كيف يعمل الشحن اللاسلكي؟

بعد ساعات من التصفح والعمل على جهازك اللوحي أو هاتفك المحمول، يأتيك تنبيه بنفاد البطارية وضرورة إعادة الشحن مرة أخرى، ليبدأ الصراع اليومي؛ تبحث عن كابل الشحن ولكنه مفقود أو قيد الاستخدام أو أقصر من أن يُبقي جهازك الذكي قريباً منك، إنها معاناة معظم من يعتمد على الشواحن الكهربائية السلكية.

لكن الحل العملي موجود، ومنذ عقد من الزمن، إنه الشحن اللاسلكي. مع الشحن اللاسلكي يمكنك إعادة شحن الهواتف الذكية بالإضافة إلى الأجهزة اللوحية وسماعات الرأس والساعات الذكية بدون كابل. فكيف يعمل الشحن اللاسلكي؟

مبدأ عمل الشحن اللاسلكي

الشحن اللاسلكي ليس بتقنية جديدة كما يعتقد البعض، بل إن جذوره تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، عندما نجح عالم الفيزياء نيكولا تسلا في نقل الكهرباء عبر الهواء باستخدام عملية تُعرف باقتران الرنين الحثي. في تجربته استطاع تسلا تشغيل المصابيح الكهربائية في المختبر من خلال إنشاء مجال مغناطيسي بين جهاز لإرسال الكهرباء وجهاز استقبال يتلقى الكهرباء. لاحقاً، نال تسلا براءة اختراع عن اختراع برج لفائف تسلا لإطلاق الكهرباء عبر موجات الهواء.

على مدى قرن من الزمن لم تجد التقنية تطبيقات عملية تُذكر، باستثناء بعض نماذج فرشاة الأسنان الكهربائية والغلايات. لكن اليوم وبعد انتشار الهواتف المحمولة والأجهزة الذكية، عادت الأضواء لتُسلط على هذه التقنية؛ بهدف الاستغناء عن الكابلات في كل الأجهزة، من الهواتف الذكية وحتى أجهزة المطبخ والسيارات.

معايير الشحن اللاسلكي

للتعرف على كيفية عمل الشحن اللاسلكي لا بُدّ من توضيح نوعين من المعايير المتبعة خلاله، والتي تختلف بالطول الموجي المستخدم، لكنها تعمل بنفس الأساس التكنولوجي، وهما:

معيار "كيو آي" (Qi) ويُلفظ "تشي": تم إنشاؤه من قبل اتحاد الطاقة اللاسلكية (WPC)، ويوفر تردداً موجياً يتراوح بين 100-205 كيلوهرتز، وهو ما تستخدمه العديد من العلامات التجارية في أجهزة الشحن اللاسلكي.
ومعيار "بي إم أيه" (PMA): يستخدم تردداً يتراوح بين 277-357 كيلوهرتز.

كيف يعمل الشحن اللاسلكي؟

قد يسمى بالشحن اللاسلكي إلا أنه ما زال بحاجة لمصدر تيار كهربائي عبر الكابل، حيث تتصل محطات الشحن بالقابس الكهربائي بشكل دائم، بينما يتم شحن الهاتف لاسلكياً من المحطة. يوضع الجهاز فوق محطة الشحن، بحيث يبقى ضمن المجال المغناطيسي الذي يتولد في ملف محطة الشحن، ليتم إنتاج التيار الكهربائي ضمن الجهاز. بشكلٍ عام، يتم التمييز بين نوعين من الشحن: الشحن الاستقرائي والرنيني.

الشحن الاستقرائي

يتطلب الشحن الاستقرائي تماساً مباشراً بين الهاتف والشاحن اللاسلكي، بحيث تكون ملفات الشحن ضمن الهاتف والشاحن بمحاذاة بعضها بعضاً. يعمل الشحن الاستقرائي اعتماداً على مبدأ فاراداي للحث الكهرومغناطيسي وفق المراحل التالية:

يستقبل جهاز الشحن الطاقة الكهربائية من أحد المقابس على كل شكل تيار مستمر.
يحوّل جهاز الإرسال في قاعدة الشحن التيار المستمر إلى تيار متناوب.
يمر التيار المتناوب في ملف ضمن جهاز الإرسال فيولد مجالاً مغناطيسياً ويرسل إشارة.
تستشعر الإلكترونات في ملف الاستقبال للجهاز الذكي المراد شحنه المجال المغناطيسي.
تتدفق الإلكترونات المحتجزة في ملف الاستقبال حول الملف بتأثير المجال المغناطيسي.
ينشأ التيار الكهربائي نتيجة هذا التدفق فيتم شحن بطارية الهاتف أو الجهاز الذكي.

