لا شك أنّ قضاء الإجازة بعيداً عن المنزل له فوائد صحية وعقلية عديدة؛ إذ يمكن أن تقلل من الإجهاد الذي تتعرض له أثناء العمل، وبالتالي فهي تقلل من خطر تعرضك للأمراض مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية والسكري، ووفقاً لإحدى الدراسات، فحتى الإجازات القصيرة (4 أيام) يمكنها أن تحسن شعورك بالرفاهية بشكلٍ كبير، كما أنّ السفر إلى أماكن جديدة يمكنه تحفيز وتعزيز الإبداع، ويزيد من إنتاجيتك عند العودة إلى العمل.
ولكن، عندما لا يمكنك السفر لسببٍ ما؛ مثل ضيق الوقت أو قلة المال، أو بسبب جائحة كورونا، هل يمكنك يا تُرى الحصول على نفس الفوائد إذا بقيتَ في المنزل أثناء الإجازة؟
تقول «ليندا بلير»؛ أخصائية علم النفس الإكلينيكي، ومؤلفة كتاب «مفتاح الهدوء»: «في الواقع، الأمر صعب، لكنه ليس مستحيلاً. الأمر الحاسم هنا يتلخص في إدراك حقيقة مفادها أنّ أغلب فوائد الإجازات لا ترتبط إلا بالقليل من الأنشطة التي نشترك فيها أثناء السفر. الأمر يتعلّق بما لا نفعله».
عندما تسافر إلى مكان جديد، سواء كان ذلك المكان على بُعد مسافة قصيرة يمكن الوصول إليه بالسيارة أو على بعد آلاف الأميال، فإنّ تغيير المكان يساعدك على الهروب من الإشارات البيئية التي تعزز روتينك اليومي. تقول بلير: «ما نحتاجه هو الابتعاد عن دائرة الروتين هذه؛ مثل الحقيبة التي تنتظر بجانب الباب لتأخذها معك إلى العمل، أو لافتات الطريق التي تراها يومياً في طريقك. هذه الإشارات، وإن كانت غائبةً عن وعيك، تُذكّرك بمسؤولياتك وتدفع عقلك للتركيز على المستقبل؛ مما قد يؤدي إلى إثارة القلق والتوتر لديك».
تقول بلير: «تغيب رسائل التذكير بمهام العمل وحياتنا اليومية عندما نكون في إجازةٍ حقيقية، وعندما تستكشف عالماً غريباً عنك، فإنك تواجه نوعاً من «اليقظة الذهنية القسرية». قد تضطر إلى التحدُّث بلغة أخرى، وعليك التجول في أماكن جديدة، وقد تأكل طعاماً جديداً. كل هذه الأشياء تجعلك تتوقف وتفكر ملياً».
من المؤكد أنّ التخلُّص من عاداتك الروتينية هو أمر صعب عندما تكون محاطاً بأشياء وأماكن تُذكّرك بروتينك اليومي. في الواقع، قد يكون من الصعب خلق بيئةٍ غير مألوفة في منزلك، لكن بلير تقول: «هناك الكثير من الحيل التي يمكن تجربتها للمساعدة في التغلب على روتينك اليومي».
1. غيّر روتينك جذرياً
من المحتمل أن تبدأ يوم الإجازة في المنزل بصباحٍ لطيف ومريح، والبقاء في سريرك لبعض الوقت، في الواقع يجب أن تفعل ذلك، لكن بلير تقترح النظر إلى فكرة البقاء في السرير صباحاً مثل الذهاب إلى النوم مبكراً إلى حدٍ ما.
تقول بلير: «ابدأ إجازتك في المنزل بيومٍ رجعي. أي تناول طعام العشاء عند الاستيقاظ، ومارس الأنشطة المسائية في الصباح، ثم تابع على هذا المنوال. تجذب هذه التجربة انتباهنا إلى مقدار ما تفعله عاداتنا في حياتنا، وتوفِّر فرصة للترويح عن النفس. سيكون الأمر مختلفاً بالنسبة للجميع، ولكن جرب مثلاً أن تقلب يومك رأساً على عقب باستثناء تناول القهوة، لأنها ستبقيك مستيقظاً إذا أضفتها إلى روتينك المسائي.
2. تجنَّب إشارات يوم العمل
تقول بلير: «الشيء الآخر هو معرفة المحفزات والتخلُّص منها. ضع حقيبة العمل بعيداً عنك بما أنك في يوم إجازة، وجرّب القيادة في طرقٍ مختلفة عندما تتوجه إلى المدينة للقيام ببعض المهام».
