أيضا: كيف تعمل الطابعة ثلاثية الأبعاد؟
طاقة من الناس وإلى الناس
يشعر بعض الناس بالقلق من أن مزارع الطاقة الشمسية سوف تلتهم المساحات الأرضية التي نحتاجها للزراعة وإنتاج الغذاء؛ لكن القلق بشأن الاستحواذ على الأرض يهمل نقطةً حاسمةً إذا كنا نتحدث عن وضع الألواح الشمسية على الأسطح المنزلية.
قد يجادل دعاة حماية البيئة بأن النقطة الحقيقية للطاقة الشمسية لا تتمثل في إنشاء محطات طاقة شمسية مركزية كبيرة؛ ولكن لتحل محل محطات الطاقة المركزية من خلال السماح الناس ليصنعوا الطاقة بأنفسهم في نفس المكان الذي يستخدمونها فيه. يؤدي ذلك إلى القضاء على عدم كفاءة توليد الطاقة من الوقود الأحفوري، وتلوث الهواء وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تنتج عنها، كما يلغي أيضاً عدم كفاءة نقل الطاقة من نقطة التوليد إلى نقطة الاستخدام عبر خطوط الكهرباء العلوية أو الأرضية.
حتى إذا تعيّن عليك تغطية سقف منزلك بالكامل بألواح شمسية، أو تصفيح الخلايا الشمسية ذات الأغشية الرقيقة على جميع النوافذ، من أجل تلبية احتياجاتك الكهربائية بالكامل، فلن يشكّل الأمر عائقاً لديك - سقفك مجرد مساحة ضائعة على أي حال.
وفقاً لتقرير عام 2011 الصادر وكالة الطاقة الشمسية بأوروبا ومنظمة السلام الأخضر؛ ليست هناك حاجة حقيقية لتغطية الأراضي الزراعية بألواح شمسية، فحوالي 40% من جميع الأسطح و 15% من واجهات المباني في دول الاتحاد الأوروبي ستكون مناسبةً للألواح الكهروضوئية؛ والتي ستولّد ما يصل إلى حوالي 40% من إجمالي الطلب على الكهرباء في المنطقة.
من المهم ألا ننسى أن الطاقة الشمسية تولّد الطاقة بالقدر اللازم للاستهلاك فقط؛ وهذا له مزايا عملية كبيرة. من الناحية النظرية، لا تحتاج ساعات المعصم والآلات الحاسبة التي تعمل بالطاقة الشمسية إلى بطاريات، وسيستمتع الكثير منا بالهواتف الذكية التي تعمل بالطاقة الشمسية والتي لا تحتاج أبداً إلى الشحن، كما تعمل إشارات أعمدة إنارة الطرق والسكك الحديدية الآن بالطاقة الشمسية في عديد من المدن حول العالم. وحتى في البلدان النامية الغنية بأشعة الشمس والفقيرة بالبنية التحتية الكهربائية، ستعمل الألواح الشمسية على تشغيل مضخات المياه وصناديق الهاتف والثلاجات في المستشفيات والعيادات الصحية.
ماذا عن المزارع الشمسية الكبرى؟
لنفترض أننا نريد بالفعل إنتاج كميات كبيرة من الطاقة الشمسية. لتوليد نفس القدر من الكهرباء مثل توربينات الرياح الضخمة؛ التي تبلغ ذروة إنتاجها للطاقة اثنين أو ثلاثة ميغاواط، فإنك تحتاج إلى حوالي 500-1000 لوح شمسي.
وللمنافسة مع محطة كبيرة تعمل بالفحم أو الطاقة النووية، فستحتاج إلى 1000 ضعف مرةً أخرى - أي ما يعادل حوالي مليون لوح شمسي. تفترض هذه المقارنات أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لدينا تنتج أقصى قدر من الإنتاج.
حتى لو كانت الخلايا الشمسية مصادر نظيفةً وفعالةً للطاقة، فإن الشيء الوحيد الذي تفتقر إليه حالياً هو الاستخدامات الفعالة فيما يتعلق بالمساحات. حتى تلك المزارع الشمسية الضخمة الموجودة العديد من أنحاء العالم، تنتج كمياتٍ متواضعةً فقط من الطاقة - عادةً حوالي 20 ميغاواط، أو حوالي 1% مما ينتجه الفحم أو محطات الطاقة النووية.
لا يزال أمامنا الكثير من العمل
من المتوقع أن تكون نقطة التحول للطاقة الشمسية عندما يمكنها تحقيق شيء يسمى «تكافؤ الشبكة»؛ مما يعني أن الكهرباء المولّدة من الطاقة الشمسية التي تصنعها بنفسك تصبح رخيصةً مثل الطاقة التي تشتريها من الشبكة.
سجلت الطاقة الشمسية بالتأكيد معدلات نمو مذهلة للغاية في السنوات الأخيرة؛ ولكن من المهم أن نتذكر أنها لا تزال تمثل جزءاً يسيراً من إجمالي الطاقة العالمية. في المملكة المتحدة -على سبيل المثال- تباهت صناعة الطاقة الشمسية بما وُصف بـ"إنجازٍ رائع" في عام 2014 عندما ضاعفت تقريباً إجمالي سعة الطاقة المولّدة من الألواح الشمسية من حوالي 2.8 غيغاواط إلى 5 غيغاواط؛ لكن هذا لا يزال مجرد قدرة توليد محطتين من محطات الطاقة الحرارية الكبرى، وفي أقصى إنتاج، لا يمثل هذا سوى 8% من إجمالي الطلب على الكهرباء في المملكة المتحدة البالغ حوالي 60 غيغاواط.
ووفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، في الولايات المتحدة؛ حيث تم اختراع التكنولوجيا الكهروضوئية، فاعتباراً من عام 2018، أصبحت تمثل الطاقة الشمسية 1.6% فقط من إجمالي توليد الكهرباء في البلاد. يمثل هذا ارتفاعاً بنسبة 23% تقريباً عن عام 2017، و 80% من عام 2016، وما يقرب من أربعة أضعاف ما كان عليه في عام 2014.
ومع ذلك، فإنه لا يزال أقل بحوالي 20 مرة من الطاقة المولّدة بالفحم و 40 مرة أقل من جميع أنواع الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفوري. بمعنىً آخر؛ حتى زيادة الطاقة الشمسية بمقدار 10 أضعاف في الولايات المتحدة لن تجعلها تُنتج أكثر من نصف كمية الكهرباء التي ينتجها الفحم اليوم. ومن الجدير بالذكر أن اثنتين من المراجعات السنوية الرئيسية للطاقة في العالم؛ وهما «الاستعراض الإحصائي لشركة بريتيش بتروليوم للطاقة العالمية» و«إحصاءات الطاقة العالمية الرئيسية لوكالة الطاقة الدولية»، بالكاد تذكر الطاقة الشمسية على الإطلاق - باستثناء حاشية.
هل سيتغير ذلك في أي وقت قريب؟ ربما. وفقاً لورقةٍ بحثيةٍ نُشرت عام 2016 من قبل باحثين من جامعة أكسفورد البريطانية، فإن تكلفة الطاقة الشمسية تنخفض الآن بسرعةٍ كبيرة بحيث أنها تسير على الطريق الصحيح لتوفير 20% من احتياجات الطاقة في العالم بحلول عام 2027؛ وهو ما سيكون خطوة تغيير كبيرة من حيث نحن اليوم، ومعدل نمو أسرع بكثير مما كان يتوقعه أي شخص. هل يمكن أن يستمر معدل النمو هذا؟ هل يمكن للطاقة الشمسية حقاً أن تحدث فرقاً في تغير المناخ قبل فوات الأوان؟ الأيام وحدها من ستجيبنا.