الشحن الرنيني

يُستخدم الشحن الرنيني لشحن الأجهزة التي تتطلب طاقة عالية، مثل السيارات الكهربائية أو الروبوتات أو المكنسة الكهربائية. وعلى عكس الشحن الاستقرائي لا يحتاج الشحن الرنيني لتماس مباشر بين الجهاز ومحطة الشاحن، إذ يمكن لهذه الطريقة أن تعمل على مسافات تتراوح بين 3-5 متراً.

توصل إلى هذه الطريقة خبراء جامعة إم آي تي، حيث صمموا نظاماً ينقل الطاقة بين الملفات التي تعمل بترددات طنين متطابقة. يعتمد تطابق الرنين على سعة الملفات ومقاومتها. قد تبقى هذه الطريقة من الشحن في جوهرها "استقرائية" لأن تذبذب المجال المغناطيسي في الملف الأول يحرض تشكل تيار كهربائي في الملف الثاني، إلا أنها تعتمد على الاقتران القوي بين الملفات، حتى بعد تباعدها لعشرات السنتمترات.

كيف يُستخدم الشحن اللاسلكي؟

لشحن هاتفك لاسلكياً يجب وضع الهاتف الذكي على محطة شحن. بمجرد تلامس الجهاز ولوحة الشحن اللاسلكية، تبدأ عملية الشحن تلقائياً، إذا أنت بحاجة لمكونين وهما:

جهاز يتمتع بإمكانية الشحن اللاسلكي: توفر اليوم العديد من شركات الهاتف المحمول ميزة الشحن اللاسلكي لأجهزتها، لذا لا تحتاج سوى لشراء شاحن لاسلكي، وليس بالضرورة أن يكون من إنتاج نفس الشركة المصنّعة للهاتف المحمول. إذا لم يكن هاتفك مزوداً بخاصية الشحن اللاسلكي، يمكنك استخدام محول هاتفي داخلي أو خارجي، بمنافذ "مايكرو يو إس بي" (Micro USB) لأجهزة الأندرويد، ومنافذ لايتنينغ (Lightning) لأجهزة الآيفون.
شاحن لاسلكي متوافق: تتوافر أجهزة الشحن اللاسلكي بأحجام وألوان عصرية مختلفة، تناسب المكتب والسيارة والمنزل.

تطبيقات الشحن اللاسلكي

مع انتشار التكنولوجيات التي تعتمد على الذكاء الصناعي، توسع استخدام الشحن اللاسلكي ليتعدى الهواتف المحمولة فقط، إذ يمكن استخدامه في صناعات مختلفة، بما في ذلك:

أجهزة الكمبيوتر المحمولة

وفرت العديد من شركات الحواسيب إصدارات تعمل بالشحن اللاسلكي، مثل الحاسوب المحمول الذي أطلقته ديل (Dell) من طراز (Latitude 7825)، وتتميز منصات الشحن بسهولة حملها واستخدامها.

الطائرات بدون طيار

ألغت الروبوتات والطائرات بدون طيار التي تعتمد على "بورباد" (Powerpad) للشحن اللاسلكي الحاجة إلى التوصيل بمقابس الشحن أو تغيير بطاريتها باليد.

الرعاية الصحية

ساعد استخدام الشحن اللاسلكي في تحسين جودة الأدوات والمعدات الطبية، على سبيل المثال:

إيجاد حل لمشكلة الطاقة في أجهزة تنظيم ضربات القلب.
إعادة شحن الأدوات الجراحية خلال العمليات الجراحية بوضعها على علبة الطاقة دون الحاجة لاستبدال البطارية أو إعادة الشحن وتعقيم الأدوات الجراحية مرة أخرى.
تقليل صيانة الأدوات الحيوية المطلوبة للجراحة.

السيارات الكهربائية

على الرغم من أن السيارات الكهربائية صديقة للبيئة، فإن انتشارها يواجه مشكلة وحيدة وهي الحاجة لشحنها كل ليلة، لكن بوجود وسادات الشحن اللاسلكي للسيارات الكهربائية أمكن التخلص من المشكلة.

ربما لم يتمكن تسلا من مشاهدة حلمه في إنشاء شبكة طاقة لاسلكية، لكن اليوم يعتمد المصنّعون على أعماله للتخلص من معاناة التعامل مع الكابلات وتقييدها، ليس ذلك فحسب، تخيل معي أن تضع هاتفك المحمول على طاولة المطبخ وتعود بعد تناول غدائك لتجده قد انتهى من شحن البطارية. إن دمج هذه التقنية في الأدوات المنزلية هو المستقبل المنتظر لتقنية الشحن اللاسلكي.