يجب أن تبعد جميع الإشارات التي تخبر جسمك وعقلك أنّ وقت العمل قد حان. إذا كنت تعمل من المنزل، فقد يعني ذلك البقاء بعيداً عن جهاز اللاب توب طوال مدة إجازتك. حاول استخدام الأجهزة التي تربطها بالترفيه أكثر، أو تجنّب استخدام الإنترنت نهائياً.
3. اختر وجهتك
في ظل كوورنا خصيصاً، لا يمكننا الذهاب إلى أماكن متعددة، لكن يمكنك الاستمتاع ببعض مزايا السفر إلى مكان جديد، فبعد التخلُّص من إشاراتك المعتادة، استبدلها بأنواعٍ جديدة من الإشارات التي تحاكي بيئة الإجازة التي كنت تنوي قضاءها. إذا كنت ترغب في السفر إلى إسبانيا مثلاً، فإنّ الخطوة التالية هي إنشاء بيئةٍ تولّد لديك شعوراً كما لو أنك في أمسيةٍ ذات طابعٍ إسباني. قم بإعداد طبق «الباييلا» الإسباني، وأضف بعض العناصر التي تحاكي إجازتك كما لو كانت هناك؛ مثل شراء مفارش جديدة أنيقة، أو ارتداء قميص مفضل في منتصف الشتاء، يمكن أن يُحدِث فرقاً ويضيف شعوراً بالمكان أيضاً.
لست بحاجةٍ إلى تحويل منزلك أو شقتك إلى صورةٍ طبق الأصل من وجهتك المفضلة؛ لِنَقل مثل مدينة «إبكوت» الترفيهية، فالهدف ليس خداع نفسك فعلياً لتعتقد أنك هناك، لكن تأمّل كيف يمكن أن يختلف قضاء يوم في الخارج عن قضاء يومك على الأريكة، استخدم هذه الاختلافات كمصدر إلهام لتجد طرقاً لكسر روتينك الممل.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ إحدى مزايا قضاء العطلة في المنزل هي أنه يمكنك محاكاة نوعٍ مختلف من الأماكن التي يمكن زيارتها كل ليلة. هل تريد زيارة منتجعٍ صحي في الحمام أو تناوُل المارغريتا في المطبخ؟ هل تريد أن تعيش أجواء المنتزه في غرفة المعيشة؟ يمكنك فعل أي شيء والذهاب إلى أي مكانٍ ترغب به. تقول بلير: «مهما كانت الطريقة التي ستصل بها إلى هناك، ستحصل على المتعة والبهجة في النهاية».
4. استمتع بإقامتك في المنزل بالتخطيط
سيساعدك التخلُّص من روتينك المعتاد في تخفيف التوتر، والحصول على بعض الفوائد الصحية التي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال السفر فعلاً، وهذا أمر عظيم. ربما تشعر بأنّ ما تفعله خلال إجازتك في المنزل محرج بعض الشيء، لكن اعلم أنّ جسمك وعقلك يستفيدان من الوقت الذي تقضيه في أي روتينٍ جديد وغير عادي.
لكنّ ذلك لا يعني أنك ستتمكن من كبح رغبتك في السفر فعلاً. إذا لم تعجبك إجازتك في المنزل ذات الطابع الإسباني، ففكر في الأمر بطريقةٍ أخرى؛ لديك القدرة على البدء بالجزء الأكثر متعة من قضاء إجازة «حقيقية»؛ وهو التخطيط لها، يمكنك البدء الآن.
تقول بلير: «هل تعرف أكثر الأوقات سعادة؟ عندما تخطط للقيام بأمرٍ ما في الواقع». في إحدى الدراسات التي أُجريت على المصطافين الهولنديين، أبلغَ المصطافون عن درجة أعلى من السعادة قبل الرحلة، ربما لأنّ قيامهم برسم مسارات الرحلة والبحث عن أفضل الفنادق للإقامة، وتخيُّل الأمكنة التي سيزورونها كان مصدراً للسعادة الغامرة قبل الرحلة بالنسبة لهم.
تلك أخبارٌ سارة بالنسبة للأشخاص الذين يشعرون أنهم محتجَزون في منازلهم هذا الشتاء. قد لا تكون قادراً على الاستيقاظ والذهاب لأي مكان، ولكن حدد أهدافك وخططك للرحلات المستقبلية، وجرّب المشاعر الجيدة التي تثيرها هذه العملية. لا يحتاج الأمر إلا لبعض عمليات البحث عبر الإنترنت.
هذا المقال محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يُعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً